بغداد: أبيغايل هاوسلونر* كان المقاتلون العراقيون الذين ظهروا في الفيديو يحملون البنادق الهجومية وقاذفات «آر بي جي» وهم يسيرون على الطريق السريع الذي اصطفت على جانبيه أشجار السرو يبتسمون وهم يسجلون بهواتفهم الجوالة وكاميرات الفيديو مشاعرهم في أعقاب معركة شرسة خاضوها لتأمين مطار حلب من محاولات الثوار السوريين الاستيلاء عليه. صاح أحد قادة هذه المجموعة: «أنتم أبناء العراق وأبناء الإسلام». بعد أسابيع عرض أبو سجاد، وهو اسم مستعار لقائد الميليشيا العراقية الذي ظهر في الفيديو، متفاخرا، هذا المقطع في بغداد كدليل على الدور المحوري الذي لعبته ميليشيات شيعية في العراق في دعم الرئيس السوري بشار الأسد في الصراع الذي تحول بصورة متزايدة إلى حرب طائفية وإقليمية. بيد أنه لم يتسن التأكد من المكان أو الظروف التي تم تصوير الشريط فيها.
حتى وقت قريب، كانت مشاركة الشيعة العراقيين في الحرب السورية مغلفة بالسرية هنا في العراق، حيث دأبت حكومته على نفي أي مشاركة لها في الصراع. لكن المقابلات الأخيرة مع مقاتلين ومحللين ومسؤولين بحكومات عربية وأبناء المدن الشيعية في العراق، كشفت عن توجه متنام لإعلان هذا الأمر لاعتقاد المقاتلين العراقيين أن مشاركتهم جزء من صراع إقليمي لهزيمة «القاعدة»، وما يقولون إنه جهود واسعة من قبل المنطقة السنية للقضاء على الشيعة.
وإلى جانب المقاتلين المنتمين إلى القوات الأمنية الإيرانية ومقاتلي حزب الله الموالين للأسد يشارك مقاتلون عراقيون ينتمون في غالبيتهم إلى المجموعات المقاتلة المعروفة بتلقيها دعما إيرانيا.
يثير دور المقاتلين الشيعة العراقيين في سوريا تساؤلات حول تواطؤ محتمل من الحكومة العراقية، وهو ما انتقده مسؤولون أميركيون أخيرا بالسماح لإيران باستخدام المجال الجوي العراقي للرحلات التي يزعم أنها تنقل الأسلحة والقوات والإمدادات إلى حكومة الأسد. ويقول مسؤولون عراقيون إنهم وافقوا على طلبات الولايات المتحدة بتفتيش الرحلات الإيرانية. لكن كريم نوري، المتحدث باسم وزارة النقل، قال: «إن عمليات التفتيش العشوائية الأخيرة لم تكشف عن أي شيء غير شرعي».
وأضاف: «نحن لا نؤيد المعارضة أو النظام في سوريا، ولن نجعل العراق جزءا من الحرب هناك». غير أن مسؤولين عراقيين حذروا مرارا وتكرارا من أن سقوط الأسد يمثل كارثة للعراق، فقد صرح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لوكالة «أسوشييتد برس» في فبراير (شباط) أن انتصار الثوار في سوريا من شأنه إحياء حرب طائفية في العراق. بينما قال سامي العسكري، النائب الشيعي المقرب من المالكي، في مقابلة أجريت معه، إن الحكومة «تغض الطرف» عن تدفق المقاتلين الشيعة إلى سوريا، كما هو الحال بالنسبة للسنة العراقيين الذين يساعدون الثورة في سوريا.
ويقول محللون وقادة الميليشيات الشيعية إنه لم يتضح بعد عدد الشيعة العراقيين الذين شاركوا في القتال في سوريا، لكن أبو سجاد يقدر أعدادهم بنحو 200 مقاتل، مشيرا إلى أن الأعداد في تزايد. وقال إن بيان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي أشاد فيه بمقاتلي المعارضة السورية في قتالهم ضد الأسد والإيرانيين، و«جبهة النصرة» التي تعهدت أخيرا بالولاء لـ«القاعدة»، هو ما أثار حمية المقاتلين الشيعة.
وقال أبو سجاد «أصبح من الشائع جدا الآن أن يقول أحدهم (أنا ذاهب إلى سوريا للقتال)، لماذا يقول الظواهري ذلك علنا، بينما نبقيه نحن سرا؟».
وفي مقابلة في بغداد، رفض أبو سجاد وأحد قادة الميليشيا الآخرين، أبو آية، الإفصاح عن كيفية دخولهم إلى سوريا أو الدور الإيراني في العملية. لكنهم قالوا إن بعض عملياتهم ساعدت في ترجيح كفة حكومة الأسد، التي حققت انتصارات على المعارضة في الآونة الأخيرة.
ووصف أبو سجاد مهمته التي امتدت لشهرين في ربيع هذا العام بأنها كانت منظمة للغاية. وقال إنه انضم إلى عشرة من المقاتلين، يتمتعون جميعهم بمهارات قتالية عالية بفضل السنوات التي قضوها في قتال القوات الأميركية في العراق، وإن الجيش السوري زودهم بالأسلحة والمركبات والإمدادات.
