أصارحكم بأنني لاأحب (اليمين) ولا (اليسار). لأنّ كّلاً منهما لايزيد عن كونه (جهة) واحدة ضّيقة، يحصر المرء فيها نفسه، تمهيداً لاحاطة ذاته بسياج عازل اسمه (الايديولوجيا). و(جهتنا) تحتم علينا أن نكره الجهة الأخرى
في حين انّ الانسان اكبر من الجهات ومن الزوايا ومن الخنادق. نعم انّ على الانسان ان ينحاز الى التقدم ضد التخلف. وان يكون مع العلم ضد الخرافة والجهل. ومع الجمال ضدّ القبح.. وهذا ماتفرضه انسانية الانسان، من دون الحاجة، الى تلقين او تثقيف (حزبي)! وفي شبابنا ناضلنا من أجل (الطبقة) العاملة. حتى جعلتنا (الاشتراكية العربية!) نناضل من أجل (طبقة) بيض!.. ثم اكتشفنا ـ بعد عمر طويل ـ انّ الطبقة التي يجب ان نناضل لاجلها حقاً هي الطبقة الوسطى، لانها طبقة المثقفين المتنوّرين الواعين. وهي المؤهلة حقاً لقيادة العمّال والفلاحين وسواهم. والوسطى هي طبقة المعلّمين والمدرسين والمهندسين والاطباء والعلماء.. وهي الطبقة المتداخلة مابين الأرياف والمدن. ونحن ابناء هذه الطبقة كنا مع محاسن الرأسمالية ومع محاسن الاشتراكية. مع مظاهر الرفاه الصناعي ومع الحرّية الفردية وكنّا ضدّ الكبت (الاشتراكي!) ومنع السفر وتحريم بنطلونات (الجينز) او العطور (الامبريالية!). وايام ازدهار (اليسار) فلقد كنّا معجبين بالسينما الاميركية الممتعة. ومعجبين بالحياة الاميركية. وكنّا نقرأ (الريدرز دايجست) بشغف وإدمان، كما نقرأ (مكسيم غوركي) و(حمزاتوف) .. لم نكن نحب الاشتراكية (حتى الموت!) ولم نكن نكره الرأسمالية (حتى الموت!) كذلك.
وكنّا نفرّق مابين الشعب الاميركيّ الذكي والمرح والكريم والأنيق.. ومابين حكوماته الشرسة العدوانية، التي تتحكم فيها مصالح الشركات الكبرى العابرة للمحيطات، والتي خّربت العالم القديم والجديد بالحروب والانقلابات وعمليات الـ (CIA) القذرة!.
وكان يمكن للشعب الأميركي ان يكون محبوباً من كلّ شعوب العالم لولا حكوماته ولولا رؤساؤه المكروهون كلّهم تقريباً.
ولان الله سبحانه قد انقذنا من داء (اليمين) وداء (اليسار)، فنحن ننظر الى أميركا الآن بعيداً عن العداء (التاريخي) لماضيها الأسود القاتم. بل نرى ان حيوية الشعب الأميركي قد غيّرت اميركا نحو الأحسن قليلاً! بل هي تريد أن تعتذر عن ماضيها الدموي. فلماذا لانعطيها فرصة الاعتذار؟ لأنها لو سارت ـ ولو قليلاً ـ نحو الخير والعدل والسلام. فلسوف يعمّ الخير العالم كلّه ـ لأنها الآن الأكبر والأغنى والأقوى ـ..
نعم. لقد تغيّرت اميركا. وأنا ارصد هذا التغيير من جهتين ومن نموذجين فقط: اعد قراءة رواية (كوخ العم توم).. وتعّرف على بشاعة التمييز العنصريّ الكريه. ثم انظر الى وجه (كوندليزا رايس) وزيرة خارجية اميركا! انه تغيير خرافي بالنسبة إلى بلد كان يعلّق على أبواب مطاعمه عبارة: ((ممنوع دخول الكلاب و.. الزنوج!))
في حين أن الدول العربية والإسلامية كّلها، لايمكن أن يصير وزير خارجيتها بلون (كوندي) ـ عدا السودان الشقيق، من باب ((الاضطرار!)) ـ. |