|
|
محمد مظلوم في كتابه الجديد عن أحمد الصافي النجفي :أفق العزلة والمنفى |
|
|
|
|
تاريخ النشر
17/11/2014 06:00 AM
|
|
|
تتوجه المراجعة النقدية المتصلة بشعر وتجربة أحمد الصافي النجفي في كتاب محمد مظلوم الصادر عن منشورات الجمل: (الغُربة الكُبرى لمسافرٍ بلا جهة)، من تتبعات فنية إلى استكشاف إشارات جمالية ومراحل زمنية موازية للنص الشعري المكتوب وتجليات انتقال اللغة الشعرية إلى بيئات التلقي النقدي من خلال البحث أو الاستقصاء عن المعاني اللفظية والدلالات الرمزية وذلك من منطلق زمني يتابع حركية النصوص وانتقالاتها اللغوية منذ البدايات الأولى وصولاً إلى آخر ما يتجلى في تفاصيل النص الشعري وعلى امتداد فترة زمنية متجاهلة لشاعر بمواصفات أحمد الصافي النجفي الذي ينتمي كما يقول الشاعر محمد مظلوم في مقدمته: (إلى صميم الحداثة الشعرية اللازمنية). إن هذه الإشارة تمثل ما يشبه التردد في قراءة هذا الإرث الشعري الذي تركه الشاعر وبذلك نتفق مع الإشارتين اللتين أوردهما مظلوم في دراسته: (لا يجرؤون على المغامرة لتفحص إرثه برغم رحيله) (لقد وقف النجفي وحيداً بين جيلين وبينهما جرت محاصرته)، هذه الإشارات وغيرها تعيدنا ثانية لتفسير ظاهرة المفارقات النقدية المتصلة بهذا الشاعر أو ذاك، وعليه يمكننا القول أيضاً، إن القارئ النقدي ليأسف، حقاً، لهذه المفارقات ولكون ما كُتب عن نصوص النجفي من دراسات نقدية مبتسرة وأخرى لا تتجاوز الشكل التقليدي كـ (لغة الشعر بين جيلين ـ لابراهيم السامرائي/الشعر العراقي الحديث وأثر التيارات الاجتماعية والسياسية فيه ـ ليوسف عز الدين). يلاحظ الشاعر محمد مظلوم في التقاطاته النقدية إن الصافي النجفي كان يعد نفسه لمنازلة صعبة مع ماهية العزلة، إذ تصدى لهذا الأمر بقوله: (ملكُ العزلات المتوَّج بشتى نعوتها وسيميائها/ بعد موته، بعد عُزلته الكُبرى في حياته)، لقد جاءت هذه الالتقاطات من طبيعة الأسلوب الحياتي والذاتي للشاعر، إذ يمارس الشاعر عزلته من أجل المحافظة على ذاته الشعرية من جهة ورؤيته الفكرية للحياة والكون من جهة أخرى، ويصطف رأي محمد، في هذه العزلة، في مرتبة تكاد أن تكون وسطاً بين وجهة نظر الصافي النجفي الحياتية وما يذهب إليه في نصوصه الشعرية المغايرة والمثقلة بوعي مختلف، ومن ناحية أخرى يشير محمد، استرسالاً، في تعداد أسباب أو جوانب تأثير هذه العزلة أو ذلك الوعي المختلف في النقد الغائب عن نصوص النجفي والتجاهل المتعمد، وفي موطن التدليل على ذلك نشير أيضاً إلى ما أورده محمد هنا: (ويبدو أن هذا الوعي المنشق والمختلف كان أهمَّ الأسباب المضمرة الموحية لهذا التجاهل الذي يحاكي التجهيل والخطيئة بحق الشعر لا بحقِّ الشاعر وحده). الشاعر المنفي في الزمن، وليس المكان، لا بّد له من الدخول في حوار لغوي لخلق مساحة تخيلية يتمكن فيها من الكتابة، وهذا ما ينطبق على الشاعر أحمد الصافي النجفي، إذ يصبح المنفى، تبعاً لذلك، تضادياً أيضاً، كسلسلة من التجارب المتصلة، بدورها، بطبيعة المنفى ومن نافلة القول التذكير بأن مثل هذه المنافي تنطوي على وفرة كبيرة من الأفكار والرؤى والمحن أيضاً، وهي من حيث كونها تجارب لا تدعي لنفسها رتبة المنافي الجغرافية المستندة إلى معطيات تجريبية لموضوعاتها المتصلة بالكتابة الشعرية، وإنما هي مصاغة من تجارب منتقاة في مجال حياة الشاعر، وفضيلتها الوحيدة أنها تقترح تعدداً في التجارب والتأملات والأفكار القابلة للتنقيح والمراجعة بحسب ما يتيحه المنفى من معطيات موازية للوعي والضرورة المتماهية مع المعنى. إن محمد يستعيد التأمل في منفى النجفي عبر إشارة رمزية سابقة للحظة الحرية أو الاحكتاك بين معنيين، فيقول: (فحريته في الواقع كانت قد نشأت من غرابته واغترابه المركَّبين)، ومن هذا التصور النقدي تتأكد المقاربة في الموضوع المتصل بالمنفى، كما كشف مسعى المقاربة بوصفه مسعى ميّز المنفى الذي خبره الصافي النجفي، وكتب وطبع أعماله الشعرية، إن قراءة تنطلق من فكرة تماثل القصد المعرفي المتصل بالمنفى من شأنها أن تضيء وتستعيد القراءات النقدية القادمة للمنفى عبر ضوء نقدي مختلف عن تلك المداخل التي تعتمد على قراءة المنفى كمكان، فالقارئ هنا يقف أمام انكشاف معرفي مغاير لطبيعة المنفى: (شاعر منفي بامتياز، كتب أعماله خارج العراق