(1)
أستعير هنا عنوان فيلم عربي "كسّر الدنيا" في العام الماضي، كي "أكسر" فيه الأمنيات التي بدأت بالنمو لدي مؤخراً، فأنا شخص متشائم على الأغلب فيما يخص الثقافة، ولهذا لا أجعل لأحلامي متسعا حتى في فترات استراحتي، أحلام اليقظة أطردها، وأحلام المنام أتركها على الوسادة وأقوم باتجاه الواقع.
لا أعلم لِمَ تختفي مفردة "الحلم" من قاموسنا الحياتي، لا يتم ترديدها بكثرة، وربما مفردة مسننة مثل "مصيبة، مشكلة، كارثة، نكسة..." تتردد بشكلٍ أكثر عمقاً، وكثرة.
أنا شخص لا يحلم، ولا أخطط [ بشكل عقلاني] أيضاً، وأدع عجلة الحياة تدور كما هي، أرمي قميصي حيثما لاح لي فراغٌ في الغرفة، وربما أتصلُ بأخي المتواجد بأقصى غرفةٍ في المنزل كي يأتي ويطفئ ضوء الغرفة قبل أن أنام.
الغريب في الأمر، أنني بدأتُ أحلم، وبدأتُ أخاف من أحلامي.
(2)
الحلم هو أن تخلع القناعة، وترميها، وتطمس في ظلام الغرفة، عيناك على سقف غير مرئي، بينما تبدأ الابتسامات البلهاء تنبع من وجهك، وتنسى "التكشيرة" التي ترتديها صباحاً ومساءً، الحلم هو أن تتحول شخصاً يبتسم!.
(3)
حلمتُ – حلم يقظة بالطبع – بأنني أمتلك 5 ملايين دولار، من الأوراق الخضر ذات الرائحة المميزة [ للدولارات رائحة الملابس الشتوية المرزومة في الخزانات]، وضمن تفاصيل حلمي هذا، نظرتُ إلى الرجل الأصلع الذي ينظر بعمق عيني الشخص الذي يحمل الورقة النقدية، وأعني به فرانكلين، الرئيس الأمريكي الذي كان عامل مطبعة، وشاعرا، قبل أن يصير رئيسا للولايات المتحدة.
سأتصوّر أن هذا المبلغ قفز إلى مخيّلتي من أيّ مبلغ تمت سرقته من ميزانية البلاد، وتخرج علينا به الصفحات الأولى للصحف العراقية.
لكن: ماذا يمكن لشخص مثلي أن يعمل بهذا المبلغ؟، أمنياتي يحققها مبلغ زهيد، اذن : عليّ الرجوع إلى ما تبقّى في داخلي من الطفل الذي "يحب الخير يحب الناس" كما يقول التنين غريسو في أفلام الرسوم المتحركة الشهير، وتصورتُ التالي :
دار نشر عملاقة، بمطابع كثيرة، وبقاعات مطالعة كبيرة جدا، تضم كل الكتب التي بحثت عنها في بسطيات المتنبي ولم أجدها فيها، بالاضافة إلى قاعة عرض سينمائي، لا أعرض فيها افلاما، وانما امسيات لبلند الحيدري و الجواهري ومظفر النواب وصولا لأصغر الشعراء المغمورين.
سأجعل جميع الدواوين مكدسة بكثرة، لن أرى أحداً يقول "منذ سنتين وأنا أبحث عن دواوين يوسف الصائغ"، ولن أرى طالب دراسات عليا حائراً بعد بحثه عن دواوين شعراء هم أنفسهم فقدوا مؤلفاتهم، وربما يكبر حلمي، يكبرُ، يكبرُ حتى أتخيّل سلسلة شعرية بعنوان (الشعر العراقي من ألفه إلى يائه)، وتمتد ترقيماته من 1 إلى ما لا نهاية.
بسطيات المتنبي، سأغلقها، نعم؟ هل شتمتموني؟! دعوني أكملُ الفكرة :
سآخذُ القماش الذي كان ينام تحت الكتب، وأضمه إلى المتحف الذي سأحدثكم عنه بعد قليل، وسيكون في قاعة الشرف، وربما حينها ستتصدر المتحف تماثيل ومجسمات لكريم حنش، و ياسر عدنان، وأبو صباح، ومازن لطيف، وغيرهم من الكتبيين، الذين يبيعوني الكتب، و يبحثون لي عن العناوين المفقودة، وبالأقساط!.
