| 
							
								
									|  |  | 
										
											| 
												
													| 
		
			
				| 
			
				| قصائد |  
				| 
					
					|  |  |  |  
						|  | 
						تاريخ النشر      
						 25/03/2016 06:00 AM
 |  | 
 
 |  
				| 
				
					
		
			| عند باب بغداد ، هناك ، جلسنا وضحكنا
 لا جديدَ هنا كالذي يصفونْ
 لا جديدَ سوى غزوةٍ ، صورةٍ من تقاليدِ تأريخِنا ولوازمِ رحلتِهِ في العصورِ ، وما نحنُ نشهدُهُ اليومَ كنّا شهدناهُ من قبلُ ..
 كمْ مرَّةً ؟!
 لستُ أذكرُها كلَّها ..
 أهْيَ عشرٌ ؟
 أقلُّ من العشرِ ؟
 أكثرُ ؟
 لا لستُ أذكرُ إلاّ الشهيرةَ منها ، الأليمةَ ، أعني التي هيَ أكثرُها ألماً ، غزواتُ وقتلٌ ونهبُ وسبيٌ .. وما تعرفونْ .
 لا جديدَ إذنْ ، فالغزاةُ يجيئونَنا حقبةً بعدَ أخرى ، وقدْ يحبسونَ الهواءَ ، إذا قَدِروا ، في قواريرَ ، أو يجرحونَ السماءَ بما ملكوا منْ صواريخَ ، لكنَّهمْ يرحلونْ .
 دائماً يرحلونَ ، ونحنُ هنا ، نحنُ والنخلُ والنهرُ والعشبُ والطينُ ، نحنُ وآباؤنا ، وقبورُ ذوينا ، هنا ، منذُ بدءِ الخليقةِ ، منذُ انبثاقِ الحقيقةِ ، نحنُ هنا ، نحنُ واللهُ ، نحنُ هنا راسخونْ ..
 حينما داهمتْ جندُ « عيلامَ » أسوارَ « أورْ » ..
 حينما هدموا دورَها واستباحوا معابدَها وازدرَوْها ، جلسنا معاً وبكينا ، بكينا طويلاً ، بكى مُتْرَفوها وكُهّانُها وبنوها ، بكينا بفيضٍ من الدمِ والدمعِ ، ضِقْنا بآلهةٍ لمْ تصنْها ولمْ تحمِ أسوارَها ، وكتبنا مراثيَ فيها على رُقُمٍ من قلوبِ العذارى ، ولكنَّنا بعدَ حينٍ نهضنا معاً ، وطردنا الغزاةَ ، وشِدنا المدينةَ ثانيةً ، دورَها وجنائنَها ومعابدَها ، وبنينا لها ألفَ سورٍ وسورْ .
 ثمَّ حينَ غدتْ بابلٌ درَّةَ الأرضِ ، وازَّيَّنَتْ بجنائنِها وعلتْ ، وتباهى الملوكُ بها وبأسوارِها ، جاءَها ذاتَ يومٍ غلامٌ منَ الغربِ يلبسُ ثوبَ أرِسْطو ، وما هوَ إلاّ غلامٌ دَعِيٌّ غريرْ ..
 صارَ أسطورةً في الأساطيرِ ، أحْجِيَةً في الأحاجي ، ولكنَّه ، بعدَ حينٍ ، قَضَى دونما وارثٍ من بنينَ ، وخلَّفَ ملكاً تقاسمَه منكَرٌ و نكيرْ ..
 لا جديدَ إذنْ ، فنواميسُنا قُلَّبٌ ، هِيَ حيناً لنا وهْيَ حيناً علينا ، مصائرُ يصنعُها صانِعٌ ، ومفاتيحُ يُرْخِصُها بائعٌ ، ومغولٌ يجيئونَنا حقبةً بعدَ أخرى ، فبابلُ من بعدِ أورٍ ، ومنْ بعدِها نينوى ، أو سواها ، وبغدادُ .. بغدادُ ، جوهرةُ اللهِ ، آهٍ لها دارَ نخلٍ وماءٍ نميرْ ..
 وعيونٍ من الإنسِ والجنِّ ترنو إليها وتحسدُها ، ومغولٌ من الشرقِ والغربِ يحصونَ أنفاسَها ، وذئابٌ ، وأغربةٌ ، ونسورْ .
 قلتُ : بغدادُ ، ولْنَنْظُرِ الآنَ كمْ مرَّةً دهمتْها المغولُ ، وكمْ مرَّةً باعَهمْ عَلْقَمِيٌّ مفاتيحَها ، وجلسنا على ضفَّةِ النهرِ نبكي ، ونندبُها بمراثيَ من حسراتٍ ودمعٍ ، وما من مواسٍ لنا أو مجيرْ ،
 غيرُنا نحنُ ، أبناءَها الأوَّلينَ ، ولا أعرفُ الآنَ من نَسِيَ الدرسَ ، نحنُ نسيناهُ أمْ همْ نَسَوْهُ ، ولكنَّهمْ رحلوا ، كلَّهم ، وبقينا ، ونبقى ، وهم دائماً يرحلونْ .
 ....................................
 عندَ بابِ المدينةِ أوقفني ، اليومَ ، عِلْجٌ من الرومِ يسألني مَنْ أكون !
 فما قلتُ شيئاً ، ولكنَّه ظلَّ يسألني ويُحَدِّقُ في سحنتي وأساريرِ وجهي ، فقلتُ له : أنا مِنْ ها هنا ، من ترابِ مدينتِنا هذه ، فقلْ أنتَ لي مَنْ تكونْ ؟!
 قلتُها وسَكَتُّ ، ولكنَّه هاجَ كالثورِ ، بَرْطَمَ ، واقتادني من ذراعي إلى حيثُ يجلسُ خمسونَ مثلي ، حُزانى ، يكادونَ يبكونَ من وحشةِ الروحِ ، أو همْ ، كما كنتُ أحسبُ ، يبكونَ داخلَ أنفسِهم ، دمعُهم دمُهم ، يَتَقَطَّرُ في مُستدِقِّ شرايينِهم شرراً لا تراهُ العيون ..
 فقلتُ لنفسي : إذنْ هذه ساعةٌ للبكاءِ ، ولي حصًّتي منه ، فلأبكِ بغدادَ كالأوَّلينَ ، بكاءً يليقُ بها وبما ضاعَ منها . وفتَّشتُ في مقلتيَّ عن الدمعِ ، لكنَّني لم أجد منه شيئاً ، ولا دمعةً ، نَضُبَ الدمعُ ، في ما بدا ، فرطَ ما فاضَ منه وما غاضَ عبرَ القرونْ ..
 عندها لم أجدْ ما أقولُ لنفسي ، ولا ما أقولُ لِمَنْ جلسوا مجلسي ، فضحكتُ ، ضحكتْ طويلاً ، وراحوا معي يضحكونْ !
 
 من ديوان "اينانا" |  |  
				| 
 
					
					رجوع 
        			 |  |  
     
	مقالات اخرى لــ  سامي مهدي 
 
 
 |  |  |   |  | 
		
			
			| 
				
				
					| 
				
					| 
 
						
							| 
        
        
          | 
              
              
                | 
     
     
		
			| 
			
			
			انضموا الى قائمتنا البريدية |  |  |  |    |  
					|  |  
					| 
 
 |  
					|   |  
					|  |  
					|  |  |  
					|  |  |  |