|
|
(سحر المسنجر) لزيد الشهيد:السرد بالعين! |
|
|
|
|
تاريخ النشر
16/11/2012 06:00 AM
|
|
|
صدرت مجموعة الروائي والقاص العراقي زيد الشهيد التي حملت عنوان (سحر المسنجر )عن دار رند ط1 ـ|2010 وهي عبارة عن قصص قصيرة جداً، يذكر المؤلف في المحتويات (8) أرقام تسبق عناوين هذه المجموعة. وعلى الأعم الأغلب تبدو هذه المجموعة قصصاً تعتمد النخبة والكاتالوغو السردي المرتبط بالوعي الثقافي للفرد والجماعة، ومن قضايا مشتركة ترى بالعين وتفهم بالوعي الخالص وتحرض على شروط ثقافية محددة، في مقدمتها شرط اعتماد ثقافة الصورة، والرؤية البصرية القائمة على وعي الجسد الإنساني بوصفه موجوداً إنسانياً يمكن وعيه صورياً، لهذا قام زيد الشهيد بالاحتفاء باللوحة على اعتبارها عمود السرد الإنساني، لأنها تعطي إطاراً للجسد، إن وجود الإنسان وجود جسدي (1) ومحاولة جذبه نحو الورق يعتمد على اللغة المشتركة التي هي الصورة الرمزية التي تكثف عالم الجسد بقراءة صورية يتحدث الفيلسوف الفرنسي موريس مرلوبونتي عن أهمية النظر المشترك إلى اللوحات الفنية مع الآخرين حيث تدخل انطباعاته عن اللوحات داخل الشخص الآخر بحيث يكون مع الآخر ومع اللوحة ومع الأشياء في عالم واحد (2) مما استطاع أن ينظر في مشاكل التصوير، وبالتالي هكذا تنجز العين كما أشار مرلوبونتي عملها المعجز الخاص بفتح آفاق كل مادي أمام الروح (3) وفي هذه المجموعة القصصية رؤية تشبه نظر ذلك الفيلسوف الفرنسي، فوجود كاتالوغات يقوم المؤلف زيد الشهيد بدمه ولحمه الذي يتخذ من مدينة (السماوة) منطلقاً نحو تحريك المكان زمانياً باتجاه السهم المارق صوب المجهول في الأبدية، حيث تميل الحياة نحو الجمود والرتابة موطناً له يردده بين حواشي كل الكاتالوغات التي سيقوم بعرضها في المجموعة، كأنما هو يلصق الكاتولوج بمنشأ صناعته المحلية، وفي هذه المجموعة نجد في الكاتالوغ الواحد أربع شخصيات مرسومة على أطراف الكاتالوغ 1-) المؤلف زيد الشهيد وهو عبارة عن نمطين مؤلف حقيقي وضمني يتماهيان كثيراً في كل كاتولوج، حيث يتبادلان التحدث عن الصورة وهي في السكون في كتاب أو في غلاف، زيد الشهيد الحقيقي الذي يصف نفسه علناً، وزيد الشهيد القافز من المكان نحو الزمان، مع أبطال الروايات ومؤلفيها في معادلة الاتجاه من المكان إلى الزمان، والراوي العليم أو المشارك خارج الكاتولوج أو داخله، وهذا الشخص فيه من ملامح المؤلف الكثير لكنه في النهاية لا يتطابق معه على الورق إلا لماماً، والقارئ الذي يتقمصه المؤلف الحقيقي (حينما يذكر السماوة أو يذيل النص بالمكان والتاريخ، باليوم والشهر والسنة) والقارئ السارد الذي يندس في متن الكاتالوغ، أو في عمق اللقطة الساكنة التي يذوب عنها جليد السرد ؛ فتصبح نصاً زمنياً بدلاً من لقطة مكانية، والقارئ البطل الذي يأتي من وراء اللوحة أو الرواية (الذي يرسمها أو يؤلفها) ليكون دليل لسارد الكاتب، والقارئ الكاتب (المؤلف الحقيقي) الذي يتثاقف طوال انتقال النص المكاني ليستقر نصاً في الزمان في جدله غير المنقطع مع المؤلف القارئ (القارئ البطل)، وأخيراً الجمهور الذي يقف وراء اللوحات التشكيلية والروايات وجوقة الأبطال والبطلات الذين اندسوا في هذه المجموعة، وقراء الروايات عبر الأزمنة المجهولين وزوار المعارض الذين رأوا اللوحات وأعجبوا بها، بعضهم من النقاد كتب عنها الخ هذه الفئات الأربع هي التي ساهمت في إنتاج