وطبعها خارج العراق وهو صاحب الرقم القياسي في عدد سنوات المنفى بين شعراء العراق في القرن الماضي). إن ما يتوجب صرف الانتباه إليه من منظور نقدي جمالي هو ما أشار إليه محمد مظلوم في دراسته لشعرية الصافي النجفي إذ يقول: (لا يترك قصيدته تنحرف إلى الوزن الشعري بصرامة التفعيلة وتراكيبها/ وكأن القصيدة كتبت بوزن مبتكر). من هنا يمكننا القول أيضاً، أن قيمة النص الشعري كامنة في طريقة إنتاج المعنى المأتلف مع جمالية اللغة، إن هذه الطريقة التي يستعمل بها النص اللغة هي على درجة من الجمال الفني تدفع الشاعر النجفي إلى تطلب تخصص مستقل من الأسلوب الموازي للكتابة، وإن الشاعر يصرف همّه الجمالي لما يحدث في اللغة عند محاولة إنتاج النصوص عبر أساليب شتّى أو عبر تجاربه المغايرة المتقاطعة مع نمطية الأوزان الشعرية العربية المعروفة ونمطية وظائف البلاغة الشعرية الشائعة، إن هذا التقاطع بين الأوزان والبلاغة هو المسؤول عن الإشارة النقدية المشار إليها أعلاه، والتي يمكن أن تدلي بها أغلب نصوصه الشعرية، وأن لغة الصافي النجفي تعمل، أيضاً، على وفق مبادئ جمالية محضة. ثمة إشارات نقدية كتبها شعراء ونقاد أوردها محمد في كتابه، إن أهمية هذه الإشارات النقدية تتحدد من خلال قراءة معرفية خالصة ومستقلة لنصوص النجفي، وإن الحقل النقدي، كما هو معروف، مثله مثل أي حقل معرفي آخر، يحدد قيمه الخاصة ويكرس معطياته الجمالية، وهكذا فإن القراءة النقدية مثل الاستراتيجية يقرأها هؤلاء بكيفيات فنية لا تتأثر إلا بالنص الشعري، لنتأمل بعضاً من هذه الآراء: (فوتوغرافي الشعر العربي الحديث، حسب وصف الشاعر اللبناني صلاح الأسير) (إمبراطور المعاني وخزنتها الأكبر، كما سماه مصطفى جمال الدين في مرثية له بــ شاعر المعاني) (فهو شاعر فلسفة وحكمة وهجاء وسخرية، كما رأى الشاعر بدر شاكر السياب) (وما عرفت شاعراً فقيراً استطاع أن يطوف بفقره في مثل هذا المهرجان من كنوز النفس، حسب تعبير الياس أبو شبكة). إن عناية نقدية كبيرة قد بذلت، من قبل الشاعر محمد مظلوم، لتتبع تجارب الصافي النجفي أو أعماله الشعرية (أمواج، وأشعة ملونة، وهواجس، واللفحات، والتيار، وحصاد السجن، وشرر، والأغوار، والشلال)، إضافة إلى المجموعة الكاملة الصادرة، بعد رحيله، عن وزارة الثقافة والفنون/ بغداد العام 1977 والتي تضم: (شباب السبعين، وبلا اسم، وكما جاء، وتمرّدُ المشيب، والمطعم)، هذه العناية تدعونا ثانية للتأمل بتجربة الشاعر، لكي نعطي ما للشاعر للشاعر وما للتجربة للتجربة ونُماهي بين الحالتين لتعزيز التصور النقدي المجرد وما يدور في فلكه من إشارات لا تحصر المعنى في هذا النص أو ذاك ولا تتجاوز الدلالة في هذه التجربة أو تلك. ثمة حاجة فنية إلى إعادة الإشارة لهذه الملاحظات المتصلة بنصوص النجفي التي أوردها محمد في كتابه بمنتهى التجرد النقدي: (أما غزلياته فهي شحيحة/ وأما هجاؤه فيكاد يكون الغرض الوحيد من تلك الأغراض الذي أهتّم به في أشعاره/ وأما المرثيات في شعره فلا تكاد تذكر). إذن، إن أحمد الصافي النجفي يندرج في فئة الشعراء الذين تأثروا بتجاربهم المتصلة بمعنى العزلة والمنفى وبطبيعة الكتابة الشعرية المتحررة من صرامة الأوزان الشعرية أو الأغراض التقليدية الشائعة، هذا في حين برزت التفسيرات أو القراءات النقدية الشحيحة، الموازية لشعره، في أجواء الانفتاح النقدي العقائدي ومقولاته وآفاقه الايديولوجية ـ النظرية المغلقة ومناهجه المربكة، وتأتي قراءة محمد مظلوم في أوج حالة من النكران والتنكر، النسيان والتناسي للكثير من الأسماء الشعرية المغايرة بتجاربها وأساليبها. كان محمد، في كتابه، يرى التجديد الشعري محتاجاً إلى تمحيص القيمة الفنية وإدراك الوظيفة اللغوية وإقامة رؤية جمالية، وكان يرى في هذا كله تقدمة ضرورية للكلام في النصوص وشرحها، وإلى ربط النص الشعري بالموقف الإنساني وتحولاته الرمزية والفكرية والفنية، كما أسهم الكتاب في وضع بيان جمالي للغة النجفي الشعرية وقدرته الذاتية على مواجهة العزلة والمنفى ولذلك سنشير في خاتمة المقال إلى ما قاله محمد في هذه الجملة المثقلة بالمعنى: (كان بأسه أقوى من بؤسه). |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ عبد الكريم كاظم
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|