هذا الكتاب يتناول مصطلح الحداثة المبكرة في أوروبا، ويستعرض في هذا الإطار فن الرسم، ليعدد مجالاته الحداثوية، من خلال أعمال الرسام الفرنسي بول شينافار، والكتاب من تأليف تيوفيل غوتييه، وترجمه الى العربية شاكر لعيبي، وهو من إصدارات المدى للعام 2014.
والكتاب عبارة عن نص كتبه غوتييه في عمل أساسي عام 1848 تضمن مقالات وكتابات ثقافية وتشكيلية، بيد أنه لم يُنشر إلا في عام 1856، وهو يتعلق بالرسام الفرنسي المنسي والمجهول قليلا» بول شينافار، وهو رسام يُعد واحداً من أهم الشخصيات الثقافية في القرن التاسع عشر، على الرغم من كونه معروفا» من خلال ثقافته الموسوعية وسمعته، كمتحدث بارع أكثر من صيت نتاجه الفني، وربما إن هنالك ظروفا»، حالت دون إشتهار أعماله الفنية، وهي ظروف لم تغب عن إشارة الكتاب إليها.
العنوان وحده مشروع كامل، لأنه يتعلق من جهة بفهم الحداثة في أوروبا، الممنوحة شتى الظلال في سياق تأريخي متقدم، وفي إطار ثقافي على دراية بالمصطلحات التي يستخدمها، ويتعلق من جهة أخرى بالتضبيب المرافق لمفردة الحداثة عربيا» وارتباطها الواعي واللاواعي بالتحديث الشكلاني والتقني، ثم عدم إتساقها مع تطور تأريخي مماثل أو سياق مفهومي صارم.
يقول مترجم الكتاب شاكر لعيبي في تقديمه، ان عنوان الكتاب (الفن الحديث) وتأريخ نشره 1856، يمتلكان أهمية ما بالنسبة الى الثقافة العربية اليوم، إذ يكتب المؤلف عن (الفن الحديث) وكأنه بداهة ثقافية، ولا يُكرّس لمفهوم (الحديث) تعريفاً، في الوقت الذي ما زلنا حتى اليوم نجادل فيه عن معنى الحداثة ووقت إنطلاقها، من جهة أخرى فهو يدمج في إطار (الفن الحديث) الفن التشكيلي والنص الأدبي على حد سواء.
وإذا كانت مشكلة الحداثة في الأدب واضحة نسبياً في الثقافة العربية، فليس الأمر على الشاكلة نفسها بالنسبة الى الفن التشكيلي، لذا قمنا بإستبعاد بعض الدراسات الأدبية من ترجمتنا مركزين على ما يخص الفن التشكيلي الذي قد يذهب عنوان الكتاب (الفن الحديث) إليه مباشرة في ثقافتنا التشكيلية.
يبدأ الكتاب بذكر مشهد عن محوره عندما يذكر، ثمة رجل اسمه شينافار لم يكن مأخوذاً بقلق إمساك (الباليته) ومزج ألوانه بقدر قليل أو كثير من الصدفة على اللوحة.
كانت الرغبة بإنجاز لوحة تقلقه قليلا»، متذكراً أن على الفن أن يهبط من العقل الى اليد، وليس الصعود من اليد الى العقل.
وهو يعتقد بأن الفنان عندما يكون عارفاً فسيكون حاذقاً، لقد ترك الآخرين ماهرين على سجيتهم، بينما أنهمك، هو الغائص في الظل طوعا»، بدراسة واعية فلسفية لفن التصوير.
لقد رأي جميع الغاليرهات في أوروبا، وحلل وأستنسخ وعلّق على جميع الرسوم الجدارية الضخمة، وعبر تواصل مثابر، تغلغل في الحميمية السرية لمشيل أنجلو ورافائيل، أرباب وأنصاف آلهة الفن، وبفضل الإصغاء الى الخطابات الصامتة لتحفهم الفنية التي لا تُعلن الى الآخرين، فقد جمع جُملا» مبهمة.
كانت المدرسة الألمانية المعاصرة، العارفة والمكتنزة بالأفكار والأساليب، المهتمة بالتلوين البارد موضع فحص من طرفه.
كل من أوفيرباك وكرونيليوس وشتور وكولباخ، كانوا معروفين أيضا» بالنسبة إليه، وقد حلم في (غوليتوتيك) مدينة ميونخ كما في مصلى (السيكتسين).
لم تكن غريبة عنه أي تحفة فنية بشرية حتى خارج نطاق الفن التشكيلي، ومنذ اورفه وحتى يومنا الحالي قلما فاته شاعر حتى من بين الرديئين من الشعراء.
يعرف موزارت وبتهوفن مثلما يعرف هومير ودانتي، القمم الأكثر خطورة لم تكن ترعبه، فقد أرتقى أفلاطون وسبينوزا وكانط وشيلنغ وهيغل، لأنه يعتقد بتضافر الضمائر.
ولم ينس الكتاب الى التعرض الى تأثير الحقبة الدينية السياسية (الثيوقراطية) على الفن التشكيلي، وما أدت هذه الحقبة الى الحروب، وقد كانت هذه الحروب مادة دسمة للفن التشكيلي، فقد وصلت الحقبة الثيوقراطية الى أعلى درجات تطورها، ومن نواتجها إنطلاق زمن الحروب، الأمر المّعبر عنه بوضوح من قبل الرسام بإمكانية أن يقتل الجندي كاهنا».
وعلى كل حال، كان الكتاب عبارة عن مقالات نقدية وتشريحية للفن التشكيلي، عبر بواكير الفن الحديث في أوروبا، وقد أختصت بأعمال الرسام الفرنسي شينافار الذي كان يتمتع بثقافة عالية، ربما تكون طغت حتى على أعماله الفنية، حيث تعامل المترجم شاكر لعيبي مع نصوص مختارة، وقد نوّه الى ذلك في تقديمه الذي جاء على شكل تعريفي بتخصيصات الكتاب، وأهميته للثقافة العربية، حسبما رأى ذلك.
يبقى أن نقول إن مؤلف الكتاب (تيوفيل غوتييه)، هو شاعر وروائي ورسام وناقد فرنسي، ولد عام 1811، وتوفي عام 1872. |