المجموعة على النحو التالي في (حلم اللحظة اليانعة ص 7) يقف زيد الشهيد صبياً تسقط عن كتفيه الحقيبة المدرسية، وهو ككل تلميذ تتفتح أمام ناظريه معارج المعارف من لحظة تحول المكان (استثار تأمله ورأى في القطرة الهابطة عالماً كريستالياً كروياً سرعان ما خلبه وأثار شهيته للولوج بعدما فجرت شلالات شمس الضحى حساسية الاثنين القطرة النزقة والصبي المستثار) لحركة سردية مستمرة طوال المجموعة على منوال المؤلف | القارئ في (افضاءات نهر الألوان من ص 9 حتى 29 هكذا حيث تبدو شخصية القارئ والمؤلف واحدة، لأن عين السارد هي الحكم هنا، ففي جمود اللوحات التشكيلية والأوراق الصفراء التي تنطوي عليها الروايات تنطلق العين الباصرة للمؤلف لتحويل الصورة المؤطرة إلى حركة مستمرة مع فارق واحد مهم هو إنه زمن مستقبلي مقطوع يتخذ منحى الحاضر الآني في لحظة استباق العين لتكون حركتها حركة كاميرا، وفي القصص القصيرة جداً التي تمثل (افضاءات ---) يقرأ زيد الشهيد ما يشبه النصوص المفسرة لمناخات الحدث الذي أنتج الصورة حيث باريس موطن المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي الأوربي الحديث على يد مونيه ومانيه وروسو وفان كوخ وجوجان وسيزان وديغا هؤلاء هم الذين فجروا ثورة الألوان في عالمنا المعاصر ماذا فعل القاص زيد الشهيد في عالمهم ؟! لقد قرأ لوحاتهم بجعلها تتحول إلى لغة محكية، وكان قارئاً بارعاً لهم تخطى حاجز الحاضر لماضيهم عن طريق قارئ | سارد لاستقصاء إبداعاتهم عبر متخيل السماوة فوهة العالم، وهو الرسام الموازي لتلك الابداعات في علاقة مؤلف | قارئ | موضوع المؤلف القارئ الموضوع كلود مونيه زيد الشهيد لوحة انطباع فان كوخ زيد الشهيد زهرة عباد الشمس ادجار ديغا زيد الشهيد راقصات الباليه كاميل بيسارو زيد الشهيد لوحة روين 2- في ( أحزانهن و أفراحنا ) يقرأ القاص زيد الشهيد ( 3) روايات هي :ـ سيليا أو موت في ريعان الشباب للروائي الفنلندي سيلانبا بحر ساركاسو الواسع للروائية جين ريز بيدرو بارامو للكاتب المكسيكي خوان رولفو وقراءة القاص زيد الشهيد اعتمدت أصلاً على بطلة كل رواية من هذه الروايات من ناحية البؤس الذي حام حول حياتهن، لكن الجديد في هذه القراءة هو جوهر المقارنة غير المتوقعة لبطلات الظل العراقيات اللواتي يحملن العذابات نفسها، والشجون ذاتها ؛ وهي قراءة منحازة لجانب تصوير مشهد الحاضر العراقي البائس الذي يطابق نوعاً ما عالمهن التخيلي مع الفرق في شدة الحزن العراقي النسوي الذي بات فرحاً لبطلات الروايات الاخريات، ففي رواية (سيليا أو موت في ريعان الشباب) للروائي والكاتب الفنلندي سيلانبا الحائز على جائزة نوبل الذي ترجمت روايته هذه إلى العربية عن دار المأمون العراقية 1985 على يد د- سلمان الواسطي يضع القاص زيد الشهيد معادلاً لأحزان (سيليا) في بلاغة لفظية خلابة أحزان (سلوى) التي يرقبها بالعين وهو في السماوة كاتباً وقارئاً وسارداً، فإذا رسم سيلانبا سيليا من جموح خياله كانت مجرد طيف ويوم سكبها على الورق صارت حياة تمور، ولأنها خادمة بائسة تموت وتنهي الحكاية التي قدمت الروائي للعالم الذي أعجب به إيما إعجاب، لكن سلوى العراقية من يقدمها مع طبق الحزن الساخن بعدما أنهكتها أعوام الحصار وضيقت عليها أيام خيبة الأمل في شعب نسي أرضه بعد مقدم النور الخ بمعنى إن القاص زيد الشهيد يبرع في تكديس الضد مقابل السرد، الضد الذي يسرده