(1) قد يبدو الموضوع، من عنوانه أو مع البدء بقراءته، غريباً وربما يرسم ابتسامة على ثغر البعض، أو يثير السخرية أو حتى الاستهجان عند البعض الآخر، وقد يظن بعض آخر أنه طُرفة أو مزحة. ولكني أصرّح، ومن البداية، بأني جاد في ما أذهب إليه، مع أنه سيمثل، في كل الأحوال، وجهة نظر تتقبل الاتفاق والاختلاف، ولنكن متقبلين للرأي والرأي الآخر، ولنتأمل هذا الرأي الآخر حتى وإن بدا للبعض أو في زمن بعينه غريباً أو غير مألوف أو غير مستساغ. معروف، في بلدان العالم الديمقراطي، الذي صرنا، كما لم نكن من قبل ولا عجب في هذا، شديدي الإعجاب به، أن الحاكم والحكومة لا يأتيان إلا بانتخابات وباختيار الشعب لهما مباشرة. وعادة ما يكون ذلك بعد فشل حاكم أو حكومة سابقة، أو استهلاك سياساتها أو حتى نجاحاتها، بل أنه لا يجوز للرئيس أو رئيس الوزراء، وربما لمن دون ذلك منصباً، حتى حين يكونون ناجحين أحياناً، أن يحكموا أكثر من دورتين أو ثلاث. أي أن تبادل السلطة ديمقراطياً وسلمياً، وبكل مستوياتها تقريباً وفي معظم بلدان العالم اليوم، هو المهيمن الأول على الحكم والحكومة وربما الإدارات العليا المختلفة. فاستبدال الفاشل بمن ممكن أن ينجح ضروري، وتجريب الناجح بمن قد يكون أنجح ضروري، وتجديد الدماء ضروري، وفي كل الأحوال أن إعطاء فرصة للآخر ضروري جداً. وفي هذا كانت، للشعوب المتحضرة والديمقراطية، ثماني سنوات أو عشر أو اثنتا عشرة كافية للتجربة في سبيل إثبات النجاح، أو حتى للنجاح حين يتحقق فعلياً. وفي ذلك كله حكمةٌ ورجاحةُ عقلٍ وفكرٍ لا غبار عليه ولا أظنها غائمة أو غير مقنعة إلا لعُبَّاد الحكم والسلطة والمتشبثين حد الالتصاق بكراسي الحكم والمنصب في العالم الثالث ومنه عالمنا العربي. (2) انتقالاً إلى موضوعنا، وفي ضوء هذا المنطق العقلاني، ألا يحق لنا أن نقول إن عقوداً من السنين من حكم فئة معينة كافية؟ بالتأكيد، فكيف بحكم آلاف السنين؟ نعم هي آلاف السنين من حكم الرجل، وفوق هذا كله هو حكم ما أثبت نحاجه إلا نادراً. فعدا ذلك ما شهد التاريخ، في ظل حكم الرجل، كمّاً من النجاح في تمثُّل السلام والعدل والإنصاف، إلا بما يعادل نسبة قد لا تتعدى الواحد بالمئة مما شهده من فشل تمثَّلَ في الحروب والصراعات والقمع والعنف والتعذيب والطغيان والظلم. باختصار وبصراحة، اثبت الرجل فشله في الحكم بامتياز. إذن ألا يحق القول إننا بحاجة إلى النظر في إمكانية استبدال حزب الرجل في الحكم، وقد فشل فشلاً ذريعاً؟ نعتقد أن في ذلك الكثير الحقَّ أو على الأقل العذر، وسهلٌ عليه استحضار تاريخ هذا (الحزب). بل حتى إن كنّا متعاطفين مع الرجل فإننا سنقول إنه قد مرّ بفترات فشل ليست قليلة، وعليه فمن المنطقي أن يأتي البديل، وهل البديل للرجل إلا المرأة؟ وحتى إنْ افترضنا أن الرجل قد نجح بشكل معقول في الحكم، أليس من المنطقي أن نجرب الآخر الذي قد يكون أكثر نجاحاً منه؟ وإذا ما تكرر القول على ألسنة الشعوب بأن عشر سنوات وخمس عشرة سنة وعشرين سنة ودورة حكم أو دورتين من حكم التيار أو الحزب أو الحاكم الفلاني يكفي، ألا يكون منطقياً أن نقول إن آلاف السنين من حكم الرجل تكفي؟ ولنتبنى، بضعَ عشرات من السنين، بديلاً عما تبنته البشرية، بحكم سيطرة نصفها عليها، آلاف السنين من رأي قائم على أساس أن الرجل متفوق على المرأة. هنا أتذكر أن بعض متنوّري الستينيات والسبعينيات، وحين بدأتْ المرأة في مجتمعنا تفرض نفسها، كان يتبنى رأياً قد يحمل ظاهرياً شيئاً من التناقض، وما هو كذلك حقيقةً، ويتلخص في أن نسبة المتفوقين من عموم الرجال هو أكثر من نسبة المتفوقات من عموم النساء، وتبعاً لذلك كان صعباً غالباً أن تتفوق المرأة على الرجل بشكل عام، وما يخرج عن ذلك يقترب من الاستثناء. ولكنّ هذا لم يكن لبجعل هؤلاء المتنورين يقولون بالتمييز بين الجنسين وبمصادرة حرية المرأة ورغبتها لإثبات العكس. بمعنى أنْ تتبنى هكذا رأياً يقول بتفوق ما وبدرجة أو بأخرى للرجل على المرأة يجب أن لا يعطينا الحق في أن نترجم هذا الرأي بمصادرةٍ وبتطبيقٍ قمعي للتفرقة والتمييز الاجتماعيين، لأنه كان من الصعب أن يُثبت بشكل قاطع وحاسم أنّ هذا الذي يرواه هؤلاء هو صحيح بشكل لا يطاله الشك. وعليه يجب القبول بالمساواة بل فرضها على المجتع ليتاح للمرأة أن تكون كما تريد هي، أو تخفق فتبقى كما (يريد) أو يعتقد البعض في صورتها النمطية التي صارت مسلّمة. أما الادعاء، وبعيداً عن السياسة والحكم، بأن التاريخ الطويل قد افرز دوماً تفوقاً للرجل على المرأة، مما تقر به النظرة الإحصائية التي ما خرج عن حصيلتها مرة أخرى إلا الاستثناء، فإن رده أبسط من أن يصمد أمام الجدل، وهو تحديداً ما تبنته وتتبناه غالبية الحركات النسوية والفكر الأنثوي في العالم. وهو أن إخفاق المرأة وانحسار دورها مقارنةً بالرجل وظهورها غالباً، وفي عموم حقول المعرفة والممارسة، دون الرجل إنما هو حصيلة التراكمات التاريخية لتأثيرات ونتائج النظرة النمطية والتفرقة والتمييز والتربية الباترياريكية/الأبوية التي امتدت آلاف السنين. وحتى تطبيق الرأي السابق القائل بإعطاء المرأة الفرصة، وهو ما يُطبّق فعلاً في بلدان العالم المتقدم ولم يعطَ بعد نتائج إيجابية كبيرة تجعل من المرأة نداً للرجل تماماً، لا يثبت الادعاء الباترياركي. لأنه ليس من المنطقي أن ننتظر نتائجَ من خلال تبنّي رؤى جديدة وتطبيقها بضعةَ عقود من السنين وهي تأتي بعد آلاف السنين من الهيمنة الباترياركية على العالم والعمل والعلم والدراسة والبيت والتربية والثقافة. بعبارة أخرى أن تجاوز تراكم آلاف السنين لا يتم بالتأكيد في سنة أو عشر سنوات أو جيل مثلاً، بل إلى أكثر من هذا بكثير. وهو حال يشبه حال الهنود الحمر في أمريكا والسود في أمريكا وغيرها الذين، بعد ما تعرضوا إلى القمع والتفرقة والتمييز مئات أو آلاف السنين، نالوا الحرية وتخلصوا من التمييز والقمع. ولكن ما كان لهم بعد سنين القمع والتمييز الطويلة جداً تلك أن يلحقوا بالآخرين خلال سنوات قليلة أو جيل أو جيلين مثلاً، لأن التراكم التاريخي من ذلك قد فعل فعله في شخصياتهم وربما في أجناسهم وأعراقهم، أو على الأقل في الظروف التي أخذوا يتحركون فيها والتي وجدوها حين نالوا الحرية أضيق وأصعب من أن تمكنهم من المنافسة وإثبات الذات أمام من هيأت تلك الظروف كل شيء للآخرين. وفوق كل ذلك، نتجرأ فتساءل: هل أُعطيت المرأة، والهنود الحمر، والسود، وغيرهم من المهمشين، فعلاً فرصاً كافية ومساواة كافية ولو مدة جيل واحد؟ نشك في ذلك. بل، تعلقاً بموضوعنا، إن المرأة لم تُعط بالتأكيد الفرصة الكافية لتثبت شيئاً قد تدعيه، بينما أخذ الرجل أكثر مما يجب من فرص. وحتى إذا ما ادّعى البعض بأنها أُعطيت فعلاً.. فنقول ربما وفي مجتمع بعينه ومدةً محدودة، ولكن الحكم عليها في ضوء هذا غير منصف، لأن فرصتها وحريتها وتقديم تجربتها في ضوء هذه الحرية والفرصة تأتي وهي إفراز تراكمات آلاف من سنينِ الغبن والتغييب والقهر والقمع والتفرقة، وعليه فلا يمكن بعد آلاف السنين من هذا كله أن تكون فرصتها هذه كافية. بل لا بد من تجاوز إفرازات التراكم أولاً، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا بمرور جيل أو جيلين مثلاً، كما هو ينطبق على حرية السود التي نالوها بعد مئات من سنين التفرقة والاضطهاد، والهنود الحمر في حريتهم ومساواتهم التي حصلوا عليها بعد ما مورس عليهم القهر ومحاولات الإبادة مئات السنين. وكل هذا على افتراض أن الفرصة والحرية والمساولاة قد هُيئت بحق وإخلاص وبشكل كامل، وليس بتكلف وبمنة، كما كثيراً ما يتمثلان في الرجل الشرقي (المنفتح). وتعلقاً بميدان موضوعنا، الحكم والسياسة، ربما حكمت المرأة أحياناً، وهذا صحيح، ولكنه جاء غالباً، إن لم يكن دائماً، في ظل أجواء الحكم الرجالي/الباترياركي الذي لم تكن فيه المرأة- مع هذه الحالات أو التجارب المحدودة- إلا فرداً وسط مؤسساتٍ ونُظمٍ وسيطرات رجالية شبه مطلقة أو مطلقة، كما هو حال حكم بعض ملكات بريطانيا أو إنكلترا، واحتلال نساء مناصب وزارية في بلدان غربية وشرقية عديدة، ووصول شكلي لنساء إلى مناصب عليا، وزارية وغير وزارية، في بعض بلداننا، العراق ومصر وعُمان وسورية مثلاً. ومع هذا نعتقد أن المرأة حتى في هذه الحالات كثيراً ما حققت النجاح الذي لم يحققه الرجل في بلدانها كما هو حال الملكة فيكتوريا صاحبة أنصع مرحلة تاريخية لإنكلترا وبريطانيا، وأنديرا غاندي أحد أهم ثلاثة حكام حكموا الهند الحديثة إلى جانب غاندي ونهرو، وغولدا مائير التي ثبّتت قوة إسرائيل وإن عدواناً، ومارغريت تاتشر التي أعادت تثبيت بريطانيا في (نادي الكبار) بعد أن كان بلدهها قد أخذ يتراجع بسرعة من الحرب العالمية الثانية وحتى ما قبل وصولها إلى الحكم عام 1979 ، وقبلهم بآلاف السنين كانت بلقيس، وسمير أميس، وكليوباطرا. (3) والآن حين نريد أن نجامل الرجل ونحمّل المجتمع والتاريخ والبايولوجيا ما عليه واقعُ المرأة والرجل، فإننا سنعترف ونقول بما قاله التاريخ في المرأة، أو بما قاله فيها البعض في ضوء البايولوجيا والتاريخ، وتحديداً: إن التاريخ قد أساء للمرأة. فهي عند البعض نجسة عند الحيض، وآخرون رأوها بوابة الشيطان، وآخرون رأوها، متى ما امتلكت ملَكَةً لا