(1) الجلوس في مقهى (لاندمان ) في فيينا فيه اكثر من متعة ، ليس فقط بسبب الموقع المتميز المجاور لجامعة فيينا وحدائق البلدية الغنية بالمطاعم والاكشاك التي تقدم ماكولات ومشروبات لاكثر من ثلاثين بلدا , اواطلالة المقهى على مسرح البورغ اكبر مسارح اوروبا قاطبة ( انشأ عام 1888 ) , انه مقهى الفنانين والمفكريين والسياسيين والمشاهير منذ افتتاحه عام 1873 ... وتحمل جدران المقهى صورا وذكريات عن بعض رواده - هنا كان يجلس العالم التحليل النفساني فرويد (1856- 1939 ) والموسيقار الكبير مالر ( 1860- 1911 ) والمخرج الممثل اوتو بريمنغر (1905- 1986 ) الذي نذكر له من افلامه الكبيرة – كارمن جونز عن اوبرا كارمن لبيزيه , وفيلم مرحبا ايها الحزن عن رواية فرنسواز ساغان – وفي ايام دراستي في فيينا كنا نذهب الى مقهى لاندمان لنرى الممثلة الجميلة رومي شنايدر التي عرفت الشهرة وهي في السادسة عشر من عمرها وتوفيت عام 1982 ولما تبلغ الـ 44 عاما , تاركة وراءها رصيدا يتجاوز الخمسين فيلما قامت ببطولتها !!
ولا يخلو يوم في مقهى لاندمان من نشاط فني او ثقافي او حتى سياسي ( يحلو لكثير من السياسيين عقد مؤتمراتهم الصحفية هناك ) وحتى في هذا اليوم القائض (منتصف آب 2007) كان هنالك اعلان عن ثلاث فعاليات بالمقهى في المساء ..
لطمية 1 – على الرصيف سقطت صبية مغشيا عليها بتاثير حر فيينا الذي لم يتجاوز في ذلك النهار 34 درجة , فاسرع بعضهم ليرش وجهها بالماء البارد .. في تلك اللحظة تذكرت اهلنا في العراق ودرجات الحرارة التي تتراوح حول الخمسين , وحضرت في ذهني تلك اللقطات التي شاهدتها على قناة الديار الفضائية لاطفال ونساء يتزاحمون امام بائع الثلج علهم يفوزون بشراء ربع قالب من الثلج مشكوك بنقاوة ماءه !!
(2) انتبه الحاضرون في المقهى الى مرور فتاتين متشحتين منقبتين بالسواد لا يظهر منهن غير العينين ، تتحركان برشاقة وخفه ، لم يكن مظهرهما الخليجي وحده ما لفت الانظار اليهما ،وانما ضحكهما الشديد الانوثة والذي يفضح ان ما تحت النقاب اجساد تنبض بالحياة والحيوية ، وينطبق عليهما قول الشاعر :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان خالها تُخفى عن الناس تعلمُ
عاد رواد المقهى - بعد مرور الفتاتين – الى ما يشغلهم ، وانتبه الساقى الى سيدة كانت قد دخلت قبل قليل ، فاسرع نحوها مرحبا ، وصافحته بمودة تدل على معرفة قوية ، ثم قادها الى طاولة محددة لتجلس , ثم ناولها جريدة الصباح كما هي العادة في مقاهى فيينا الاصيلة !
قال صاحبي موضحا :هذه وزيرة الثقافة النمساوية ... نظرت باهتمام مفضوح - وزيرة الثقافة ، تأتي هكذا ببساطة ، لتناول فنجان قهوة في مكان عام ... تصافح الساقي وتهز رأسها تحية لبعض من تعرفهم وتسير بدون حرس ولا حاشية مسلحة !!
لطمية 2 : ... هل من الضرورى ان اتذكر وزراءنا وما يحيط بحركتهم في بغداد من مظاهر ... وهل من الضروري ان اتذكر وزير ثقافتنا الان الغامض الاقامة والموقع والنشاط !!
(3) خلف مقهى لاندمان واحد من المنازل العديدة التي عاش فيها الموسيقار بيتهوفن ( 1770- 1827) وفي هذا المنزل المقابل لجامعة فيينا عاش بيتهوفن اطول فترة في مكان واحد ، لذلك تم تحويله الى ذاكرة بيتهوفنية ضمت تفاصيل عنه وعن اعماله ,,, وبسبب من آلام العمود الفقري لم استطع مرافقة هند كامل وديار في الصعود الى الطابق الثالث حيث ذكريات بيتهوفن ! فجلست انتظرهما في مقهى لاند مان !!
وعندما عادا كان ديار مسرورا حيث ان بعض زوار المكان العرب تعرفوا على والدته واصروا ان يحصلوا على توقعيها وان يأخذوا صورا مع ( الفنانة العراقية هند كامل ) في بيت بيتهوفن !
ما سرني اناا ان بعض السواح العرب يزورون المعالم الفنية والحضارية وليس فقط الاسواق اوعلب الليل !
وتسال ديار : هل يهتمون في العراق باثار الفنانين الكبار ويحولون بيوتهم الى متاحف !؟!
لطمية3: ابتسمت هند بمرارة وهي تقول " يا حسرة على الفنانين والمثقفين العراقيين المهجولين بالعالم يبحثون عن ملاذ الهم ولعوائهم ... ولو حجرة بازقة عمان او دمشق او بلاد الله الواسعة .. ولا يعنيهم الان ان يتذكرهم احد بعد الموت !!" |