|
|
الفالنتاين أو السعادات المتأخرة |
|
|
|
|
تاريخ النشر
24/02/2015 06:00 AM
|
|
|
أمس، وقد تلقفت الأرض آخر ذرات الغبار، الذي دفعت به الريح، وقد هدأت العاصفة قليلاً، أخذت مجلسي على أريكة الخشب، التي على رصيف شط العرب، إلى جوار حشد الفنيين الأوربيين والآسيويين من العاملين على نصب الجسر المعلق، الذي يؤمل له ان يربط ضفتي الشط، عند مدخل نهر الخورة، ليس بعيدا عن جسر الحب، الذي أسس له رهط من الطلاب العاشقين، ثم حطّمه نفر من المتشددين، الذين يرون في الحب خطيئة يعاقب الله عليها خلائقه... وقفت أتأمل الخدوش التي أحدثتها المطارق عند كسر الأقفال، أمعنت النظر في الحروف والكلمات التي أتت عليها المعاول. شيء من جدران تنهار كنت اسمع سقوطها داخل روحي، شيء من طوفان أحمر لأنهار كثيرة، راحت تجرف ما تراكم في أعماقي من سكينة وموسيقى وهدهدات. لملمت بعضي قافلاً .كانت غرفات البيت ملاذا أخيرا منذ ان أغلقت المدينة مقاهيها وحاناتها، منذ ان حُبست آخرُ قطرة نبيذ في أعاليها. قلت لا عليك، قد تأتي السعادات متأخرة . أن تسكن قرية نائية، أقصى الجنوب وقبل ان تكمل الشمس دورتها الأولى يطرق بابك ساعي البريد حاملا إليك رسالة وهدية من صديق عزيز عليك، يعلمك بأن المناسبة هي عيد الحب، امر سيغمرك بالسعادة بكل تأكيد. ساعتئذ، ستقف مأخوذا بالشعور الغريب هذا، شعور من يتلقى هدية بمناسبة تختلف عن المناسبات الأخرى. شعور من تذكر نفسه وحيدا في البرية، تائها، ضائعا، فاقدا سبل اتصاله بالعالم الآخر، العالم المتمدن المتحضر. تتوقف عجلة الزمن بين قدميه، لكنه حين يخلد إلى نفسه قليلا سيخشى الحقيقة المرة، التي ظل يجاهر بها الكثيرون، الحقيقة التي تقول بأن الحب في بلاد مثل العراق قضية خارج معاني الكلام، إن لم تكن جناية من وجهة نظر البعض. عن أي حب يتحدث الناس !!! وفي هدأة الساعات تفتح الكيس الذي حمله إليك ساعي البريد، فتجد اسمك منحوتا بالأحمر الباهر على كعكة كبيرة، مع كلمات من حلوى وعطر وفانيلا تضوع، لتعلمك بان صديقك يستثمر مناسبة الفالنتاين هذه ليجدد مساحة المحبة التي بينكما، يشد على يديك، مباركاً جهودك في الكتابة، يدعوك إلى لحظات اجمل، ثم تنساب شبكة كلمات الحب والود والصداقة خارج العلبة المزينة بالشرائط الملونة لتدخل قلبك المبتهج من لحظة، يغمرك شعور لم تتنبه اليه من سنة، من سنتين ربما من دهور. يستفزك حشد الكلمات المخطوطة بنبضات القلب، الكلمات العابرة للدين والطائفة والمذهب والايدلوجيا، كلمات صديقك التي تخلّصت من أزمنة وبشكل نهائي من معاني البغضاء والكراهية وطرد الآخر . في مكان ما من الأرض تتقلص مساحة الحب حتى لتغدو نغمة مستحيلة خارج حدود الجسد، حيث يذهب كثيرون إلى أن الحب منطقة محرمة، يدخلها كل من تضخمت غدده الحسية، واحتوته أفاعي الغواية حتى تحولت فكرة وجود الأنثى من حوله الى مخدع لليل وبلوغ الغايات، غير متنبه الى أن الحياة إلى جوار الآخر، الذكر أو الانثى تعني في كثير من مسمياتها الوجودَ الحرَّ والحديث المشترك والاختلاف في وجهات النظر، بعيدا عن هموم وحاجات الشرقي التي لا تتجاوز أقانيم الجسد النهم. وهي (الحياة) غير ممكنة إن تم تحديدها بمثل هذه الغايات، مع يقيننا بوجوب كمالها وحميميتها وعدم ابتذالها بل وأهمية السعي الإنساني من اجل تخليدها بوصفها ثمرة لكل بهاء وحنو.
|
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ طالب عبد العزيز
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|