أصحيح ان الولايات المتحدة الاميركية اكتشفت، اخيرا، هوية العدو الحقيقي للعراق الجديد من بين دول الجوار، ومن بين حلفائها الاستراتيجيين؟ ام انها لازالت مترددة؟.
وهل انها اكتشفت اليوم بان الرياض تنافق عندما تتحدث اليها بشأن العراق الجديد، ام انها لا زالت غير مصدقة؟.
واذا كانت قد اكتشفت الحقيقة اليوم، فقط، فلماذا تأخرت كل هذه المدة من الزمن، قبل ان تكتشف حقيقة النظام القبلي الوراثي الجاهلي الحاكم في الجزيرة العربية، ودوره المدمر والمخرب في العراق؟.
ابسبب الغباء، مثلا، أم الجهل، أم المصالح العليا التي كانت تحول دون الحديث بصراحة وقول الحقيقة بصوت عال، أم ماذا؟.
وهل صحيح ان واشنطن اكتشفت اليوم فقط بان نصف الارهابيين الذين يتسللون الى العراق هم من رعايا آل سعود الحاكمين في الجزيرة العربية؟ وان الرياض تلعب دورا سلبيا في العراق، على حد قول سفير الولايات المتحدة الاميركية السابق في بغداد، زلماي خليل زاد، وهو بالمناسبة ممن لعب دورا استراتيجيا ومحوريا في مد يد الرياض في العراق وبسط نفوذها، وتضخيم دورها هناك؟.
فلماذا،اذن، كل هذا التأخير في عملية الاكتشاف الاميركية (العظيمة والتاريخية)هذه؟.
لقد ظلت الادارة الاميركية تعيش التناقض الصارخ بين ما تقوله وترفعه من شعارات بشأن الملف العراقي، من جهة، وبين الواقع والسياسات المتبعة حيال هذا الملف، من جهة أخرى، فبينما تقول انها تريد مساعدة العراقيين على بناء نظام سياسي ديمقراطي، تقول في ذات الوقت، بانها ستعتمد على حليفها الاستراتيجي، النظام في السعودية، لتحقيق هذه الغاية، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع بان النظام القبلي الجاهلي الحاكم في السعودية لا يؤمن بالديمقراطية قيد انملة، وانه يفر من ادواتها ووسائلها فراره من الموت، فنظام لا زال يمتهن المرأة ويرفض اعطاءها ابسط حقوقها المدنية كحقها في سياقة السيارة مثلا او في الترشيح والانتخاب وما الى ذلك، وان نظاما يتعامل مع الشعب كعبيد عليهم واجب الطاعة لولي نعمتهم (طالع بهذا الصدد نظام ما يسمى بنظام البيعة الذي اقره مجلس الاسرة الحاكمة قبل عدة اشهر) وان نظاما يلغي ربع الشعب (الشيعة) فلا يمنحهم اية فرصة في الحياة الحرة الكريمة، ويحرمهم من تكافؤ الفرص بسبب التمييز الطائفي، ان مثل هذا النظام، كيف يمكن الاعتماد عليه للمساعدة في بناء نظام ديمقراطي في بلد جار كالعراق، وقديما قالت الحكمة{فاقد الشئ لا يعطيه}؟.
لقد ظل السعوديون يضحكون على الادارة الاميركية حتى كادوا ان يفوتوا الفرصة عليها في مساعدة العراقيين على بناء النظام الديمقراطي، لولا ان الادارة انتبهت اليوم الى الدور الخطير الذي يلعبه السعوديون في العراق، والهادف الى تقويض العملية السياسية الجديدة برمتها من خلال ارسال الارهابيين ودعمهم بالمال والفتاوى الطائفية التكفيرية والاعلام الطائفي المضلل.
نعود فنتساءل، لماذا تأخرت الادارة الاميركية في اكتشاف الخطر الحقيقي على العراق الجديد؟.
برأيي، فان هناك عدة اسباب، لعل من ابرزها:
اولا؛ اعتماد الادارة الاميركية على مستشارين غير مؤتمنين، فلقد ظلت الولايات المتحدة الاميركية تصغي، فيما يخص الملف العراقي، الى مستشارين لا يوثق بهم، حاولوا خلال السنوات الاربع الماضية، تضليل الادارة من خلال قلب الحقائق، وتقديم استشارات مضللة، ومعلومات غير دقيقة، اعتمدت عليها الادارة الاميركية، ما دفعها الى اتخاذ قرارات خاطئة، بل ومدمرة في كثير من الاحيان، وليس من الواضح اليوم ما اذا كانت واشنطن قادرة على تصحيح كل تلك الاخطاء التي تراكمت على مدى السنوات الاربعة الماضية، ام لا، خاصة وانه ليس امام الرئيس بوش الكثير من الوقت في البيت الابيض لتصحيحها.