بالباصرة والعين الساردة، وما حصل لسلوى وسيليا ينطبق على نظيمة صنو انطوانيت بطلة الروائية جين ريز في رواية (بحر ساركاسو الواسع) ترجمة فلاح رحيم جاسم دار المأمون 1987 مع الفارق بين المكانين، بالنسبة لمؤلفي العملين، لنستمع لكلام القاص والسارد والقارئ زيد الشهيد حيث يقول :ـ وكنت أتابعهما على خطو القراءة التي تبتغي مآل وتهدف لأدراك نتائج (أبوها) تلك التي كان اسمها 'جين ريز' ويلزياً من انكلترا وأمها من الكريول سكان جزر الهند الغربية وأمريكا اللاتينية المنحدرين من أصل أوربي أو أسباني وأبي كان بصرياً عربياً وأمي سليمانية كردية جمعتهما خيمة الاقتران رغم تفاوت الطباع وبعد المسافات رسمت تلك التي اسمها جين ريز بطلتها على هوية جديدة سمتها (انطونيت كوسوي) وفضلت أنا لشخصيتي اسم (نظيمة) أطلق علم النفس على شخصيتيهما بالعصابية، ومن اللافت للنظر إن القاص زيد الشهيد يلعب الأدوار كلها بالتساوي في هذا القسم إذ يقرأ الرواية، ثم يؤلف مقابلها ويكون سارداً لكلا العملين ويأتي في الدور الأول أو الصف الأول في رسم ملامح الشخصيتين والأجواء المحيطة بهما عن طريق السرد المكاني أو الورقي. 3- في (ترادفات عابر العين) ثلاثة نماذج يستقرئها القاص زيد الشهيد بالعين الخلاقة عبر الاسترداد الانشائي للماضي (ماضي الشخصيات) والشخصيات نسائية ساهمت في فترة من الفترات التاريخية في الظهور على الملأ بالعين المجردة، وأخذت حيزا ًمن إشغال الناس، يذهب زيد الشهيد لماضيهن، للحقبة الزمنية التي كن فيها ملء العين حركة وتأثيراً، ليكشف الغطاء عن ما أبقته العين من ملامحهن ،عين القارئ وعين المؤلف وعيون الجمهور، لأن استعادتهن تتم عبر حلم اللحظة اليانعة التي مازال الصبي زيد الشهيد متعلقاً بأهدابها، ويرفض مغادرتها، لهذا هو يلتقط بعينه المجردة في حياة هؤلاء النسوة ما رفضت عين التاريخ التقاطه، والنسوة هن جميلة بوحيرد الجزائرية التي قارعت الفرنسيين أبان الاحتلال، كانت ممتلئة بالغيظ بينما صورتها المعلقة قبالتي على الجدار ترجمت لي وجه فتاة كانت بواكير بسمتها توحي بغد مشرق وألق بهي لماذا؟! يقول المؤلف مخاطباً طيفها العابر على العين ـ جميلة بوحيرد: أين أنت الآن بعرف النضال ومقارعة المحتل؟ وهذا كل ما أراد القاص زيد الشهيد قوله، ليخلص لمغزى الجحود الذي قوبلت به جميلة بوحيرد في لحظة سرقة الثورة من صناعها الحقيقيين كما يحدث الآن !! والمرأة الثانية هي عراقية شاعرة من مدينة العمارة، كانت ترسم الرفض على لسانها الشعري وهي تخاطب المؤلف، قالت:ـ من أنت أيها الأسمر الغريب ومن لقنك هذا الشعر، وكيف أدركتني؟ قلت لميعة جئت أبحث عنك في رمضاء الأيام وفي فيافي البحر الذي لا ندري هل تسببت أنت به أم نحن الجناة ؟ أنقل إليك شوق محبيك ونداء لياليك التي تركتها عند ضفاف دجلة بوحك يا بنت عباس عمارة الخ الصورة التي تصف علامة الرفض التي تعلقها الشاعرة على قصة زيد الشهيد تعني الكثير لأعوام الشاعرة السبعين كما تعني بالنسبة لشعرها قيامة الرفض المبني على اللاعودة كانت تقول للعراق لالا لا أعود وتقول للشعر لن أعود، والمرأة الثالثة التي يقتطعها القاص زيد الشهيد من جذور القهر والغربة لنراها حاضراً مهشما بملمح الماضي السيدة المذيعة في الحقبة السبعينية من القرن الماضي العراقية التي تطل على الشاشة الصغيرة السمراء قبل ظهور الألوان الطبيعية المرأة ذات الشعر الأسود