بريد النشر
فن
أخبار و متابعات
مقالات و حوارات
قضايا
في السياسة
أدب
كتاب مشاركون
من نحن
الرئيسية

... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
إفلاس وقرارات بلا إطار سياسي وفكري.. فلا تتوقعوا الكثير!

سهيل سامي نادر

تاريخ النشر       12/08/2015 06:00 AM


ما يقلق في تظاهرات بغداد والمحافظات أنها عفوية ، بلا قيادة ، محاطة بحيتان الفاسدين ، والمليشيات ، وظروف صعبة ناتجة عن وجود خطر موضوعي قريب من العاصمة . أكثر من هذا أن النظام هش وإمكانية دخول عنصر غير محسوب واردة . لكن ما سهّل استمرار المظاهرات ، وحصولها على تأييد شعبي متزايد ، أن مطالبها المرفوعة كانت بمنزلة البديهيات ، فلا النظام ولا السياسيون الفاسدون أنكروها ، بل ظهروا مطوقين بها ، مفضوحين ، متهافتين ، ما شجع القوى التي نزلت الى الشارع أن تخطو خطوة أخرى بنزع الرمزية الدينية التي احتمى بعض السياسيين خلفها طويلا.
إنه زمن الأزمة – الأزمة التي تثرم الجميع ، فلا يعود بالامكان الرجوع ولا التقدم في الظاهر ، ولا يعود بالامكان تفادي الانفجار . 
ثمة ترابط عضوي بين الانفجار الشعبي والأزمة السياسية والخلقية العميقة للنظام ، الشظايا وردود الافعال والالعاب ستظهر كلها دفعة واحدة . فلأنها بلا رأس أظهرت بين الحين والحين رؤوسا عربيدية ، ولأنها ضد اللصوص غازلها لصوص ، وهي ضد الفساد باركها فاسدون . في الميزان الاخلاقي كان الانفجار قد حمل بداهته معه ، وبات عاملا محددا ، ولقد واصل التحديد بدخول قوى جديدة ، فبدا كأنه سيبقى لفترة طويلة - وهذا ما أخاف المالكي وذكّره بخيام الفلوجة وأوحى بوجود مؤامرة ، بالرغم من الاثنين غير متماثلين.   
لقد احتاج الغضب الشعبي الذي لم يعد بالامكان السيطرة عليه ، إلى أن يقفز قفزة أخرى ، وهي أن يفك الاشتباك بين الحقيقي والزائف ، وأن يتحرر من لعبة السياسة القديمة . في هذا المفصل ، أي تماما عندما بات الانفجار يستولي على العقول والقلوب ، جاء دور العبادي الذي حركته المرجعية الدينية ومنحته الإذن بإنهاء الأزمة ، عندها بدا كما لو أن المطالب الشعبية تحققت .    
لنواصل تفحص ما ظهر . إننا إزاء انفجار شعبي صاحبته ، كتفا بكتف ، هزليات نظام سياسي مفلس ، وحماقات سياسيين أميين . صاحبه كذلك خشية مسؤولة من أن الخطر الأكبر يدق أبواب العاصمة ، ولا يمكن الذهاب أبعد ، كمحاكمة النظام السياسي مثلا ، بل الاكتفاء بمطالبات واضحة وضوح الشمس لا يمكن منازعتها والتقليل من شأنها . في هذه الأزمة كان اللصوص يعرفون أنفسهم الى حد أن أسقط في يدهم ، فاتفقوا مرغمين على تأييد الشعارات المرفوعة. تلك واحدة من ظواهر الأزمة الثورية . ولأنهم لصوص ، بلا أخلاق ، ولا حتى تقاليد سياسية ، مارسوا الألعاب ، واعترفوا بالفم الملآن بوجود خطب كبير يعم العراق كله ، والأفضل لهم التسليم ببعض الحقائق .
إن الاتهامات بالتآمر التي ترمي الأحزاب الاسلامية الآخرين بها باتت مكشوفة كإسقاط نفسي . إن الذي وصف اضراب عمال بأنه مؤامرة دبرت بليل ، سيرفع عقيرته مطالبا بالإصلاح . ذلكم اعتراف لا يجب التقليل منه . لكن علينا أن نشير بالمقابل أن نفس هذا المسؤول بات واثقا من أن الانحطاط هو من الشمولية بحيث لا يمكن أن يخشى على نفسه من المساءلة . إنه مجرد واحد من مئات ، بل هو غير مسؤول شخصيا بل النظام كله – هذا الكفيل الكبير الذي صُنع بليل .  لعله يدرك أن البؤس سيجعل العمال أنفسهم يرفعونه على الأكتاف إذا ما حقق لهم مكسبا تافها : لا يخشى سياسي فاسد من بيئة تنتج البؤساء الذين يقبلون بالقليل ، أو يقبلون الرشوة . البؤس الشامل ينتج مسحوقين يمكن استخدامهم في أسوأ الأعمال.
لعل هذا هو السرّ في أن الحراك الشعبي بدأه من يحسّون بإنسانيتهم أكثر من غيرهم ، وجلّهم من الشباب الذين أدركوا مخاطر التحول إلى بشر دون ، بلا كرامة.
