عن نقاش
كاد مصطفى سعدون أن ينفجر من الضحك وهو يدخل أحد المراكز الثقافية بشارع المتنبي بعدما وجد نصباً للشاعر العراقي الشهير محمد مهدي الجواهري وهو يتوسط مجموعة من "الدلال" العربية و"الفناجين" وهي أكبر من حجم جسد الجواهري نفسه.
توقف مصطفى وهو طالب في كلية الفنون الجميلة ببغداد عن الضحك ليصفع يداً بيد متذمراً من هذا النصب، ويقول " كنت أظنإن السخرية طالت كلكامش فقط، لكن يبدو إن تلك الحمى وصلت للجواهري أيضاً".
تمثال الشاعر محمد مهدي الجواهري في المركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي والذي صممه النحات مجيد الصباغ تم افتتاحه قبل أيام، فيما افتتحت كلية الاعلام عام 2013 تمثال يجسد شخصية كلكامش وهو يحمل صحن "ستلايت" بيده والذي مثله الرسام محمد الساعدي.
اثارت هذه النصب حفيظة جمهور واسع من رواد الفن والثقافة في داخل العراق وخارجه متهمين القائمين على العمل "بالإساءة للرموز الثقافية والفن الراقي".
زبيدة أطيمش"فنانة تشكيلية" وبحكم خبرتها بالفن وصفت هذا النصب "بالمخزي" وهو يسخر من شخصية الجواهري وتقول "أظهر الجواهري وكأنه قهوجي في الحارة، ما يعني إن هناك من ينظر إلى الثقافة بعيون هازئة وساخرة".
فيما وقف الصحفي مشرق عباس متسمراً امام تمثال الجواهري "المبتذل" فهو لم يحزن ولم يضحك عند رؤيته للنصب، لأن تقبل هذا الامر يحتاج إلى تأمل واسع يذهب إلى أبعد من الحزن والسخرية.
ويقول لـ"نقاش" إن هذه الاعمال الفنية جاءت "منسجمة مع الواقع العراقي المتردي بشكل لافت وهي ترجمة للحظة انكسار اجتماعي طال امدها وانعكاس للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتردي الذي تعيشه البلاد".
نجل الشاعر الجواهري "كفاح الجواهري" بعث برسالة إلى محافظ بغداد يطالبه فيها بالتدخل السريع لإزالة النصب لانه يفتقر إلى الذوق، والفهم الحقيقي لأفكار الجواهري وشعره، ولا يمت له بصله طبقاً للرسالة التي اطلعت عليها "نقاش".
فلم تلقى الاعمال الفنية المتعلقة بالنصب التذكارية مثل هذه الهجمة من قبل المختصين والمثقفين، حيث شغلت هذه القضية مساحة واسعة في صفحات التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" و "تويتر" وغيرها.
إحدى الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي تعلق ساخرة "من الممكن استيعاب نصب الجواهري "المضحك" مؤقتاً لحين زوال مرحلة التخلُّف"، فيما علّق آخر بلهجة مصرية قائلاً "فين ايامك ياجواد يسليم تعالا شوف المسخرة".
وعلّق الشاعر عمر الجفال بألم على حسابه في الفايسبوك بالقول إن "بغداد اغتالت الجواهري مرتين، مرة حين دفعت به للعيش في الغربة بعيداً عن دجلة الخير، والأخرى حين صنعت له تمثالاً هزيلاً لا يليق بتاريخه".
واضاف الجفال إن العراقيين ناموا وصحوا ليجدوا المفاهيم جميعها قد تغيّرت في المنحوتات والتماثيل التي غطّت الشوارع منذ أربعينيات القرن الماضي، حتى وصل الأمر إلى جعل "الحرية باذنجانة والجواهري قهوجي".
تعليق الجفال يرتبط أيضاً بالحكومة المحلية في مدينة البصرة التي كلّفت شركة زراعية بإقامة نصب للحريّة بكلفة (6) ملايين دولار، وبعد طول انتظار، ظهر النصب على هيئة تشبه باذنجانة كبيرة تحيطها أحصنة مستوحاة من ألعاب مدن الملاهي.
الباحث عن الخلود والرجل الفذ كلكامش تحوّل بلحظة إلى تفاهة فهو من كبار الرموز في تأريخ الأساطير العراقية لكنه ظهر وهو يمسك بيده صحن ستلايت.
الكاتب والصحفي حسن عبود أحد رواد شارع المتنبي قال إن "نصب كلكامش الموضوع أمام كلية الاعلام يمثل صيغة كاريكتورية ومضحكة ومبكية في آن معاً، ولو ان الفنان حاول قراءة نص الملحمة الكلكامشية الخالدة حقا لاستطاع استنباط صيغ أخرى للتعبير عن هذا الرمز".
عضو مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي قال إن المجلس لا علم له بموضوع إقامة هذا النصب، وإن أعضاء المجلس يتفهمون اعتراضات المثقفين وعائلة الجواهري حيث سيقوم المجلس بإزالة النصب أو تعديله".
الأكاديمي بقسم الرسم بالجامعة المستنصرية الدكتور حسن جار الله حمّل القائمين على هذه الأعمال من المتنفذين في المؤسسات الحكومية مسؤولية هذا التدني بالمستوى الثقافي والذوق الفني وقال إن معظم القائمين على الأعمال الفنية بعد التغيير عام 2003 هم من غير الفنانين ولايمتون للفن بصلة.
بينما اكد استاذ النحت بمعهد الفنون الجميلة طه العامري إن الكثير من أعمال النحت والرسم المبتذّلة تم تريرها في السنوات القليلة الماضية دون قيد أو شرط.
واضاف العامري لـ"نقاش" إن القائمين على ثقافة المؤسسة الحكومية اليوم تسببوا بهذه المهاوزل فهم من الأدعياء وممن لايملكون أدنى قدر من الوعي الثقافي أو الفني".
وقال إن مايجري من تدني للمستوى الفني هو "علمية انتهاك جديدة ومتممة للانتهاكات التي حصلت للثقافة والفنون في العراق بعد الحرب سنة 2003". |