المشهد الأول
طويت الليالي والليالي مراحل
إلى اجل يسري إلى كما اسري
وإنا لفي الدنيا كركب سفينة
تظن وقوفا والزمان بنا يجري
أيها العزيز مدينتك الغافية على نهرها المنساب والمتهادي الذي يشق بقسوة تلك التخوم السومرية ويرسم حسناء تجر ضفائرها المخضبة بالحناء وتشهق بأريجها نحو نجوم السماء تذكرتك وهي تتوشح بالسواد وتتذكر أيامك الجذ لا التي عشت لياليها الحالمة تجلس بكبرياء الحكماء في مقهاك المفضلة مقهى أبو احمد ويلتف حولك أولائك المثقفون من رعيلك الذي أحييت معهم حياتك الجميلة تجلس القرفصاء تحتضنك زاوية المقهى وأنت تتأبط كتبك وتضرب بأسماعك صوب صوت مطربة العرب أم كلثوم وشدوها الحلم حيث تلك الأيام التي تجمعك والجمع الخير أواخر كل شهر في حفل بهيج كبهجة الربيع وكنت تتجاذب أطراف الحديث وتتراقص أسماء ذاعت شهرتها على الألسن فهذا ماركس وهذا سارتر وهذا ترو تسكي تقلب ذهب مع الريح وتذكر توليستوي وتكبر لينين وماوت استونك والحركة البلشفية إنهن أيام حسان وخلواتن لن يعدن بعد .
المشهد الثاني
هجرت مدينتك إلى العاصمة بغداد تطمح بالتلاقي مع عشاق المسرح والفن وتلهث بعنفوان الشباب باتجاه شارع المتنبي فتلتقط منه الغث والسمين من الكتب وتهرول مسرعا صوب المسارح لتطل منها بطلعتك البهية وترسم تأملاتك وحركاتك الإيحائية بدقة ورصانة وتشد جمهور الحاضرين بعفويتك الجنوبية وسحرك السومري وابتسامتك النرجسية ولدغة لسانك الجميلة وتسطيرك ألفلاحي الجميل لذلك الابن العراقي الجنوبي المغلوب على أمره والذي فتكت به العجائب والغرائب فسلبته عقله وعاطفته فكنت لها ذلك البارع في تجسيدك وصبرك وجمال صوتك أن الذي يسمع عقيرتك يهرب إلى الناصرية وسحنتها وقيثارتها الشبعادية .
وقفت أيها العزيز صارما في بغداد يحيط بك أولائك الراحلون الأوائل الذين شدوا الرحال من الناصرية حضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم وكنتم أهلا لها تشرفت بكم بغداد وتشرفتم بها وكفاكم خيرا لأنكم أذعتم اسم مدينتكم الناصرية ولهجتها الجنوبية حتى أن الجميع من الشمال إلى الجنوب يحكون الدرامي والابوذيه ويتناغمون لذلك الموال
(( وبعد واعظاي لمنه )) (( وللناصرية يهواي اروح وياك للناصرية تعطش وأشربك ماي بجفوف أديه )) والمكير والشعر الجميل الذي يفتح القلوب والقريحة .
ابا سعد ياعزيز
غايت المدح في علاك أبتداء
ليت شعري ماتصنع الشعراء
المشهد الثالث
لا ينهض الفنان لنفسه .. ينهض لامته وينهض لمجتمعه .. وهو حين ينهض لا يضع في حساباته منافعه الشخصية .. بل هو يتنازل عن كل ما يربطه بذاته من منافع ومكاسب .. انه يصدح بمبدئه متجردا عن كل شي يربطه بالمنافع والمكاسب . وهذا راحلنا وفقيدنا عزيز عبد الصاحب نموذج حي للفنانين الحقيقيين وللكتاب المسرحين المستمدين مفردات نصوصهم من عقيدتهم الخالصة لخدمة البشرية والإنسان والإنسانية .
إن فقيدنا عزيز عبد الصاحب هو النموذج الحي للمسرحي الصبور ولم أنسى جلستي الأخيرة معه حيث قال لي ..
ياماجد اننا لم نمثل ونكتب من اجل أن نملا بطوننا ولهذا لن يستطيع أحدا أن يكمم أفواهنا أو يسكتنا .
المشهد الأخير
نسري إلى آجالنا وتسري ألينا.. سوف تدركنا يوما وندركها فإذا العمر الذي خلفناه طويلا أذا به خيال قصير كخيال النائم .
وكأننا ماعشنا الحياة ولا طالت صحبتنا إليها ويودع ابن ادم دنياه فماذا يخلف وراءه ؟؟ .
يخلف العمل والبصمة والذكرى يخلف العمل صالحا أو طالحا .. يخلف ذكرا حميدا أو غير حميد .. يفنى كل شي ويبقى العمل والذكرى.. فكان هذه الحياة أشبه بسفينة تعارف ركابها حينا من الدهر محدودا بحدود مسافة مقدرة .. وإذا بالركب ينفضون فكأنهم ما التقوا ولا عرف بعضهم بعضا .. فيا ابن ادم احرص على العمل الصالح واترك بصمة للأجيال كبصمة الراحل عزيز عبد الصاحب التي روى بها ارض الأباة وتربة الإشراف ارض الرافدين ( العراق ) قولا وعملا وما دونها زائل .
قبل أن تغلق الستارة
اطلب من زملائي الكتاب والأدباء إكمال رواية (( المحنة )) بالاستفادة من حقيقة تاريخية واضحة ملخصها أن أي مبدع وفنان وأديب وكاتب ومسرحي عندما يريد أن ينقذ إبداعه وفنه ومن اجل أن يوفر لقمة العيش له ولأولاده ومن اجل أن يسلط عليه الضوء يهاجر لبغداد ويقصد العاصمة ويتخذ منها إضافة لما تقدم مكاننا لنشر أفكاره وإبداعه وهذا ما اسميه بهجرة العقول .
إذن فعلى الجميع أن لا ينسوا هذه الحقيقة التاريخية .. وبقدر حرصهم على الجنوب وفنه وناسه أن يحرصوا وان يفكروا بموضوع العودة إلى الجنوب وخاصة الناصرية هذه العودة إن لم تحدث وتحصل بسرعة فان الجنوب وذي قار والناصرية وقلعة سكر ستبحث عن جيل إبداعي من داخلها . أما المبدعون اللاجئون النائمون في أحضان الغرب وقد نجدهم يؤرخون للعراق كحادث ماض فحسب بل نجد بعضهم يؤرخون لإسقاطات الفن المعاصر التي تكررت على التراب العراقي في عاصفة 2003 فسوف يؤسسون لأنفسهم جنوب وهمي وناصرية مترفة كترف النستلة وهم خارج أجواء ألحبوبي ألاذعة القاسية وخارج حدود العراق وفي المستقبل ليس مضمونا أن يجرى تفاهم اخوي بين جنوبين وناصرتين وهذا هو مكمن الخطر .
Majid_alkabi@yahoo.com |