|
|
سعد هادي... يصطاد عصافير المومس العرجاء |
|
|
|
|
تاريخ النشر
03/01/2013 06:00 AM
|
|
|
الرواية ليست ايروتيكية الا ظاهريا ولا علاقة لها بمومس السياب
صدرت حديثا للكاتب العراقي سعد هادي، عن (منشورات اللحظة) في العاصمة البريطانية لندن، رواية جديدة بعنوان (عصافير المومس العرجاء)، تقع الرواية في 438 صفحة من القطع المتوسط وقام بتصميم الغلاف الفنان العراقي صدام الجميلي. ويمكن الانطلاق في قراءة الرواية انطلاقاً من عنوانها المثير الذي وضعه الروائي سعد هادي لروايته ومروراً بالإهداء : (الى الراحل فؤاد التكرلي) وعبر الصفحات اللاحقة الضاجة بالأحداث والشخصيات والانتقالات بين المقاهي والشوارع والبيوت المظلمة في بيئة نادراً ما تحدث عنها كاتب عراقي بل عدّ الحديث عنها دائماً من بين التابوهات الأجتماعية وظلّ ما يجري فيها من المسكوت عنه برغم وقوعها في قلب المدينة وتحت أنظار سكانها، وتبدو (عصافير المومس العرجاء) مغامرة سردية قد لا يتقبلها الكثيرون الى جانب كونها مغامرة في تطويع الكلام المحكي في النص الروائي وبرغم أنها أي تجربة كتابة الحوار بالمحكية أو الدارجة أو العامية ليست جديدة تماماً في الأدبين العراقي والعربي الا انها في هذا النص اكثر اغراءً لتطابقها مع أحداث وشخصيات قاع المدينة الذي يأخذنا اليه الروائي أو يطمح الى نقل بعض صوره الينا. مع سعد هادي، الذي ظل يعمل في الصحافة العراقية منذ عام 1975 وأصدر أربع كتب من قبل (مجموعتان قصصيتان: طبيعة صامتة 1990 والأسلاف في مكان ما 2004، وروايتان: ليلى والقرد 2005 وتجريد شرقي 2006) كان لنا هذا الحوار للتعرف على تفاصيل روايته الجديدة وكذلك عن ما يفكر به الآن أو يطمح لإنجازه * ما الذي تناولته في هذه الرواية، ماهي عوالمها والخطوط الأساسية فيها؟ - تجري احداث "عصافير المومس العرجاء" في الشهور الأولى التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق عبر علاقة بين رجل وإمرأة، كلاهما ضائع ومهزوم في داخله، علاقتهما قلقة وغير متكافئة تختلط فيها الشهوة بالكراهية والاحتقار بالحاجة الجسدية وثمة فاصل عميق بينهما في السن والتجربة يماثل ويوازي الفاصل بين قاع المدينة الحافل باللذائذ العابرة والكراهية والعنف والموت وبين طبقاتها المتتالية الأخرى التي مزقتها تجربة الاحتلال المرة واعادت تشكيلها وصياغة توجهاتها بل وحتى اعطتها المبرر لاعادة كتابة تواريخها بسرعة في فوضى عجيبة لم يشهدها العراق من قبل، انقلب فيها كل شيء الى النقيض وترك ذلك الانسان العراقي في حيرة وصراع روحي مازلنا نرى آثاره بل وسنراها لعقود طويلة قادمة، القاع يشكل الوجه الصريح للمدينة الذي يفضح ما يخفيه سطحها المرائي المزدحم بالتناقضات والخراب والتعالي والازدواجية فالمرأة وهي فتاة في العشرين صريحة وواضحة ونتاج غريزي لكل التناقضات الاجتماعية بينما الرجل غامض واناني وخائف، يعجز عن الاستجابة واتخاذ القرار في كثير من المواقف ولا يعرف ماذا يريد برغم كهولته وتجاربه وكلاهما الرجل والمرأة خلال صفحات الرواية وأحداثها