في اللحظة التي أحيلت قرارات رئيس الوزراء إلى البرلمان ، بدا واضحا أن البرلمانيين الثعالب الذين يمتلكون نظراء في الحكومة ، شعروا بالأمان ، فالأمر عاد الى ملاعبهم الدستورية ،  والنظام السياسي ظل يحافظ على توازنه الدستوري ، وهاهو يجري إصلاحات داخلية . إن أولئك الذين ظلوا يدوسون على الدستور بأقدامهم ، والذين عطلوا المصادقة على عشرات القوانين ، وافقوا بالاجماع على قرارات العبادي بسرعة مدهشة.
لا عجب من هذه الموافقة الجماعية السريعة ، فأفق المطالب الشعبية جرى تحديده بسبب الخوف من تطور غير محسوب ، ووجود نزعة عدم التسييس بالرغم من أن القضية سياسية بالدرجة الاولى . من هنا واصلت العقلانية السياسية الكابتة عملها بين المحتجين في الشارع ، بالتضافر مع سلطة ظهرت متفهمة وراحت توزع قناني الماء على المتظاهرين بالمجان. أكثر من هذا أن الاجراءات التي اتخذها العبادي جاءت بلا تكييفات سياسية ، بلا خطاب يجذّرها ويمنحها أفق الاصلاح السياسي الذي ينشده الناس . فلم لا يبصمون إذن؟     
لعلنا سنسمع في ما بعد بوجود أخطاء دستورية حدثت ، بحيث ندخل دورة تسويف جديدة ، يضحك فيها الفاسدون على الناس .
هذا ما أتوقعه إذا لم تتغير حسابات الجماهير ، وإذا لم تنبثق قيادة سياسية منها ، تواصل النضال . لقد أسهم العبادي بنصيبه من اللعبة حتى الآن ، وبدا بطل المشهد ، لكن قراراته المحدودة ، المنزوع عنها الإطار السياسي والفكري ، تشير إلى أفق تهدئة وليس قيادة إصلاح سياسي جوهري ، الا إذا أخذ الامر على عاتقه سواء بدوافع مصلحية أو اخلاقية أو سياسية ، وقلب المائدة مستجيبا الى نبض الشارع. لكنه لن يفعل دون أن تواصل الجماهير ضغطها بشعارات سياسية هذه المرة ، وأن تحذر هي نفسها من الدسائس والمتسلقين والهواة .   
مرة قال المالكي إن الاسلاميين يقودون الثورات والعلمانيون يسرقونها. ولأنه لا توجد واقعة مثل هذه ، فلا يعدم أن المالكي كان يفكر بالسرقة بوصفها سياسة . الشعب الذي تظاهر ضد من أفرغ خزينة الدولة بمشاريع وهمية ورواتب خيالية ، تظاهر موضوعيا ضد 8 أعوام من حكم المالكي ، وضد حزبه اللصوصي . 
في الوقت الذي يجب أن لا نتردد بالوقوف مع المطالب العادلة لشعبنا ، ونرى أن خروجه الى الشارع هو تمرين رائع على الحرية ورفض الاستبداد ، يجب أن نفسر ونفهم الاسباب التي دفعت العبادي الى اتخاذ تلك الاجراءات ، وتخليصها من البطولة وادعاءات التفهم والوقوف مع المطالب العادلة . ليس الامر على هذا النحو ، بل لأن النظام السياسي كله في أزمة ، فالدولة مفلسة ، تبحث عن القروض عند البنك الدولي والمقرضين الكبار . نحن دولة مدينة ، غير حرة ، لا تنتج شيئا . لقد جفف السياسيون اللصوص ضروع البقرة العراقية الحلوب . ما عاد هناك ما يُسرق ، وأكثر من هذا ، هناك حرب قائمة تستنزف الموارد الاقتصادية ودم الشباب الشجعان.
لن تعترف السلطة بالحقيقة لأنها تريد أن تكون متفضلة ، ولأن من عاث فسادا منذ 2003 لن يمارس الأخلاق والكرم والعفة فجأة . لا عواطف ولا روحانيات ولا دين ، بل لأن الإفلاس نفذ إلى جميع المفاصل .. نفاذ نصل حاد وصل الى العظم .
ما الذي عرفه الاسلاميون عن الاقتصاد؟ اقتصاد السمك المسكوف وسيارات الدفع الرباعي ، ورائحة زفر مقززة ، وتلال الأزبال في الشوارع ، وشراء العقارات ، وتهريب العملة ، والسفر الى الخارج ، وقبض رواتب خيالية. هذا هو اقتصادهم السياسي ، ديدنهم ودينهم . بعد إفلاسهم الأخلاقي أفلسوا البلد ، حطموه ، وأفقدوه الكرامة .
الإفلاس إذن سيكون مصدرا من مصادر الأزمة الحالية . الإفلاس هو من دعاهم الوقوف مع شعارات التغيير المرفوعة . لقد انتهى عرس المليارات .. والحزب العقائدي الحاكم بات يمارس النقد واسترجاع المبادئ التي أهدرها على مذبح الشهوات.

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سهيل سامي نادر


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni