|
|
عرس الشركس |
|
|
|
|
تاريخ النشر
15/11/2014 06:00 AM
|
|
|
شاهدته يلقي نظرة على اطارات سيارتها المرسيدس السوداء قبل أن يعبر الشارع بسرعة إلى الساحة. أرجعت رأسها إلى الخلف متتبعة ذبذبات أنغام تسبح في الجو. قدّم لها ساندويشة الشاورمة، وهو واقف، دون أن يضبط قياس المسافة بينهما. كانت قد ظنّت لوهلة أنه تاه، أو أنه ربما دخل في حوار مطوّل مع صاحب مطعم الريم. قال وهو يجلس بجوارها على المسطبة، وامامهما يمتد شارع الكلية العلمية الإسلامية: ـ إنها بالبصل. احتوت السندويشة بكفّيها، وقالت بأنها شعرت بالخوف. سألها إن كانت تود الجلوس إلى اليمين حيث العتمة أشد وأهدأ. قالت بأنها ليست خائفة من الأضواء، أو من أحد. نظرت إلى يده، وطلبت منه أن يأكل لأنه جائع أكثر منها. قال، وهو ينظر إلى ركبتيه: ـ لقد تذكّرت رقص الشركس. ذلك العرس الذي حضرته يوما في فندق الانتر كونتينتال. لقد حدثتك عن هذا أكثر من مرّة. المكان على مبعدة خطوات من هنا. قالت وهي تفك عقدة ايشاربها: ـ أنت لم تتذكّر. أعتقد أن هناك حفلة عرس في الفندق الآن. أنا سمعت الأنغام أيضا. أنت تعيش الآن عرسا جديدا، وأنا واثقة أنه للشركس أيضا. قال وهو يقلّدها بمسكة السندويشة: ـ لقد حدث هذا منذ زمن بعيد، ولا أظنه يتكرّر. تنفّست بعمق، فشعر أنها لا تريد الاستسلام: ـ أنا أيضا أظنني جلست هنا في ساحة وصفي التل منذ زمن بعيد، ولكن أنا واثقة أنه عرس جديد. النغمات واضحة جدا. بعد قليل ستكتشف صحة كلامي. نظرت إلى سيارتها السوداء، وشعرت أن السندويشة التي بين كفّيها جدّدت حرارتها. سألته إن كان يشعر باختلاف المكان عن الماضي الذي يعرفه، فقال بأن لا شيء تغيّر، والدليل أنه تذكّر عرس الشركس. نظر إلى ركبتيه مجدّدا، وقال: ـ الكاشير رفع حاجبيه، وهو يأخذ مني النقود. أرته ابتسامة عريضة وهي تعتدل: ـ لقد عرفك. ضحك، وطلب منها ألا تبالغ، فقالت بأنها تعرف حقيقة ما يجري بعمّان أكثر منه، وعليه أن يصدقها. لامسته بكتفها، ولكن ابتسامتها انكمشت. قال بأنه يحب الليل في ساحة وصفي التل. قالت: ـ أنا واثقة من أن الكاشير تذكّرك. ردّ بعد أن ابتسم: ـ ربما هو بمزاج رائق لذلك أحب ملاطفتي بحاجبيه. لقد تكلمت معه باللهجة العراقية. ـ ليس هذا هو السبب. سألته بعد صمت: ـ هل ساندويشتك بالبصل أيضا؟ اجاب بارتجاف: ـ نعم. نظرا معاً إلى سيارتها المرسيدس السوداء، بينما النغمات البعيدة تزداد وضوحاً. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ نزار عبد الستار
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|