يتبادلان الادوار وسط دراما سوداء في الكثير من تفاصيلها تشاركهما في تأديتها شخصيات عديدة اخرى لا شك أن أكثرنا قد صادفها أو تعرف عليها في شوارع المدينة وازقتها ومقاهيها وحاناتها، هذه الشخصيات تتحدث باللغة المحكية بكل ما في تلك اللغة من بلاغة واختصار وتلميحات وذلك ما يميز هذه الرواية عن روايات أخرى، عليّ أن اضيف هنا أن هذا الوصف الموجز لا يعني أن الرجل والمرأة وجميع شخوص الرواية الأخرى هي رموز نمطية تشير الى فئات اجتماعية أو عرقية أو دينية أو طائفية محددة، اذ ان النظر اليها عبر ذلك سيؤدي الى فهم مغلوط للرواية والى تفاسير ايديولوجية تفرض عليها من الخارج وهذا ما اخشاه، بل علي أن أقول بايجاز أن هذه الشخصيات هي مخلوقات بشرية قد تكون حقيقية وموجودة في زمان ومكان محدد، لا يمثل أي منها عرقاً ولا ديناً ولا مذهباً ولا عشيرة وقد أعاد الكاتب اظهارها وترتيب وجودها وتشكيلها لغويا خلال صفحات روايته. * لماذا هذا العنوان بالذات، هل ثمة ربط بين روايتك وقصيدة السياب الشهيرة (المومس العمياء) مثلاً؟ - لا أدري، لم أفكر بذلك الا بعد أن اكتملت الرواية التي مرت بمراحل كتابة عديدة، شهد النص فيها حذوفات واجتزاءات واضافات، مثلما تغيّر العنوان أيضاً ثم استقررت أخيراً على "عصافير المومس العرجاء" الذي يرتبط جوهرياً ببناء الرواية وله دلالات عديدة سيكتشفها قاريء النص لاحقاً، مؤخراً اعدت قراءة المومس العمياء لأكتشف كم هي هائلة بعض المقاطع فيها، لقد هزّني بشكل خاص المقطع التالي: (عمياءُ كالخفاشِ في وضحِ النهار، هي المدينة، والليلُ زاد لها عماها، والعابرون، الأضلعُ المتقوّسات على المخاوفِ والظنون، والأعينُ التعبى تفتّشُ عن خيالٍ في سواها وتعدُّ آنيةً تلألأ في حوانيتِ الخمور، موتى تخافُ من النشور، قالوا سنهربُ، ثم لاذوا بالقبورِ من القبور)، أي مقطع نبؤي هذا( في الأقل بالنسبة لما أفكر به) كأنه يتحدث عن ما جرى ويجري في العراق الآن بلغة شعرية لا يمكن مضاهاتها وصور لا يمكن أن تنسى ناهيك عن الموسيقى الداخلية العميقة التي تحرك النص من الداخل، أليست هذه ميزة الشعر العظيم؟ *هل يمكن ان يوحي العنوان بان الرواية ايروتيكية؟ - ظاهرياً ربما، لم يكن هدفي أن أفعل ذلك، لم أرغب في كتابة رواية ايروتيكية بل أن اذهب بعيداً للكشف عن عالم خفي لم يفكر احدنا في الدخول اليه: طبقاته السرية، معالمه الظاهرة والخفية، علاقاته المتشابكة الصاعدة والنازلة مع مجتمع يحاول التماسك ولكنه يتآكل تدريجياً، دائما كنا نتحاشى ككتاب لاسباب عديدة، بعضها ثقافي والآخر اجتماعي الاقتراب من هذا العالم، ما حاولته هو تقديم ما صورة ما، قد تكون ناقصة أو مجتزأة أو ربما مفبركة عن وضع قائم ولكن مسكوت عنه، يلوح من بعيد ولكننا نتحاشاه، هذا العالم هو اليوتوبيا السوداء للمدينة او صورتها التي تنعكس في مرآة نمرق أمامها بشكل عابر أو نرفض النظر اليها لنرى ما نحن عليه من بؤس وخصوصاً في ظل احتلال سعى لتحطيم البنية الاجتماعية وتغيير مقوماتها الأساسية ومفاهيمها وتشظية الهوية الوطنية (برغم علاتها ونواقصها وأوجه الخلل فيها) الى هويات متقاتلة ومتصارعة الى ما لا نهاية على لا شيء بل وخلق ما يشبه حالة من الهستيريا الجماعية التي لن يدرك أبعادها وجوانبها المفزعة الا من نظر اليها من الخارج. * هل يمكن القول على هذا الأساس أنك قد تجاوزت ما يفرضه الرقيب الداخلي والخارجي، ألم تفكر بالقاريء مثلاً، كيف سينظر للنص وكيف سيتعامل معه بعد قراءته؟ - لم أفكر بأحد وأنا أكتب أو أعيد الكتابة، التفكير بالقاريء خيانة له، من هو القاريء الذي عليّ أن أفكر به، القاريء كلمة غامضة ومسطحة لبشر من كل الاتجاهات والافكار والثقافات والامزجة، أردت أن أكتب رواية لقاريء وحيد أعرفه جيدا هو أنا، يعيش في عزلة منذ اربع سنوات عن مؤثرات كثيرة متشابكة ومُحبطة قد تغير توجهات أي كاتب وتحرفه عن مساره، ولكن لديه حرية القول والكتابة والتفكير مثلما لديه فسحة أكبر للكتابة من ذي قبل، هل يمكن القول انني ذهبت ابعد مما كان متوقعاً؟ ربما ستحدد قراءة النص ذلك، ولدي بالطبع تبريراتي ومسوغاتي امام ردود الأفعال: ايجابية كانت أم سلبية. * كيف تشكلت لديك فكرة كتابة هذه الرواية، ما الذي حرضك على دخول هذا العالم الغريب، عالم قاع المدينة؟ - بل اتذكر كيف بدأت الكتابة، كنت أعمل في أوائل عام 2005 في مكتب للانتاج التلفزيوني وكان علي أن اعيد صياغة التعليق في برنامج عن تاريخ بغداد باللغة المحكية بدلاً عن الفصحى التي كتب بها، لم تكن لي تجربة سابقة في ذلك، انا من الجيل الذي عاش في ظل ثقافة تقدس الفصحى وسلطة تصدر القوانين الملزمة التي تدعو الى عدم المساس بها، ولم يكن ليدور بمخيلتي يوما ان اكتب نصاً ما بعيداً عنها، لذا فقد قمت بالعمل المطلوب انتاجياً بلا اقتناع وبلا مزاج في البداية ولكني انسجمت معه تدريجيا، كان الأمر معكوساً بالنسبة لي فخلال عملي الصحفي كنت اعيد صياغة ما يقوله المتحدثون بالمحكية الى الفصحى وها أنا أقلب المعادلة، في تلك الفترة كانت فكرة الرواية أو في الأقل بدايتها قد راودتني، فكرة ما ليست واضحة تماماً عن عالم المدينة السفلي وشخوصه ولكني كنت متحيراً في اسلوب الكتابة، كنت أفكر في نص سردي يعبر تماماً عن ذلك العالم بسياقاته اللغوية واساليب الحياة فيه، بعد تلك التجربة ادركت فجأة انني قد وجدت الحل لأبدأ الكتابة واستمر بها وصولاً الى النسخة النهائية المطبوعة. *هل هذا هو السبب الرئيس في اختيار للمحكية (أو العامية أو الدارجة) وسيلة للحوار بين الشخصيات؟ - اعتقد أن الحوار هو الذي يقود لغة السرد أو يحدد معالمها، هو الذي يجعل الكاتب يخفف من البلاغة التقليدية ويقترب من الواقع برغم اعتقادي ان كلمة الواقع هي كلمة مخادعة لمهوم لا نهائي ولا يمكن تحديده، ما تنطق به الشخصيات هو الذي يحدد سماتها وعناصر تميزها بدلا عن الحوار الفصيح الذي يجعلها جميعا متشابهة تنطق بلغة الكاتب أو تعبر عن آرائه وأفكاره، كل شيء في الرواية هو ملك الكاتب الا الحوار فهو ملك الشخصيات لتعبر به عن نفسها أو تتخذ منه وسيلة للتواجد الفعلي على مساحة النص. * لماذا الاهداء الى فؤاد التكرلي؟ - لأنه الروائي الأكثر تمثيلاً وفهماً لتناقضات الحياة العراقية اضافة الى قدراته الفنية ككاتب منذ قصصه الأولى وحتى رواية (المسرات والأوجاع) التي أعدها من أفضل ما كتب عراقياً في مجال السرد دون أن نستثني ما كتبه التكرلي بعدها، كان الاهداء في البداية كالآتي :(الى فؤاد التكرلي والعيون الخضر) وهو عنوان واحدة من أجمل قصص التكرلي التي اعشقها منذ أن قرأتها في السبعينيات ولكني فكرت لاحقاً أن الاهداء سيكون لجانب من أدب التكرلي فقط وليس لكامل انجازه، كما أنه قد يحيل القاريء الى مرجع بذاته خارج عالم روايتي وهذا ما لا أحبذه، أردت من خلال الإهداء تقديم تحية الى كاتب كبير احترمه وانسان رائع ارتبطت معه بصداقة اعتز بها خصوصا في السنوات الأخيرة من حياته. * بعد مجموعين قصصيتين وروايتين، هل تختلف "عصافير المومس العرجاء" عن ما كتبته سابقاً؟ - نعم تختلف في جوانب كثيرة، هي الأقرب الى ما كنت أفكر فيه ولم استطع انجازه سابقاً، لم أعد مأخوذاً بالواقعية السحرية مثلاً فما أصبح يشدني هو سحر الواقع: الحكايات اليومية، التفاصيل الصغيرة، الاكاذيب، التنطعات، الحوار العادي بين الأشخاص، الثرثرات، الشتائم، النكات، مقاطع الأغاني وكل ما يترفع عنه الروائيون بملابس رسمية من دعاة الأخلاق الذين ستستفزهم روايتي بالتأكيد، مع الطموح الأكيد في تقديم نص ممتع ومقروء فماذنب القاريء تحت لافتة النص الجديد الفضفاضة لندخله في معميات وطلاسم وتهويمات لا يعرف أحد أين تبدأ وأين تنتهي، طبعاً هذا ما حاولته ولا أدري هل نجحت، القاريء هو من يحدد ذلك، لم اتفوق على نفسي ولم اتجاوز ما كتبت من قبل بل ببساطة لقد وجدت ما كنت ابحث عنه. * كيف تنظر الى واقع الرواية الان في العراق؟ - افضل مما كان عليه قبل عشر سنوات أو أكثر وخصوصاً بعد أن فقد الشعر مكانته وتحول الى منلوجات هذيانية عقيمة، ولكننا بالطبع لن نتمكن من الحديث الآن وحتى زمن قريب قادم وفي ظل هوس الجميع بكتابة رواية، أي رواية عن خصائص محددة تجمع كل النتاج الروائي في العراق بل عن تجارب متفاوتة في الصناعة الفنية او الرؤية الاجتماعية أو التنوع الأسلوبي، الروائيون في اي بلد ليسوا لاعبي كرة في فريق واحد بل عداؤو مسافات طويلة يريد كل منهم الوصول الى الهدف قبل سواه، ستكون البداية واحدة للجميع ولكنهم لن يستطيعون بلوغ النهاية معاً، سيصلون عاجلاً أم آجلاً تبعاً لقدراتهم ومواهبهم. *أخيراً، ماهو مشروعك الروائي المقبل؟ - لدي رواية جديدة مكتملة عنوانها (سلاطين الرماد) أتمنى أن ترى النور في وقت قريب وربما بالتعاون مع صديقي حكمت الحاج صاحب منشورات لحظة، هذا المشروع الطموح والذي يمتلك روح المغامرة والذي لولا جهوده لما ظهرت "عصافير المومس العرجاء" كما أن لدي مسودتين لروايتين شبه مكتملتين أتمنى أنجازهما في العام القادم أو ما بعده، وأفكار أخرى تنمو تدريجيا وتتكامل، هذه بعض محاسن العزلة يا صديقي. عن (ايلاف) |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ عبد الجبار العتابي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|