أما هم، فسأستثمرُ في شركة أوكرانية للمساج، وبفتيات شقراوات، سأجعلهم يرتاحون من وقفة الجوع التسعينية، مع أرصدة في البنوك، أرصدة لا تنفد، ومن مال حلال، أعرفهم : لا يأكلون الحرام.
ستتصدر القاعة جدارية يرسمها تشكيلي عالمي مهم، لـ"استكان" عملاق، مذهّب الحواشي، مع ملعقة فضيّة، ليكتب عليها "فال حافظ"، ولا أعني حافظ الشيرازي، بل حافظ صاحب عربة الشاي في القيصرية، الذي وهب بلاده 3 من أخوته، وما زال يسقي شعراءها الشاي دون ملل.
(4)
سأسعى لاقامة مهرجان خالٍ من الشعراء، ليس هناك أي شاعر في القاعة، أي بمعنى : يأتي المواطن الاعتيادي مع أسرته، وأطفاله، ليستمعوا إلى قصيدة النثر، كما يُحبّذ [أعجبتني "يُحبَّذ" جداً!] أن تقف عناصر أمنية بباب القاعة، وحظر كلّ قصيدة غير مفهومة ولا طائل منها من الدخول والوصول إلى المنصة.
سأمنعُ الأحاديث الجانبية أثناء السماع، وأجعل الهواتف لدى موظف في بداية القاعة، كما انني سأحرص – أكرر : سأحرص – على عدم تواجد الشاعرات المتقاعدات، والشعراء المتكلّسين، أعني الذين لا يعرفون سكة الشعر أين وصلت، ومازالوا يفتتحون قصائدهم بـ"ليتَ شعري".
وبالطبع، سأحرص على سكن جميع الشعراء بغرف منفصلة، مع وجود حارس شخصيّ بباب كلّ منهم، لمنع المعجبين ربما..!.
(5)
لِم هذا الذل؟!، أعني : لِم أشعر بالانكسار وأنا أبحث عن هذا الكاتب وذاك؟ رواية صدرت بداية الثمانينيات عن دار في لندن لهذا الكاتب، بينما روايته الأخرى صدرت في اليمن أواسط التسعينيات، كيف سأجمعها؟ وهل أنا مضطر ما دام لديّ 5 ملايين دولار؟ اذن : استمعوا لهذا المشروع [ من ضمن الحلم]:
طبع دائرة معارف كبرى لكتابي المفضلين وغير المفضلين، يلملم علي الوردي كتبه من المطابع الإيرانية ويجمعها في هذه الدائرة، تخرج مخطوطات عبود الشالجي وتصطفُ مع موسوعة عذابه، و تحقيقاته، نلمّ مخطوطات زهير أحمد القيسي، وكامل مصطفى الشبيبي، مسوّداتهم، ثيابهم، بقايا أقلامهم و زجاجات الحبر الفارغة، في متحف طويل وعريض، وربما سيتسع حلمي ليشمل أثواب زوجاتهم، وأكياس الصبر التي حملنها كي نستمتع نحن فيما بعد بكتبهم!.
مهدي عيسى الصقر، محمود عبد الوهاب، غائب طعمة فرمان، شمران الياسري، وصولا لعبد الخالق الركابي، وليس انتهاءً بمرتضى كَزار الذي سأعيد طبع رواياته على ورق مميز معطّر، و بماء الذهب[ لأنه وعدني بتصميم صورة فوتوشوبية لي، فلا بد من الفساد الإداري أولا وأخيرا!].
(6)
الأحلام لا تنتهي، أعدكم أنني سأحلم غدا بشيء للمسرحيين، للتشكيليين، للسينمائيين، للصناعات اليدوية، للنحاتين، للمصممين، لأصحاب المطابع، فكل شيء يحتاج إلى أحلام وابتسامات بلهاء وملايين من الدولارات، أعدكم أنني سأفعل كلّ ما يدور برؤوسنا، رؤوسنا التي ثقبها الواقع فسالت منها الأمنيات.
* في الأحلام، افادة من القاص علي السوداني واحدى قصصه القصيرة، أعده بأنني سأطبع أعماله الكاملة، مع هدية مجانية: ماكنة حلاقة لكل القرّاء! |