وقال: «القوات العراقية تقوم بمهمات خاصة فقط. نحن نقاتل وعندما نحرر مكانا يأتي الجيش السوري ليقيم قاعدة فيه».
وقال الرجلان إنهما ينتميان إلى ميليشيا شيعية لكنهما رفضا التصريح باسمها. لكن شيعة من مدينة الصدر في بغداد يعرفونهما قالوا إنهم أعضاء في جماعة «عصائب أهل الحق» المسؤولة عن الهجمات الأميركية في العام الأخير من الحرب العراقية.
ويقول صحافيون وسكان في بغداد والعديد من المدن الشيعية الأخرى في جنوب العراق، إن الجماعة تقوم بجهود مريبة لتجنيد المقاتلين وإرسالهم للقتال في سوريا.
على الصعيد العلني، يقول قادة الميليشيات والمسؤولون الحكوميون ورجال الدين الشيعة في بغداد وطهران، إن شيعة العراق يقصدون سوريا لسبب وحيد، وهو حماية ضريح السيدة زينب جنوب دمشق. وقال مسعود جزايري، المتحدث باسم هيئة الأركان العامة في القوات المسلحة الإيرانية، لقناة «المنار» الإخبارية اللبنانية الأسبوع الماضي، إنه «تم اتخاذ العديد من التدابير لتشكيل قوات لحماية الأضرحة الشيعية في سوريا».
ويقول ويل فولتون، محلل الشؤون الإيرانية في معهد «إنتربرايز» الأميركي في واشنطن والذي شارك في كتابة تقرير صدر أخيرا عن استراتيجية إيران في سوريا، إن عددا كبيرا من التقارير الإخبارية حول الجثث التي تعود إلى العراق من سوريا وجنازات المقاتلين الشيعة الذين قتلوا هناك تشير إلى أن نشاط شيعة العراق في المعارك يتعدى منطقة السيدة زينب، التي تنخفض فيها حدة القتال.
وقال أبو سجاد وأبو آية إنه كانت هناك معارك بين المسلحين العراقيين والثوار المناهضين للأسد في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك في دمشق وحلب وحمص ومنطقة القصير الاستراتيجية على طول الحدود مع لبنان.
وقال سكان المدن الشيعية الجنوبية إن المقاتلين يتم تجنيدهم في الاجتماعات مع الأحزاب السياسية الشيعية والميليشيات، وإنهم عادة ما يسافرون عبر إيران.
ويقول صحافي في مدينة النجف، طلب عدم ذكر اسمه لتجنب لفت أنظار الميليشيا إليه: «في كل يوم تخرج جنازتان أو ثلاث لأشخاص قتلوا في سوريا. 90 في المائة من هؤلاء قامت جماعة (عصائب أهل الحق) وجماعة (كتائب حزب الله)، المدعومة من إيران، بتجنيدهم».
وأضاف أبو سجاد وأبو آية أنه في كثير من الحالات، كانت وحدات شبه عسكرية متخصصة من المقاتلين الشيعة العراقيين المدربين تدريبا جيدا ومقاتلي حزب الله اللبناني، تقوم بشن هجمات ضد قوات الثوار لأن كتائب الجيش السوري تخشى القيام بها.
وأظهر الرجلان أكثر من اثني عشر شريط فيديو تم تصويرها بهاتف جوال قالا إن أبو سجاد ومقاتليه قاموا بتصويرها خلال المعارك في سوريا. وكانت العديد من أشرطة الفيديو وغيرها قد عرضت على شبكة الإنترنت خلال الشهرين الماضيين تظهر عراقيين يقاتلون في سوريا.
أحد أشرطة الفيديو التي التقطها أبو سجاد تظهر مقاتلين عراقيين يرتدون زيا أخضر يجهزون للهجوم على قوات الثوار في ضاحية جوبر بدمشق، وصاح أبو سجاد مشيرا إلى مجموعة من الرجال في الفيديو: «انظر هذا هو الجيش السوري الحر لا يحرك ساكنا لأنهم خائفون، وهذا أنا».
وقال أبو سجاد إن وحدته تمكنت من تحقيق انتصارات حاسمة على الثوار السوريين، وأسرت جواسيس مشتبها بهم، وأنقذت مطار حلب الاستراتيجي من تهديد القصف.
وأضاف أبو سجاد أن وحدته تمكنت في نهاية مهمته الأولى في جوبر، بمساعدة الاتصالات اللاسلكية العادية مع حزب الله، من التوغل في المناطق التي يسيطر عليها الثوار وقتلت الكثير من الأفراد.
وذكر أنه قبل البدء في تنفيذ الهجوم، قال لقائد الجيش السوري: «الآن سترون ما سيفعله العراقيون». وعندما انتهوا قاموا بتسليم المنطقة إلى الجيش السوري، وانتقل إلى المهمة التالية.
* خدمة «واشنطن بوست» عن «الشرق الأوسط» |