حاورته: ضحى عبد الرؤوف المل
منذ روايته "الامريكان في بيتي"(بيروت 2011) والروائي العراقي «نزار عبد الستار» يؤسّس لنفسه منطقة اشتغالية أقل ما يقال عنها إنها مفعمة بالجاذبية وتتميّز بقواعد فنية حاذقة وصنعة متقنة، والقارئ لايخطيء أبدا اختلافه عن السائد، فكتاباته تصنع فضاء عجائبيا بفانتازيا ساخرة في لغة توحي بالواقعية السحرية ولكنها تمتلك خصوصيتها وثراء محتواها باعتبارها منطقة خالصة لكاتب متميّز. وتأكيدا لكل هذا جاءت روايته الأخيرة «يوليانا» الصادرة في ببيروت عن دار «هاشيت أنطوان» بدمغة نوفل لتثير الاعجاب والفضول معا، فهي رواية تتميّز بفنيتها العالية ودقة صنعتها فضلا عن أنها رواية تتحدث عن مجتمع مسيحي بكامل تكويناته الروحانية وبأحداث تقع بين بلدة كرمليس ومدينة الموصل في شمال العراق من خلال حكاية الأب ججو والابن حنا وعذابهما مع العوق الجسدي الوراثي وتمسّكهما العميق بالمحبة التي أشاعها المسيح في الأرض وقناعتهما الراسخة بدور الإنسان الفاضل. ججو وحنا يواجهان الخيبة بإيمان صادق ويتهمان بالجنون ويلاحقهما الانكار الى أن تظهر لهما القديسة يوليانا لتمنحهما اليقين والمكانة المرموقة.لهذا دفعني الفضول لسؤال الروائي «نزار عبد الستار» عن بعض النقاط التي استفزّتني في الرواية:
* القديسة يوليانا ظهرت لتتحدث عن الحب.. أهذا كل ما أردت قوله؟ - رواية يوليانا تعلي من شريعة الحب باعتباره سلوكا إيمانيا ونهجا حياتيا، وأنا تكلمت عن معجزة الإنسان حين يحب وهذا اعتبره حاجة ملحّة الآن. ليس فقط لتجسير تنوّعنا كأديان ومذاهب ونحن نعيش معا على أرض واحدة، وإنما لأن منظومتنا الأخلاقية بحاجة الى إعادة انتاج الإنسان الجيد فكل ما نعانيه الآن سببه عوزنا الانساني وفقر المحبة. * اهديت روايتك إلى المسيحيين الذين أخرجهم تنظيم داعش من الموصل عام 2014، هل ترى انك أعدت الاعتبار إليهم؟ - المسيحيون الذين خرجوا من الموصل سيعودون إلى أرضهم وديارهم حتما، لكن المسألة تتعلق بفعل الحياة. بلدة كرمليس عاشت سبعة آلاف سنة بشكلها نفسه وحين أصبحت مسيحية استمرت بتوليد الحياة إلى يومنا هذا. في رواية يوليانا قلت إننا كبشر دنيويين ومتدينين نعيش من أجل هدف واحد وهو الخير لذلك فالتمييز لن يكون إلا في اجتهادنا من أجل انسانيتنا. لم أكتب روايتي كمسلم يريد التوفيق بين طرفين وإنما التنبيه لحلمنا الجمعي في الآمان والسلام والمحبة.
* رواية يوليانا تسلّط الضوء على ظهورات القديسين، هل اتكأت على سند ديني؟ - الظهورات قضية شائعة سواء تلك التي تتحدث عن مريم العذراء أو الظهورات المتكررة للقديسين في أماكن عدة ، وأنا بنيت روايتي على معتقدات شعبية تخص القديسة بربارة التي لها مكانة كبيرة في وجدان أهالي الموصل كمسيحيين وكمسلمين، فكان عليّ توظيف القديسة «يوليانا» وفق تصوّر مغاير وجعلت القديسة «يوليانا» تلعب دور الوسيط باعتبارها رحمة إلهية لكن الفعل في النهاية ليس للقديسة «يوليانا» وإنما للابن حنا الذي هو مصدر المعجزات لأنه نقي السريرة وصادق
* تكنيك رواية يوليانا غاية في الدقة وهي رغم عوالمها المتعدّدة إلا انها سلسة ومشوّقة وفيها شعرية عالية. - دقة الصنعة مسألة لا يمكن التفريط بها وأنا أرى ان المهارة في الكتابة يمكن لها صناعة التشويق بكل مستوياته وبذلك يمكن الوصول الى مبدأ الخلية الحية وفق تعبير «هنري جيمس» حتى لو كنا نصنع عالما عجائبيا. إن تعبير الرواية السلسة هو من أكثر اشكالات الرواية العربية حساسية الآن فالبعض يعتمد على الضمائر الكتابية اليسيرة مثل الأنا المتكلم. لكنني أحب استعمال الراوي العليم، فبهذه الطريقة يمكن استعراض المهارات وصناعة رواية بمواصفات فنية كاملة. رواية يوليانا تمتلك الموضوع الجذاب لكن هذا ليس كل شيء وأي رواية تعتمد فقط على حكايتها سرعان ما يبطل سحرها ولا تعيش طويلا. * شخصياتك كلها تعيش باندفاع ورغبة في الحياة وكل واحدة منها يحمل قضية. - هذه هي قوة الطاقة الوجدانية لدى الكاتب. أنا أريد كتابة رواية تنضح بالحس. اعتقد أن الرواية الكلاسيكية أخذت مكانتها بسبب الصرامة العالية، فالجدار الذي تصفه هو في النهاية محض جدار، لكنني أرى أننا نميل في عصرنا هذا إلى نزعة التلوين وخلق عوالمنا بحلم يقظ. البشر الآن يحلمون أكثر من البشر الذين عاشوا قبل قرن وهذه قضية تتعلق بتعددية الرؤية وبرغة متنوّعة في الخلاص. نحن الآن نعرف كل الافكار وما علينا في الزمن القادم سوى اختيار أسلوب حياة شخصية لذلك أنا أحب كتابة روايات غنائية. أحب تحريك الأشياء كلها فهذا هو العزاء الوحيد لوجودي الإنساني.
|