خاص
عن "نقاش" تحوّلت الموصل ثاني اكبر المدن العراقية إلى ساحة حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس فعدد الضحايا المدنيين في ارتفاع بسبب القصف، ومن سوء حظ عائلة الحاج شيت أنها تسكن منطقة المجموعة الثقافية شمالي المدينة، التي كانت هدفاً لطائرات التحالف الدولي مرات عدة خلال الشهرين الماضيين، ما اجبر افراد العائلة على الفرار لكن ليس بعيداً.
"لا موعد محدداً للقصف، بات مألوفا أن يهرع الناس إلى الشوارع فجأة، شاهدت ذلك بأم عيني الأسبوع الماضي عندما وجدت نفسي اركض بلا وعي وسط أطفال يصرخون من الرعب وأمهات حائرات، اثر سقوط صاروخ على محلتنا وصواريخ أخرى في الجوار"، يقول احمد أكبر أبناء الحاج شيت.
تحدث احمد (34 عاما) لـ"نقاش" عبر الهاتف مختبئا في الطابق العلوي للمنزل لتأمين شبكة اتصال والابتعاد عن أنظار عناصر "داعش" وقال "القصف مختلف هذه المرة، إذ استهدف أبنية في جامعة الموصل لا يفصلها عن منطقتنا المكتظة بالمارة والسكان سوى شارع بعرض عشرين مترا، لذا كانت الخسائر بين المدنيين كبيرة. تعرفت على ستة قتلى والجرحى أضعاف".
ناشطون أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ضد قصف المدنيين ونشروا عبر صفحات وحسابات شخصية صورا لجثث وجرحى وآثار الدمار الأخير، وحمّلوا التحالف الدولي وتنظيم "داعش" مسؤولية ذلك، كذلك الحكومة العراقية والمسؤولين المحليين لتجاهلهم مآسي المدينة.
الناشط بلال سعد نشر صورة صديقه احد ضحايا منطقة المجموعة، وصرح لـ"نقاش" باسمه الحقيقي عكس من يعيشون في الموصل قائلا: هربت الى اسطنبول قبل ستة أشهر بواسطة مهربين لان داعش يمنع الجميع من المغادرة، ولو لم اسافر لربما كنت قتيلا او جريحا فعملي السابق قريب جدا من مركز القصف، "نصيحتي لمن بقي هناك، احزموا حقائبكم وغادروا قبل فوات الأوان"، أضاف بنبرة متشائمة.
"داعش" ذرف دموع التماسيح ليكسب مؤيدين إضافيين عبر إثارة النقمة ضد القوات الأميركية والعراقية التي تستعد لتحرير المدينة، فنشر صورا للحظات الأولى للقصف وجثث مدنيين وبعض الجرحى في وكالة "أعماق" التابعة له، فتلقفتها الصفحات وبعض الفضائيات العراقية لتعيد نشرها على نطاق واسع، وكعادته يفرض التنظيم سرية تامة على عدد قتلاه وخسائره المادية.
في الثامن من آب (اغسطس) 2014 بدأ التحالف الدولي الحملة الجوية ضد "داعش" في العراق، ومنذ مطلع العام الحالي قصفت طائرات التحالف أهدافا للتنظيم في عشرة مناطق سكنية أودت بحياة عشرات المدنيين.
وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها فإن أكثر الغارات دموية وقعت منتصف شباط (فبراير) الماضي في منطقة اليابسات غربي الموصل.
سعدي المناوي ناشط في مجال حقوق الإنسان، أكد ان الغارة أبادت ثلاث عائلات من اقاربه بعد سقوط صاروخ على احد المخازن الكبيرة التي يشغلها نازحون، متوقعا أن القصف كان يستهدف معملا مجاورا يستغله "داعش" لتفخيخ السيارات.
"الحصيلة كانت مقتل (21) فردا بينهم (13) طفلا دفنوا جميعا في قبر واحد طويل، الأطفال الرضع أودعوا في أحضان أمهاتهم" ختم كلامه بالدموع.
الحكومة العراقية لا يبدو انها مهتمة حاليا في ما يجري داخل الموصل حتى أنها لم تعلق على هذه الحوادث، كذلك الحكومة المحلية لم تبد تحمسا لانتقاد قوات التحالف، محافظ نينوى نوفل العاكوب لم يصرح الا بعدما اتصلت "نقاش" بمكتبه الإعلامي للحصول على تصريح بشأن القصف، فكان الرد : إن المحافظ اتصل بالأميركان وابلغهم بسقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح بسبب ضرباتهم الجوية الخاطئة، وطالبهم بتوخي الدقة.
المستفيد الوحيد من أخطاء القصف هو التنظيم الذي يريد كسب المزيد من الوقت قبل بدء العمليات البرية ضده، لذا يتقصد زرع مقاره ومواقعه المهمة وسط المناطق السكنية او قريبا منها، أي يعمل بمبدأ "عليّ وعلى أعدائي".
بالعودة الى احمد شيت الذي تابع قوله "ما أن نلتقط أنفاسنا بعد هدوء القصف، نعود الى أخبار العمليات البرية المرتقبة ليخيم علينا مجددا شعور الخوف المزمن المتعلق بتساؤلات عدة: الى اين نذهب وهل يسمح داعش لنا بمغادرة المدينة؟ ما القوات التي ستشارك في التحرير وكيف تنظر إلينا، أعداء ام أصدقاء"؟.
ثمة هواجس أخرى تتعلق بمخاطر انهيار سد الموصل وموجة المجاعة التي تضرب المدينة مع تشديد الحصار عليها من التحالف الدولي والحكومة العراقية، وعندما سألنا احد سكان الموصل عما يخيفه حاليا أجاب: القصف والجوع.
من الواضح ان سكان الموصل يعيشون مشاعر الخوف والترقب والاستعداد لسيناريو سيئ جدا يرتبط أساسا بمصيرهم اذا بدأت العمليات البرية، وهذا تفسير تمسك عائلة الحاج شيت بحقائبها المنتفخة التي نقلتها معها الى سكنها الجديد بعدما هجرت منزلها في منطقة المجموعة وانتقلت الى منطقة أخرى أملاً في الابتعاد عن القصف. |