|
|
الصناعة الثقافية وفوبيا التاريخ |
|
|
|
|
تاريخ النشر
30/11/2014 06:00 AM
|
|
|
ازاء ما نواجهه اليوم ـ نحن العرب ـ من حروب ظاهرة ومضمرة، ومن انسدادات باتت تهدد الوجود والمعنى، وربما تفضي بنا إلى متاهة ما يشبه (المرحلة المظلمة) التي تحدث عنها الكثيرون، بات الحديث عن الحلول الانقاذية والتطهرية امرا قارّا، وربما لمواجهة تحديات ما بعد الحداثة، وما بعد العولمة، وكل (المابعديات) مثلما هي مواجهة (الأعداء الإخوة) الذين يخرجون فرادى وزرافات من شقوق التاريخ ويهددون الجميع بالمروق والزندقة والتكفير.. فهل يمكن أن تكون الثقافة هي القوى والأكثر فعالية في صياغة ما هو ضدي لهذا التاريخ المشوش والغائم؟ وهل يمكن للصناعة الثقافية أن تتحول إلى محاولة في التأهيل، وفي تفكيك إرث المتحف والتكية والقراطيس الصفر التي ورثناها قهرا؟ هذه الأسئلة ليست سوى مقترح لمواجهة محنة الرعب الذي تركه التاريخ لنا، ومحاولة لاستعمال الحرية بشكل أكثر براغماتية، وربما رغبة في إعادة النظر إلى إجناسية الخطاب الثقافي وتداوليته، والتخلص من الثقافات الشعبوية والطائفية والفقهوية والتحريمية، وبما يجعل الجسد الثقافي أكثر حرية في التعبير عن أسئلته وقلقه ورغباته، وبعيدا عن فوبيا المدونات المركزية وذهنيات التحريم. حديث الثقافة يرتبط بمشروعية التأسيس، وبوعي الوظيفة والتوصيف، وربط العمل الثقافي بالحياة والمدرسة والشارع والجامعة والتنمية، أي على توصيف رائد السسيولوجيا المغربية محمد جسوس، بالقيمومة عند فعلي الفهم والتغيير، وطبعا هذا الفهم لا يمكن أن يكون بالنوايا أو بالاستيهامات، أو بالوقوف عند أطلال التاريخ والبيوت والمتاحف او ما تركه الآباء من إرث لا يمكن فك شفراته وطلاسمه بسهولة. الصناعة الثقافية تعني اليوم التخطيط والعمل المؤسساتي، وتطوير أفق الاقتصاد والاستثمار والسوق الثقافية، وتأهيل القوى الإنتاجية والصنايعية في المؤسسات الثقافية، وتهيئتها لأن تكون حواضن حقيقية للفعل الثقافي، ولإبراز معطيات الوعي الجديد، والأسئلة الجديدة التي تتعاطى مع مفاهيم الدولة والحرية والهوية والآخر والصراع الطائفي ومدنية الدولة وغيرها من المفاهيم الإشكالية. هذه الصناعة تعني بالضرورة العمل على إنضاج الوسائل المعززة لإنتاج النسق الثقافي الفعال. النسق/النظام ذو الأطر والبرامج والمشاريع والخطط والآليات، والبعيد عن اشكالات ما كرسته السلطات المركزية من رعب في فهم المضمر القديم والمسكوت عنه، الذي ظل جزءا إشكاليا ومعقدا من بنيات الدولة القديمة، بوصفها دولة للجماعة وللمعسكر وللطائفة وليست صورة حقيقية للدولة الجامعة. فمن أجل ان تكون هذه الثقافة قائمة على أسس واستراتيجيات حقيقية وواقعية ونقدية، فإنها بحاجة إلى بنيات مادية ولوجستية داعمة، مثلما هو حاجتها للتلازم من بنيات مجاورة وفاعلة كالتنمية والتعليم، إذ لا يمكن الحديث عن ثقافة فعالة دونما وجود قاعدة تعليمية واسعة، ومن دون وجود بنيات مادية وبرامجية للتنمية البشرية والتنمية العلمية والخدماتية والصحية والعمرانية، فهذا التلازم يقوم على التكامل والتمكين، وبالتالي يكون العنصر الأكثر شمولية في إعطاء الصناعة الثقافية بعدها التكويني من جانب، وفعاليتها التوليدية من جانب آخر.. فكلنا يعرف أن الثقافة لم تعد هي المجال الحاضن للبعد الادبي او للاستبداد الشعري، كما كان تضييق فهم البعض، بل تجاوزت ذلك لتكون الأكثر شمولا في التعريف والتوصيف والاستعمال، من منطلق تتجاور فيه الأفكار مع الوقائع، لتكون الثقافة بوصفها وعيا وعمرانا وقيما بأنها الكلّ التلازمي، الذي يشمل الإنسان والمؤسسة والمكان والسوق والصناعة والتعليم والمعرفة والجمال بكل تمظهراتها، وهذا ما يتطلب ان يكون هذا التلازم قرينا بتشريعات قانونية تيسّر العمل وتعطي الغطاء القانوني للبناء الثقافي ولقوننته، فضلا عن اقترانها بوجود التمويل المادي الداعم والثابت، لكي تتلازم برامجها وعمل مؤسساتها مع برامج التخطيط والتنظيم والتوسيع، وبما يعطي لهذه الصناعة أبعادا اجتماعية وتعليمية وتربوية واقتصادية وتنموية، ومن منطلق الاعتراف بمسؤولية الخطاب الثقافي في التعبير عن فهم جديد في سياق خلق البيئات المناسبة والمهيئة للتفاعل مع الأزمات والصراعات والتحديات التي تتضخم في واقعنا وفحصها، لأنها عادة أزمات تتسع بوصفها إشكالات في وعي التاريخ، بما فيها تاريخ السلطة والجماعات، وكذلك في وعي الحوار، وفي وعي الحرية والتكامل والبناء، لاسيما وان رهاب هذه الأزمات تحول إلى عمليات قارّة في القهر الاجتماعي، وعمليات ترسيخ للمركزة العنفية، بما فيها عنف السلطة والايديولوجيا والطائفة، ما يعني تعويقا لانتاج الحواضن القانونية والمدنية مقابل العمل على إبراز ما هو عصابي وقرابي للحواضن الجماعتية والطائفية والتكفيرية، التي تنظر لمفاهيم الدولة والحرية والديمقراطية والهوية والمساواة والحقوق، نظرات مريبة، لأنها لا تنسجم مع طبيعة افكارها القائمة على المركزة والاستبداد والعنصرية والتعالي، وهو ما يعني الحاجة اللازمة لإعادة النظر إلى منظومة السياسة والسلطة والجماعة، وفق عمليات تفكيك ممهنجة تقوم بها مراكز بحثية ومؤسسات مدنية مستقلة، لها أدواتها البحثية والعلمية والمعرفية والتخطيطية، ولها برامجها ومرجعياتها ومنظومة معلوماتها القائمة على أساس تأمين الإمكانيات والدعومات والبرامج، وبالاتجاه الذي يمنح الصناعة الثقافية قوة حقيقية معززة بالخطط والبرامج والإمكانات المادية واللوجستية النافذة، ولكي يمنح الثقافة عمقا في البناء السسيولوجي للمجتمع والشخصية، وفي تنمية أفق استعمالاتها في مجال التنمية الشاملة، وإعادة النظر إلى التاريخ بوصفه سيرة ومنجزات، وليس بوصفه تابو للرعب والتخوين والتكفير والنوم في قراطيس الرحالة.. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ علي حسن الفواز
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|