|
|
مؤشرات إلى حرق (سنّة العراق) سفن العودة... وإلى تذمر شيعي من المالكي |
|
|
|
|
تاريخ النشر
09/05/2013 06:00 AM
|
|
|
في العام 1991 كان اكراد العراق وبعد عقود طويلة من الصراع مع السلطة، قد مضوا قدماً في طريق باتجاه واحد، أحرقوا سفنهم وقرروا ان لا عودة الى الوراء في علاقاتهم مع صدام حسين، وكان نظام صدام يقرأ التطورات بمعزل عن التاريخ، يعتقد ان الوقت كفيل بمحو ذكرى المجازر الكبيرة، وان اتفاقات هنا وهناك مع شخصيات كردية قريبة الى السلطة يمكن ان تعيد عقارب الساعة الى الوراء. لا يمكن الجزم اليوم بأن سنّة العراق قطعوا مسافة طويلة على الطريق الكردي، ولكن لا يمكن الإنكار بأنهم في تاريخ يعيد انتاج نفسه مراراً، قد يحرقون سفن العودة. لم يستخدم النظام السياسي الذي تشكل بعد رحيل صدام حسين «الكيماوي» ضد العرب السنّة في العراق، لكنه وضعهم في موقع باتوا يشعرون فيه بـ «التهميش» و «الظلم» و «عدم الثقة بالسلطة» ما يسهل لهم اتخاذ الخيارات نفسها. يقرأ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي صورة التظاهرات السنّية اليوم باعتبارها تمثل «ردود فعل على أخطاء غير مقصودة ارتكبت في مرحلة انتقالية صعبة» وان «قوى خارجية اقليمية ودولية تحاول تضليل العرب السنّة وإجبارهم على التمرد استجابة لتطورات الأحداث في سورية». وتلك القراءة، في إحدى زواياها، تمتلك صدقية، فالظروف التي اوصلت سنّة العراق الى هذه النقطة الحرجة، لا يمكن ان يتحملها طرف واحد. الملابسات التاريخية التي رافقت الاحتلال الاميركي للعراق، ومقاطعة السنّة للعملية السياسية ولقوات الجيش والشرطة، والفوضى التي غلفت ادارة الحكم وكتابة الدستور وتطبيقه، وغياب الحكمة التي سمحت بالاستثمار الطائفي للاحزاب السياسية ومنها الاحزاب والتيارات السنّية، ساهمت بوصول الامور الى هذه النهايات. وايضاً كان لاندلاع الاحداث في سورية دور في تأجيج مشاعر جديدة لدى العرب السنّة في العراق، تماماً كما أسهمت كل أجواء الحراك الشعبي العربي في ذلك، ولا يمكن اهمال التدخل الخارجي، وسعي دول مختلفة ومتصارعة اقليمياً الى تقاسم النفوذ في العراق. لكن كل ذلك يتم الحديث عنه في جلسات خاصة، نقاشات بين القيادات السنية والشيعية، ورؤية يطرحها رجال الدين، فيما المعلن مختلف تماماً. ففي العلن يتحدث المالكي عن «مؤامرة تقودها مخابرات» وعن «فقاعات» و «متمردين» و «منتفعين» و «انفصاليين»، فليس من شيم الزعماء الحديث عن الاخطاء. في ازمة «الحويجة» الاخيرة، كان المشهد «سوريالياً» الى حد بعيد، فكبار العسكريين المتهمين بإصدار قرار اقتحام البلدة من السنّة، فيما تصدر اقوى التهديدات الى شيوخ عشائر الانبار من قادة عسكرين متحدرين من الانبار نفسها. ينفتح المشهد اكثر، حيث تثبت احصاءات مفوضية الانتخابات في العراق ربما للمرة الاولى وبطريق الصدفة، ان المقاتلين ورجال الامن الذين تم استثنائهم من المشاركة في الانتخابات المحلية الاخيرة ويتحدرون من محافظتي الانبار ونينوى بعد تأجيل الاقتراع فيهما، يبلغ نحو 70 الف رجل امن ومقاتل. على مستوى القبائل، وقف زعماء قبائل ضد التظاهرات السنّية ومع الحكومة، وشكل بعضهم تنظيم «صحوة» جديد، وأعلن استعداده لاقتحام ساحات الاعتصام، وفعل بعض رجال الدين السنة الأمر نفسه، فيما لم يتردد سياسيون عن اعلان تأييدهم للحكومة ورفضهم لتوجهات التظاهرات السنّية سواء نحو حمل السلاح او اعلان الاقاليم. تلك صورة كفيلة بخداع اي زعيم سياسي يتصدى للحكم، والمالكي يجد نفسه في كل مناسبة محاطاً بالسنّة المؤيدين لسياساته، يلتقي ببعضهم في مؤتمرات عشائرية او دينية، ويجتمع بآخرين في جلسات خاصة، فيحصل على ما يريد سماعه. لكن القضية اكثر تعقيداً مما تبدو عليه في بغداد، فالسنة العرب مرتبكون فعلياً إزاء خيارات المستقبل، وذلك ما اوضحته تظاهرات الجمعة الاخيرة في المدن السنّية تحت شعار «خياراتنا مفتوحة». تتجاذبهم اصوات يعتقد بعضها ان الذهاب الى تشكيل اقليم سنّي هو الخيار الانسب لتجنب المواجهات التي باتت قاب قوسين او ادنى مع القوات الامنية بعد «مجزرة الحويجة»، وهذه الاصوات تتصاعد وتتحول الى رؤية شعبية، سواء استمرت التظاهرات ام لا. في المقابل ما زالت اصوات سنّية اخرى ترى ان التمسك بالحكومة المركزية ومحاولة الحصول على الحقوق من خلالها هو انسب الحلول، وتنتقد خيار الاقاليم لأنه سيفتح الطريق لنزاعات دائمة حول الحدود مع الأطراف الاخرى، ومن اجل الحكم في داخل الاقليم المقترح ذاته. في اشارة لافتة أمر رجل الدين السنّي عبد الملك السعدي الذي حصل على تخويل من المتظاهرين للحديث والتفاوض باسمهم، بان يخلع كل المتظاهرين «لثامهم»، وقبل ذلك طلب الخطباء من زعماء القبائل ورجال الدين من المتظاهرين الطلب نفسه. فهم الامر على انه محاولة لكشف «المندسين» داخل التظاهرات بعد حادثة اغتيال خمسة من رجال الجيش على يد مسلحين على مقربة من ساحة اعتصام الرمادي. لكن جوهر خلع اللثام يشير الى مرحلة من مراحل احراق سفن العودة، فمن يخلع لثامه يكون مستعداً لعمليات مطاردة رسمية لاحقة، تماماً كما اعلن خطباء منابر الاعتصامات ذلك في يومهم الاول وتعرض بعضهم الى اعتقالات واغتيالات، فيما صدرت في حق مجموعة منهم اوامر اعتقال. تلك رسالة مفادها: «إما ان نمضي في طريق لا عودة منه، او نتعرض الى تنكيل حكومي لاحق». وفي مضمون الرسالة ايضاً: «ان اي اتفاق مع السلطة، مرفوض، لانه لن يضمن الحماية للتظاهرات، من مطاردات لاحقة» وهو جوهر فقدان الثقة بالسلطة، الذي يتكرس تدريجياً ويتحول الى انطباع سني عام. في لحظة غضب سنّية سادها الانفعال والتسرع، اعقبت احداث «الحويجة» اعلن المتظاهرون حمل السلاح، و «احراق المطالب» وكانت تلك اشارة جديدة الى اهدار المزيد من خيارات العودة. لا تبدو الرسائل مفهومة بين سنّة العراق والسلطة، فالاخيرة تتحدث عن رغبتها في اعادة الامور الى سابق عهدها مقابل تنازلات يتم تقديمها على غرار «المنحة» الحكومية مثل اطلاق معتقلين بقانون العفو العام، والسنّة يفهمون الرسالة بأن التاريخ السنّي في العراق بات ينقسم الى شطرين احدهما ما قبل تظاهرات نهاية العام 2012 وبداية 2013 والآخر ما بعد هذا التاريخ. الاطراف الدولية والاقليمية المؤثرة على القرار السنّي مثل تركيا ودول خليجية عربية وعلى قرار الحكومة العراقية مثل ايران، والمؤثرة على الطرفين مثل الولايات المتحدة، فهمت تلك الرسائل في شكل اكثر وضوحاً، فقادت خلال الايام الماضية حملة حوارت غير معلنة لتسوية الازمة قد تشمل في جزء منها التضحية بالمالكي نفسه، واثمرت الضغوط في صفحتها الاولى عن اعادة الاكراد الى الحكومة، وفي صفحتها الثانية تصاعد الدعوات من القيادات السنية لانهاء الاعتصام وطرح خيارات بديلة. لكن اطرافاً سنّية فاعلة ما زالت لا تثق بالضمانات الاقليمية والاميركية، وهي تعتقد ان العراق بشكله الحالي يجب ان يتغير حتى لو وصل الامر الى التقسيم الفعلي. وعلى ما يبدو فإن البيئة الاقليمية ومنها الايرانية، والتوجهات الاميركية ليست في هذه المرحلة مع الدفع بالسنّة العراقيين الى طريق اللاعودة، وقد يختبر هذا الاعتقاد خلال الاسابيع المقبلة، بناء