لا تنافس أي سيارة أُخرى في بغداد شعبية سيارة الأجرة الإيرانية الصنع نوع (Saipa) التي تزدحم شوارع العاصمة بغداد بالآلاف منها يوميا، إذ تتميز عن باقي المركبات بحجمها الصغير وسائقيها المشاغبين المشهورين بمعاكساتهم وسوء قيادتهم. وطراز "سايبا" المنتشر في العراق، ليست سوى مركب صغيرة تتسع لثلاثة أشخاص فضلا عن سائقها، وفي الغالب لا يلتزم صاحبها في العدد المسموح به من الركاب و يقوم ينقل خمسة أشخاص أو أكثر عندما يتم استئجاره من قبل الزبائن. استيراد هذه السيارة الإيرانية المنشأ بدأ عن طريق وزارة التجارة العراقية التي تقوم عِبر الشركة العامة لتجارة السيارات التابعة لها ببيعها الى المواطنين، إذ تتميز برخص ثمنها فضلا عن كونها تواجه انتقادات كثيرة من حيث جودة تصنيعها. دخول السيارة إلى البلاد بدأ منذ عام 2010, ولكنها سرعان ما احتلت شوارع بغداد وعدد من المحافظات لرخص ثمنها قياساً مع باقي الأتواع الأخرى من السيارات، فهي الأرخص في العراق إذ تبيعها الشركة العامة للسيارات بسعر 6300 دولار وترتفع قيمتها لتصل إلى 6800 دولار في المعارض الخاصة لبيع السيارات. البيان الأخير لوزارة التجارة العراقية والصادر نهاية عام 2011 أشار إلى أن الوزارة باعت ثلاثين ألف سيارة "سايبا" في بغداد وحدها، لكنه لم يذكر عدد السيارات من النوع ذاته في باقي مدن العراق. أصحاب معارض السيارات أكدوا لـ"نقاش" ان السيارات الإيرانية وخصوصا "سايبا" اكتسحت سوق السيارات المحلية في العراق على الرغم من قلة كفاءتها مقارنة بالسيارات ذات المناشىء الكورية والألمانية والأمريكية وغيرها. ويقول ثامر الكاظمي صاحب معرض "الأمير" لبيع السيارات في منطقة البياع غرب بغداد إن سبب شعبية السيارة بين المواطنين يعود إلى رخص ثمنها، فضلاً عن قلة تكاليف تصليحها مقارنةً بالسيارات من باقي المناشئ العالمية، كما أن استقطاب مهنة قيادة التاكسي للعاطلين والباحثين عن العمل له دور كبير في ذلك، إذ يفضل هؤلاء السيارات الإقتصادية. يضيف الكاظمي "هي اقتصادية بسبب قلة استهلاكها للوقود ما يجعلها السيارة الأولى لدى المواطن، وخاصة للراغبين في العمل كسائقي اجرة". ارتفاع الطلب على السيارة دفع الشركة العامة لصناعة السيارات إلى إنشاء مصنع خاص في ناحية الإسكندرية (50 كلم جنوب بغداد) حيث يتم إستيراد السيارة على شكل قطع غِيار وإعادة تركيبها داخل الشركة قبل بيعها إلى المواطنين. أما سائقي سيارات التاكسي من نوع "سايبا" فهم في الغالب من الأوساط الشبابية غير المتعلمة والخريجين الجدد من الجامعات الذين ينتظرون فرص التعيين لسنوات ويعملون كسائقي أجرة لحين تمكنهم من الحصول على وظائف. ويطلب هؤلاء اجوراً اقل بكثير من اقرانهم من اصحاب السيارات ذات المناشي العالمية، وهو ما يشجع المواطنين على استخدامها أكثر من باقي السيارات الأخرى، فيما يُفضِلُها الرجال وتَعزِف عنها النساء بسبب الخوف من التعرض للمضايقات من قبل سائقيها المشاكسين لكثرة الأحاديث التي يتناقلها الناس حولهم. عالية صادق طالبة جامعية في كلية العلوم السياسية جامعه بغداد لديها تجربة قاسية مع سائقي إحدى السيارات من هذا النوع فعند عودتها الى المنزل ذات يوم طلب منها سائق سيارة الأجرة رقم هاتفها وحينما رفضت أن تعطيه هددها بالإختطاف. وتقول لـ"نقاش"، "بدأ السائق بالحديث معي وملاطفتي وحينما وجدني أرفض تصرفاته هدد باختطافي وعدم إيصالي إلى منزلي ما لم اعطه رقم هاتفي، فأذعنت له خوفا على نفسي ثم مزّقت السيم كارد (شريحة الهاتف الخلوي) بعد وصولي المنزل وقطعت وعداً على نفسي أن لا اركب سيارة سايبا منذ ذلك الحادث". ويقول علي منصور الذي تخرج قبل شهور من كلية الزراعة في جامعه بغداد لـ "نقاش" إنه لَم يعثر على فرصة عمل ضمن اختصاصه الجامعي فاضطر للعمل كسائق اجرة. ويضيف "رغم معرفتي المسبقة بعيوب السايبا، لكن الظروف المادية أجبرتني على شراءها، فهي زهيدة الثمن، قد أمنت لي فرصة عمل تنقذني من البطالة". ويتناقل البغداديون يومياً الأحاديث بينهم حول الحوادث المرورية التي تصادفهم وضحيتها سيارة "سايبا" التي تفتقر إلى المتانة، كما يتناقلون مقاطع الفيديو المصورة لتلك الحوادث تم نشر بعضها على مواقع التوصل الاجتماعي على شبكة الانترنت. أبو مازن يتحدث بانفعال عن سيارته بالقول "هي لا تمنحني اي نوع من الطمأنينة على نفسي، أو على من يركب معي، فبعد شهور من قيادتها اكتشفت انها تفتقر إلى أبسط شروط المتانة فهي لا تقوى على حمل أي شيئ ثقيل مثل باقي السيارات، وقد تنفصل الى جزأين في أي حادث تصادم قوي, وهذا الأمر يخيفني". ويضيف "مجرد التفكير في شراء سيارة أخرى يتطلب مني توفير ثلاثة أضعاف ثمن سيارتي وهو ما أعجز عن القيام به". مديرية المرور العامة سجلت هي الأخرى عيوباً كثيرة على متانة السيارة المذكورة لكن التقارير الشهرية الدورية التي أصدرتها حول الموضوع لم تلق آذانا صاغية من المسؤولين في وزارة التجارة التي لا زالت تستورد أعداداً كبيرة منها. نقيب المرور زاهر المعموري الذي يعمل في مديرية مرور الكرخ في بغداد أكد لـ"نقاش" أن "سايبا" باتت تحتل مركز الصدارة في حوادث المرور في بغداد. ويقول إن السيارة المذكورة لا تتمتع بمواصفات المَتانة الضرورية للقيادة في الشوارع إضافة الى أن غالبية سائقيها من الشباب المراهقين الذين يقودونها بشكل سيئ بمعزل عن القوانين السائدة للقيادة". سيارة الـ "سايبا" اصبحت مضرب أمثال ومادة للتندر وإطلاق النكات بين السواق البغداديين أما اصحابها الذين يعتزون كثيرا بسياراتهم فوصل إعجابهم بها إلى درجة كتابة بعض العبارات الطريفة مثل "احذر مركبة طويلة" رغم أن حجمها ًأصغر بكثير من باقي سيارات الأُجرة. عن (نقاش) |