|
|
أضخم كتاب قصصي في أدب الأطفال:شفيق مهدي وحكاياته الألف |
|
|
|
|
تاريخ النشر
24/11/2013 06:00 AM
|
|
|
من الصعوبة بمكان أن يسرد كاتب ما ألف حكاية وحكاية موجهة للأطفال، ثم يجمعها في كتاب واحد، دون أن يتعارض ذلك مع جاذبية الأفكار التي تتضمنها تلك الحكايات، أو ما يفترض أن تنطوي عليه من عناصر الكتابة الناجحة للأطفال، وأهمها التشويق الضروري لشد الانتباه المشتت للطفل إليه.. ولكن شفيق مهدي في كتابه الجديد (ألف حكاية وحكاية للأطفال)، تغلب على هذه الصعوبة بتلقائية الفكرة، وعفوية اللغة، وعناصر تشويق وجذب أخرى، جعلت تلك القصص تبدو وكأنها (سوالف) أصدقاء يومية تم تسريب الرسائل الحيوية من خلالها، مما يدل على استعداده الفطري لمخاطبة أهواء الطفل واهتماماته، فضلاً عن أنتباهاته الذكية في اختيار الفكرة الملائمة، والشخصيات الطريفة مع خفة ظل آسرة بكل مايتعلق بها من شكليات كالأسماء والأمكنة والمقتنيات. الرعيل الأول من كتاب ثقافة الأطفال في العراق هم نخبة من محرري مجلتي والمزمار ورساميها المعروفين، وبجهدهم المضاف إلى خيال خلاق، وضعوا اللبنات الاولى لدار ثقافة الأطفال الحالية، وكان أغلبهم زاهداً بالضوء منصرفاً إلى صوامع الكتابة الملائكية، متماهياً مع أخطر مهمات بناء الجيل الجديد وتنمية وعيه، بروح تفان خالصة تستحق الإشادة والإعجاب، نذكر منهم على سبيل المثال عبد الرزاق المطلبي، ومحمد شمسي، وعبد الإله رؤوف، وعبد الخالق ثروت، وجعفر صادق محمد، وعبدالرحيم ياسر، ومؤيد نعمة، وأديب مكي، وطالب مكي، وعلي المندلاوي، وطلال حسن، وصالح مهدي حبيب، وفاروق يوسف، وفاروق سلوم، وحنان شفيق، وعواطف علي، ومنى سعيد، وعامر فتوحي، وزهير رسام، وعزي الوهاب، ورمزية محمد علي .. وكاتبنا شفيق مهدي هو واحد من أولئك الرواد الذين بدأوا الكتابة للأطفال منذ السبعينات ثم أفنوا حياتهم في التجوال بين حدائق عالم مسحور من الشخصيات الخيالية والأرضية التي تلبي فضول الطفل، وعطشه للمعرفة، واكتشاف كل ماهو جديد وجميل.. فقد بدأ الدكتور شفيق مهدي صغيراً بقراءة قصص الاطفال العالمية كبساط الريح وعلي بابا والاربعين حرامي وتركت هذه القصص والروايات بداخله حلماً سعى إلى تحقيقه وهو كتابه قصص للاطفال ونقل الاجواء الساحرة التي عاشها لتك القصص... يقول الدكتور شفيق مهدي أيضاً في إحدى حواراته المنشورة (إن بساتين النخيل،ودجلة ونوارسها،وزرازيرها وجزرتها الوسطية، وخرير ماء سدة الكوت الشهيرة،وحكايات امي الشعبية، التي هي كنز لا ينتهي من الحكايات، وغير ذلك قد أثر علي تأثيراً كبيراً.. وفي الليل، صيفاً، عندما أنام في السطح مع العائلة، كنت أراقب النجوم المتلآلئة، ومن شدة حبي لها، وتعلقي بها، كنت أظن انني ألمسها، وأتحدث معها، ومع صديقي القمر والغيوم، لذلك أعد العشرات من القصص أبطالها القمر والنجوم والغيوم.). كاتب واسع الأفق والبال والخيال... وصفه زميله صلاح محمد علي ذات يوم بالقول: (شفيق مهدي مئة كاتب في كاتب).. وذلك لان بعض كتبه هي عبارة عن موسوعات ضخمة يحتاج تأليف الواحد منها إلى فريق عمل كامل من الناسخين والباحثين، ومنها مجموعة كتبه عن اللبائن النادرة والمنقرضة في العراق، وعن الصقريات والطيور المائية في العراق والوطن العربي، بالإضافة إلى كتابه الصادر حديثاً عن مقاهي بغداد... أما كتابه الذي بين ايدينا الآن، فهو فعلاً مئة كتاب في كتاب واحد، كونه يشتمل على ألف حكاية وحكاية توزعت على كتاب ضخم تتجاوز عدد صفحاته الـ (450) صفحة من القطع المتوسط.. وتم طبعه وإخراجه بعناية ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية. وهو أضخم كتاب تم نشره في مجال الكتابة للأطفال في العراق. إن هذا النوع من