ثانيا؛ العداء التقليدي والمستحكم بين واشنطن وطهران، والذي وظفته الرياض لكسب الادارة الاميركية الى جانب اجنداتها الطائفية الخاصة في العراق، ولبسط نفوذها ودورها التخريبي في العراق الجديد، من خلال ما يلي:
الف؛ تصوير العراق الجديد وكأنه بات لقمة سائغة للايرانيين، وهذا ما قاله مرة وزير خارجية آل سعود في نيويورك خلال محاضرة كان قد القاها في معهد العلاقات العامة، اذ قال بان واشنطن تحركت لاسقاط نظام صدام حسين لترمي بالعراق في حضن ايران.
باء؛ رسم صورة سيئة للاغلبية من الشعب العراقي (واقصد بهم الشيعة) من خلال الطعن بوطنيتهم وانتمائهم وولائهم، والتشكيك في اجنداتهم السياسية، فقد الصق السعوديون وابواقهم كل صفات العمالة والخيانة بشيعة العراق، من اجل تخويف الولايات المتحدة الاميركية وارعاب حلفاءها من اجنداتهم، لدرجة ان الكثير من دول العالم باتت تنظر،في وقت من الاوقات، الى شيعة العراق وكأنهم رعايا ايران في هذا البلد، وانهم ينفذون اجندة ايرانية بحتة، ما يعني ان اي دور سياسي لهم في السلطة الجديدة انما هو ليس اكثر من احكام سلطة الايرانيين في العراق.
ثالثا؛ كما ان البترودولار السعودي لعب، ولا يزال، دورا خبيثا وخطيرا في اقناع الاميركيين بضرورة الاصطفاف الى جانب اجنداتهم في العراق، والتي كان آخرها اقناعهم بضرورة تسليح الجماعات (السنية) للدفاع عن نفسها، الامر الذي عده الكثير من المراقبين، القرار الاخطر والاكثر خطأ من بين كل القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة الاميركية في العراق، منذ سقوط الصنم ولحد الان.
مع كل ذلك، ، فلقد بدأت واشنطن، اخيرا، تفكر بطريقة صحيحة، وصدق رئيس الوزراء البريطاني الاسبق ونستون تشرشل، عندما شخص طريقة تفكير العقلية الاميركية، بقوله قبل اكثر من نصف قرن، وهو يحدد ملامح هذه الطريقة {ان أميركا تظل تفعل الشئ الخطأ، الا انها في النهاية تفعل الشئ الصحيح} واتمنى ان تكون اميركا هذه المرة تفعل الشئ الصحيح.
اتمنى، كذلك، ان يعظ الاميركيون بنواجذهم، هذه المرة، على قناعاتهم الجديدة بشأن الدور السعودي الخطير في العراق، والا فان الزمن ليس لصالحهم، واذا كان هناك بصيص امل لانقاذ ما تبقى من مشروع الديمقراطية في الشرق الاوسط، انطلاقا من العراق الجديد، فان التغافل مرة اخرى او التماهل في الموقف الحازم من النظام في الجزيرة العربية، سوف يأتي على كل شئ، وسيضيع الاميركيون فرصة شعوب المنطقة في بناء انظمة سياسية جديدة قائمة الى الديمقراطية والشراكة الحقيقية ومبدا التداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الانسان والمساواة وتكافؤ الفرص امام كل المواطنين من دون تمييز قبلي او ديني او مذهني او اثني، ليرتقوا ببلدانهم الى مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة، لتشارك المجتمع الدولي جهوده الحثيثة الرامية الى تحقيق السلام والتنمية والتعايش.
ان من السذاجة بمكان تصور شرق اوسط ديمقراطي، مع وجود آل سعود في السلطة، كما ان من الغباء بمكان انتظاراي دور او موقف سعودي ايجابي وداعم لصالح العملية السياسية الجديدة في العراق، او لصالح الديمقراطية الناشئة في هذا البلد.
ان النظام القبلي الحاكم في الجزيرة العربية، والديمقراطية، خطان متوازيان لا يلتقيان ابدا مهما امتد الزمن، ومهما اتسعت الجغرافيا، لان النظام المذكور اعتمد في مبانيه السياسية على فكر نازي تكفيري وتدميري هو الفكر الوهابي الذي يفتخر به الملوك والامراء السعوديون، ولذلك فان (الوهابية) و(آل سعود) وجهان لعملة واحدة هي الاستبداد والتكفير والارهاب والتخلف الحضاري والفكر الشمولي، ولهذا السبب فان على المجتمع الدولي ان يفكر بجدية في ازاحة (آل سعود) عن السلطة في الجزيرة العربية، لتزول معهم (الوهابية) وبالتالي ليزول معهم هذا الخطر المرعب الذي يهدد الانسانية باجمعها.