على مستوى المتغيرات التي ستترتب على الصفقة الاقليمية – الاميركية غير المعلنة. ربما تتم التسوية على المستوى السياسي بما يضمن تأجيل الانفجار الى مرحلة لاحقة، لكن المشكلة العراقية تبدو اكثر عمقاً من تسوية سياسية. وبالاشارة الى طروحات، تسربت من اوساط دينية وسياسية شيعية واسعة التأثير مثل المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني، وزعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، وزعيم «المجلس الاسلامي الاعلى» عمار الحكيم، فإن الزعماء الشيعة يدركون حجم المشكلة بشكل اكثر واقعية مما تدركه السلطة. فعلى رغم تحفظه، فإن السيد السيستاني، يعتقد نقلاً عن مصادر موثوقة، ان الطبقة السياسية العراقية تساهم في اهدار تجربة الحكم الشيعية عندما تفشل في احتضان الطوائف الاخرى. وتؤكد هذه المصادر ان السيستاني الذي احتج عبر اغلاق بابه امام السياسيين منذ سنوات، لا يريد ان تختصر المشكلة بالحكومة الحالية او بالمالكي كرئيس وزراء او كزعيم شيعي، وهو في الوقت ذاته لا يرغب بأن تتحمل المرجعية الشيعية نتائج قرارات كبيرة كان من المفروض ان يتخذها السياسيون الشيعة بانفسهم منذ سنوات وتخص المصالحة الفعلية مع السنة، ومنحهم الدور والتأثير والمساحة التي يستحقونها كمواطنين في الدولة، لقطع الطريق امام مشاعر التهميش، بالاضافة الى تسوية المشكلات مع الاكراد، وترسيخ قيم الدولة المدنية المستقرة الفاعلة التي لا تتقاذفها الاهواء. احتجاج السيستاني حسب تلك المصادر، لم يكن على جزئيات التعامل مع السنّة كسياسيين وكمواطنين في الدولة، بل على عجز الوسط السياسي الشيعي عن اتخاذ اجراءات فاعلة لتعديل مسارات العملية السياسية نفسها واصلاح ما تأسس على خطأ منها بما يضمن العدالة. الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر، قرأ المشهد الشيعي بصورة اكثر وعياً، وأبدى خلال العامين الماضيين مواقف قال انها تحاول «حماية شيعة العراق من اخطاء سياسييهم» فالصدر يقول في مقابلة مع صحيفة «المدى» البغدادية اخيراً ان «بعض قراراتي قد تنفّر البعض منا، إلا أنها تفتح باباً آخر، فمن أصحاب العقول النيرة والمحايدين الوطنيين من يتأثر إيجابياً بقراراتي الوطنية»، ويضيف ان «عقلاء الشيعة قلقون جداً، لكن مشكلة بعضهم انهم يعتقدون ان التعقل يعني الصمت على ما يفعله المالكي. اما انا فتياري هو كل عراقي جريء يرفع صوته قبل حصول الكوارث الوطنية. الصمت مستحيل. فقد صمتنا عقوداً ورأينا النتيجة في خراب صدام حسين. نرفع صوتنا ونتقبل دفع الثمن». ويطرح الحكيم الشاب رؤية مقاربة، فيتمسك بخيارات التوافق الوطني الايجابي، ويدعو الى الاستجابة للمطالب المشروعة، ومن ثم يؤكد ان البلاد تدار بالتصالح لا بالتناحر، والحكيم ينجح ليس بكسب المزيد من تأثير الشارع ما عكسته نتائج الانتخابات الاخيرة، لكنه ينجح قبل ذلك في الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل الاطراف السياسية العراقية من دون ان يقطع حبل الوصل مع اي منها. في المحصلة، ان عودة العرب السنّة في العراق عن الطلاق غير المعلن مع بغداد، عبر التخلي عن طروحات الاقليم، ومحاولات التمرد على القانون، لا يستدعي استجابة لمطالب المتظاهرين المعلنة بالدرجة الاساس، فالمطالب في مجملها نتائج اكثر منها اسباب، وانما يستدعي حراكاً سياسياً حقيقياً، قادراً على تعريف اخطاء العملية السياسية والشروع بمعالجتها. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ مشرق عباس
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|