الفاحم على ما أظن والعينين الواسعتين بوسع العالم على ما أعتقد وهي تتزعم حلم العراقيين في رؤية سينما اشتراكية أو رأسمالية لا يهم تحكي وتتحاكى عن مزاعم السينما والناس المرأة هي اعتقال الطائي التي غادرت شيوعية العراقيين قبل أن تزيح عن كاهلها غبار الوطن يستعيدها القاص زيد الشهيد هكذا من الماضي الذي غادرته هي وغادره العراقيون في برنامج (السينما والناس) على إن اللقاء بعد عقدين ونيف سيكون على المنوال نفسه، أي ستكون اعتقال الطائي فتاة الأمس تستعرض ضيوفها في بودابست وبغداد دون انقطاع زمني، لكن المفاجأة التي صدمت المؤلف القارئ وهو من الجمهور إن اعتقال الطائي كانت تنتظره في مقهى (البلاتو) او في محطة (الكلتي) أو في منتجع (شيوفوك) مع كمية هائلة من الضياع سينتقل إلى شخصيات (معهم أنا) الذي سيليه، كانت السيدة المغتربة العراقية الأصل يصفها القاص تباطأت الخطى وأحسست ان ساقيها لا تسعفانها على السير بوثوق، وقبل أن أفوه بسؤال عما اعتراها اكتشفت إنها كانت تنشج وتكلمت بأشياء مثل تحطم زجاج لم يعد له سبك والشاشة لم تعد لي وغربة الروح لن يقدر نداء الوطن على محوها الخ، وهذا الضياع الذي أدركته اعتقال الطائي مبكراً ظل يطارد شارل بودلير وريلكه واخماتوفا وهم في عهدة القاص الشاعر الفرنسي تقتله باريس بسأمها ليبرز للعالم أزهار شره والشاعر ريلكه يحتضر والممرضة تكون آخر من يقرأ رسائل حبيبته (تزفيتاييفا) وتستسلم الشاعرة (اخماتوفا) لعربدة سكرة الموت البلشفية على تخوم الشعر لكن الغريب إن القاص هو الذي علقهم في لحظة ضعف مجانية وهو يرى بلده يتعرض للظروف نفسها من تقطع السبل بالإبداع وفقدان الأصالة، كما فعل بزكي ومها عبر المسنجر الذي يستخدمه القاص في قراءة العين الساردة بحيث صار الحوار هواء واللقاء ذكرى والمسنجر أخرس في خضم حمى الرسم بالسرد من قبل القاص الذي تحول إلى راء يحفر صورة زكي ومها أو هو وهي قبالة السلك الموصل بينهما، ولعل القاص وهو يتعرف على العالم الافتراضي في الكومبيوتر يخلب لبه سحر المسنجر عبر التواصل الاجتماعي الأكثر حميمية والأدنى اغتراباً يفجر في قصصه قلادة كونية وقلادة من بهاء وقلادة موسيقى، يزحف نحو عالم المعلومة ومنظومات الانترنت والشبكة العنكبوتية الظالمة التي يستطيع أي شخص أن يتخيل فيها شكل عالم السرد وخطاب الحجب التي تهتك عرض الخفايا، ولقد أراد القاص زيد الشهيد في 'سحر المسنجر' أن يشوش على لب التخيل لدى القارئ بوضع لغة العين بدلاً من لغة الكتابة، ونجح في ذلك لدرجة حيث يصف ما هو بصدده إلى ---( ساعة كنت أتأرجح بين تدوين القصة ومشاهدة صورك بالتتابع السهر للقراءة عادة لازمتني منذ أعوام طويلة مع إني استيقظ فجراً لقراءة ما لم أتمكن من قراءته من صحف الأمس في القيلولة أنام طويلاً وخصوصاً في الأصياف حيث جهنم تفتح أبوابها على العراق وتقول للعراقيين اشتعلوا أيها الملاعين الذين تنافسون الله على بطشه، مما يعني إن مشروعه القصصي قد تجاوز عنق الزجاجة في التخيل القائم على مباهاة الواقع. إحالات 1 ـ مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن أـ د حفناوي بعلي منشورات الاختلاف الدار العربية للعلوم ناشرون 2007ط1 ص 270 المصدر نفسه ص 271 المصدر نفسه ص271 |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ عبد الغفار العطوي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|