ان ازاحة آل سعود عن السلطة في الجزيرة العربية، سيقطع دابر الكثير من المنظمات الارهابية التي تعتمد في ديمومتها على البترودولار السعودي، كما سيساعد على اسقاط الكثير من الانظمة الشمولية الديكتاتورية التي تعتاش على اموالهم، فهذا النظام داعم اساسي للعديد من المنظمات الارهابية والانظمة الاستبدادية، فهو كالعمود الفقري لها، فاذا كسر (بضم الكاف وكسر السين) كسرت شوكتهم، ومنعت عنهم اسباب ووسائل الديمومة، كما كان الحال بالنسبة للمعسكر الشرقي الاستبدادي الذي كانت انظمته الشمولية تعتمد في ديمومتها على وجود الاتحاد السوفياتي، ولذلك فعندما ازيل الاخير ازيلت معه جل الانظمة الشمولية اليسارية، فتحررت ارادة الشعوب التي كانت ترزح تحت نيرها، لتقيم على انقاضها انظمة ديمقراطية حضارية نامية.
ان ازاحة آل سعود عن السلطة في الجزيرة العربية، سيعبد الطريق امام شعوب المنطقة والشرق الاوسط، لاسقاط الانظمة الشمولية الحاكمة، ويسهل عليها امر اقامة انظمة سياسية ديمقراطية.
وان من المعقول جدا ان تكون البداية، من خلال مساعدة العراقيين الذين اطلقوا حملة تجريم (الوهابية) باعتبارها نازية العصر، ودعم مجهودهم الرامي الى اصدار قرار دولي من هيئة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي يجرم الوهابية، كفكر تدميري وتكفيري يهدد الانسانية جمعاء، على غرار ما جرى فعله بالنازية والشوفينية منتصف القرن الماضي، فان ذلك يصب في مصلحة البشرية ويحقق الهدف المنشود في ازالة آل سعود عن السلطة في الجزيرة العربية، لان بقاءهم في السلطة رهن بقاء الوهابية، والعكس هو الصحيح، فاذا زال آل سعود عن السلطة، زالت الوهابية، اذ ان شعوب العالم تعرف جيدا، بان الوهابية فشلت في الحصول على اي موطئ قدم لها في اية بقعة من هذا العالم باستثناء الجزيرة العربية، وذلك بسبب الحلف الاستراتيجي الذي عقده آل سعود ومحمد عبد الوهاب مؤسس الوهابية قبل اكثر من قرنين ونصف تقريبا، والذي قام على مبدا الشراكة بين السلطتين الدينية والسياسية اللتين قامتا في الاساس على مبدا القتل والغزو بالاعتماد على مبدا التكفير الذي يحلل دم الاخر ويستبيح ماله وعرضه للغازي، وهذا ما فعله الوهابيون وحلفاءهم آل سعود في كل مناطق الجزيرة العربية حتى استولوا عليها وبسطوا نفوذهم فيها، وتاليا في المناطق التي وصلوا اليها بالغزو، على مدى القرنين والنصف الماضيين.
كما ان على كل الحريصين على الديمقراطية في العراق وفي الوطن العربي والشرق الاوسط، وان على كل الاحرار في العالم، وعلى كل الحريصين على الاسلام والديانات السماوية الاخرى، وعلى كل الحريصين على مستقبل البشرية، ان يقفوا الى جانب العراقيين في حملتهم الرامية الى تجريم الوهابية في المحافل الدولية، فخطرهم اليوم يعم الجميع، وان الاثار التدميرية لهذا الفكر النازي شملت كل شعوب الارض واممها، وليس نيويورك ولندن ومدريد وشرم الشيخ والدار البيضاء واسلام آباد والعراق وافغانستان وغيرها من بقاع الارض المترامية الاطراف، ببعيدة عن اذهاننا.
كفى مجاملة على حساب دم الانسان، وكفى مداراة على حساب مستقبل اجيالنا البريئة، وكفى تقديم المصالح الخاصة الضيقة على حساب مصلحة الانسانية، كل الانسانية، والبشرية، كل البشرية.
ليقف احرار العالم الى جانب العراقيين في حملتهم الانسانية العالمية، ليفهم آل سعود والوهابيون، بان العالم يقف اليوم وقفة رجل واحد ضد فكرهم التدميري الشمولي، فلا مجاملة بعد اليوم، ولا غفلة او تغافل بعد اليوم.
اننا نامل من احرار العالم ان يشاركوا العراقيين في تظاهراتهم واعتصاماتهم التي سيطلقونها منتصف الشهر القادم في نيويورك امام مبنى الامم المتحدة وفي كل دول العالم امام مكاتب الامم المتحدة، وذلك بمناسبة انعقاد القمة العالمية السنوية، لمطالبة المجتمع الدولي وهيئاته الدولية، بتجريم (الوهابية) كفكر نازي شمولي تدميري تكفيري. |