الكتب قد لا يمكن إقتناؤه أو حمله من قبل الطفل كما يحدث مع المجلة او كتاب المغامرات الصغير، ولكنه يستحق أن يكون مرجعاً لتلاوة القصص الكثيرة منه، سواء في البيوت أو في المدارس أو رياض الأطفال. فهو يحمل رسائل تربوية من نواح عدة أهمها الاهتمام بالنظافة الشخصية والواجبات الدراسية والحفاظ على ماحولنا من عناصر البيئة وعدم تدميرها أو الإساءة إليها. فضلاً عن رسائل تحذيرية أخرى تنبه إلى السلوكيات السيئة التي تؤذي الناس وتواجهها بعناصر الخير والجمال. في هذا الكتاب نجد تنويعات على مواضيع عديدة أغلبها تذوب في عشق الطبيعة وروائحها الذكية، فنشم من خلالها رذاذ المطر المنعش ونسائم الربيع الطرية.. كل قصة محكية بعفوية ومحبوكة بخبرة كاتب محترف يعرف كيف يوجه رسالته إلى طفل صغير ويشد انتباهه اليه.. ففي قصة منظر طبيعي مثلاً كانت الأقلام في علبة الألوان قصيرة جداً، ولم يتبق منها إلا اللون الأسود الذي ظل طويلاً، لأن وسماء لم تستخدمه سوى مرة واحدة.. فمسكت وسماء اللون الأسود وقامت برسم سماء الليل وقد بزغ فيها القمر وتلألأت فيها النجوم.. وهناك الممحاة السعيدة التي لم تستخدمها رقية في كتابة الواجب لأنها كانت طالبة ذكية ومجدة. جرس المدرسة يقرع بين قصة وأخرى، وثمة أسماء جميلة ومشوقة بعدد القصص عن طالبات ومعلمات متفانيات وطالبات مجدات وطلاب ينهمكون بإداء الامتحانات والواجبات، أو يشتبكون مع عناصر الطبيعة، كالغيوم والأشجار والعصافير، بعلاقات مشوقة جذابة تجعل تلك القصص تنساب كماء الجداول والغدران.. حتى للظل المنبوذ مكان في تلك القصص، حين تلعب السعلاة مع ظلها بعد أن خاف منها الجميع. ولكن في قصة بديع ووديع سيفوز ظل وديع عليه في السباق لسبب ما، وهنا تمنيت أن يكون السبب في ذلك هو ميلان الشمس بعد العصر أو قبل الضحى، ولكن الرسالة التربوية تتغلب أحياناُ على المعلومة، فيكون للكاتب رأي آخر في تفوق الظل على الأصل. هناك أيضاً تنويعات ذكية على قصص عالمية كبساط الريح، وليلى والذئب، وقطر الندى والأقزام السبعة، وعلاء الدين ومصباحة السحري.. ثمة استعمالات جميلة لمقتنيات الأطفال والطلاب كالكرة والقلم والممحاة وعلبة الالوان.. وكل مايخطر على البال من الأدوات الهندسية أو من الحشرات والحيوانات المحببة للطفل كالأرانب والسلاحف والخراف والكناغر والبلابل واللقالق والشحارير والبطاريق والكثير من أنواع الطيور.. دنيا الطيور تحديداً هي من العوالم المحببة للكاتب المتميز شفيق مهدي، وصداقته معها صداقة قديمة وسعيدة تجعله يحدثنا عن تغريدها وأوقات هجرتها وعن إحتفائها بجمال الطبيعة وانبهارها بقوس قزح.. وطريقته في ايصال المعلومة تستحق وقفة من وقفات التامل والإعجاب، كما في قصة معاني الاسماء مثلاً(الليلة الثانية والتسعون بعد السبع مئة) : بدأ الأستاذ المعلم" عبد المنعم" يسأل تلاميذه عن معاني أسمائهم. أجاب زرياب: - زرياب هو عصفور صغير مغرد. وأجاب حسام: - الحسام هو السيف. وقال بدر: - معنى اسمي هو القمر عندما يكتمل. وعندما جاء دور أسامة لم يقل معنى اسمه، بل زأر. ضحك المعلم وضحك التلاميذ فقد عرفوا أن أسامة يعني الأسد. في قصة أخرى يقول بطلها إن يوم أمس كان عيد ميلاده وقد قرر أن يهدي البطل نفسه هدية في بداية السنة الدراسية، وهي النجاح بتفوق.. وقد استطاع فعلاً الدكتور شفيق مهدي أن يهدينا ويهدي نفسه هدية الثمينة في هذا الكتاب، وقد نجح بتفوق.. *ألف حكاية وحكاية للأطفال لشفيق مهدي: صدر عن دار ومكتبة عدنان ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العراقية 2013 |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ ميسلون هادي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|