يمتلكوها، ساحرة وربما حرقوها حيةً. أما أفلاطون فكان يقول إنها ذكرٌ ناقص، بينما برجنيف رأى ساخراً- من الاتحاد السوفيتي أيام كان جنّةَ المرأة: إن مارغريت تاتشر هي الرجل الوحيد في بريطانيا. أما في الشرق الحديث فليس بخاف على أحد ولا بمبالَغٍ فيه أن المرأة كانت إلى عهد قريب، ولا زالت في معظم مجتمعاته، أقرب إلى الجارية التابعة أو المملوكة للرجل منها إلى كيان مواز له. وإذا كان غير مسموح في بلدان شرقية عدة بشكل مباشر أو غير مباشر للمرأة أن تكشف عن أي جزء من جسدها، بارتدائها رداءً مشوهاً يسلب منها كل كينونتها المادية، بل هويتها، فإنها ممنوعة في بعض تلك البلدان مما هو أهم من ذلك أو دونه، كالترشح للانتخابات بل الانتخاب، والتعليم، والتسوق، وإبداء الراي بل حتى قيادة السيارات. وعليه كيف لنا أن نتوقع أن تثبت المرأة مقدراتها ومواهبها وعقليتها والأهم مساواتها للرجل؟ وكيف لنا أن نتوقع منها أن تفعل مثل هذا حتى وإن رُفعت عنها كل التقييدات وكل القمع اللا إنساني بضع سنوات، بعد أن يكون هذا كله قد مارس فعله وتأثيراته فيها عبر العصور والأجيال؟ أعتقد أن أوضح معالم ترسيخ هذه النظرة القاصرة للمرأة وتثبيت ما يُمارس عليها عبر عصور وحقب طويلة من التاريخ هو ذلك الذي يتمثل، حين تُتاح للمرأة المساواة السياسية وتُمنح حق الانتخاب والترشح، في عزوف المرأة ذاتها عن ترشيح نفسها، والأكثر مأساةً عزوف المرأة عن انتخاب المرأة، بل أحياناً معاداتها لها، وعدم وصول مرشَّحات لبرلمانات بعض البلدان دليل واضح على هذا. وذلك بالطبع بسبب عدم ثقة المرأة بنفسها أو بغيرها من أبناء جنسها الذي رسخه التاريخ الطويل من القمع والتفرقة والتمييز. نقول هذا كله على افتراض (تكرُّم) الرجل على المرأة بالسماح به لها، ولكنه قطعاً، إن سمح الرجل الشرقي فإنه لن يسمح إلا بالقليل القليل منه. وإلا فالرجل الشرقي هو السيد المطاع والمتبوع والذكي والأقدر والأرجح عقلاً وبالطبع الصالح وحدة للحكم. وفي ذلك كله إنما هو في الحقيقة حامل كمّ من العقد تعلقاً بالمرأة والعلاقة بالمرأة والجنس. وعليه كيف لنا أن نتوقع منه قبول امرأة تحكم؟ فأنت ترى رعب الرجل الشرقي من تعلم المرأة، وعقلها، وتميزها، وتفوقها، وحريتها، بل حتى من أن تكون أفضل ولو في سياقة السيارة أو في سرعتها، وفي أن يكون رأيها، في أي شيء، هو الصحيح، ورأيه هو الخطأ. وهكذا كيف لنا أن ننتظر من الرجل عندنا أن يتقبل، أو على الأقل يتأمل ويناقش كل هذا الذي عرضناه، ونحن نراه يُجن حين تتفوق عليه امرأة، ويكابر حين يكون لاخته أو زميلته رأي تثبُت صحتُه إزاء رأيه، ويفقد توازنه حين يكون لزوجته تطلّع ليس له، بل يصاب بالهلع حين تتجاوزه، وهو يقود سيارة مثلاً، امرأة بسيارتها؟ (4) قد يتساءل البعض بالقول: ولماذا (الانحياز) للمرأة؟ وهل هي أفضل في السياسة ولقيادة بلد؟ ومع أننا لا ننحاز للمرأة هنا بقدر ما نريد إلغاء الانحياز للرجل، فإن هذا سؤال يقودنا قبل الإجابة عليه ، إلى النصف الأول من طروحتنا المتمثل في أن آلاف السنين من فشل الرجل في الحكم تكفي، ثم إلى المقارنة ما بين الرجل والمرأة، الذي هو النصف الثاني من طروحة مقالنا، وهي المقارنة التي تكشف برأينا عن (احتمال) أن تكون المرأة أصلح فعلاً للسياسة والحكم، والتي نجملها بالآتي: 1- المرأة عندنا وبنظر (المنصف) الباترياركي قبل اللاباترياريك/الأنثوي هي: الحب، والجمال، والنظافة، والسلام، ونبذ العنف، والعائلة. ومن زاوية النظر المنصفة نفسها فالرجل هو: الديكتاتورية، والفردية، والحرب، والعنف، والاستئثار، والعناد، والجشع، والتصفيات، والجنس، والقتل. 2- قد نذهب جزئياً مع مذهب الرجولة في عدم تساوي الرجل والمرأة، وهو ما تقول به حتى بعض الأنثويات، وتحديداً في أن الكثير من المجالات هي مما لا تلائم المرأة، كما أن هناك ما لا يلائم الرجل. ولكن لا بد أن يكون هناك أيضاً ما يتساوى أمره عند الاثنين، فلماذا لا يكون الحكم منه؟ برأينا أن هيمنة الرجل على المرأة كان نتيجة الشيء الوحيد الذي لا جدال في تفوق الرجل فيه على المرأة خصوصاً قديماً أيام طفولة الشعوب وما قبل العلم والتطور، وكثيراً ما كان المعيار الأهم، نعني به القوة العضلية. لكن هذا الشيء سقط اليوم معياراً للحكم ما بين أي فرد وفرد، نعني ما بين رجل ورجل، وبين امرأة وامرأة، وبين رجل وامرأة، إلا في حالات محدودة. وعليه نعتقد أن لمن العيب أن يعتمد عاقل العصر الحديث هذا المعيار، بل أن اعتماده له بظننا يكون منقصة له. 3- حتى حين نخالف بعض اتجاهات الحركات النسوية في تفسير بعض خصائص أو صفات المرأة على أنها من إفرازات التمييز وتراكم التعامل الباترياركي عبر التاريخ، ونذهب مع الباترياركيين في القول بأنها من نتائج البايولوجيا وربما النفسية النسائية، فإن الكثير من ذلك قد يُحسب للمرأة تعلقاً بالقدرة على الحكم. في هذا يقول توماس بيرلس الاختصاصي في الشيخوخة في جامعة بوسطن الأميركية: "هذه الخصائص المتواجدة عند المرأة تساعدها على تربية عدد كبير من الأطفال، كما تمنحها قدرة الصمود امام المتغيّرات البيئية والاستقرار على صحة عالية لفترات طويلة" الأمر الذي قد يفيد في الحكم. 4- ربما تعلقاً بهذا يأتي ما تُوصف- ولا نقول تُتهم- به المرأة وهو التردد في الحسم وتبديل الرأي قبل اتخاذ القرارات بشكل نهائي، وقبل التفضيل ما بين شيئين أو أشياء، وقبل اختيار هذا الرجل أو ذلك صديقاً أو زوجاً أو رفيقَ عملٍ أو ما أشبه ذلك، إضافة إلى ما يُقال عن عاطفيتها وترددها ...الخ. إذ ما أحوجنا اليوم التردد مع ترددها ألف مرة قبل أن تقدم على الاستئثار والقتل والغزو وقمع الآخر. بتعبير آخر نتساءل: ولم لا يكون هذا (التردد) هو تروّياً ليكون خاصية لا عيباً، خصوصاً حين يكون في اتخاذ القرارات الحاسمة في الحكم؟ فأليس التأني وعدم التسرع في الحسم خيراً من التهور والتسرع والاندفاع الأهوج في اتخاذ القرارات، كما يفعل الرجل في ظل الأنّية والفردية والكبرياء والثقة غير المتوازنة بالنفس والعجرفة والانفعال ورد الفعل السريع وغير العقلاني، مما قاد الكثير منه الى الكوارث البشرية. 5- وتعلقاً بذلك يرى علماء أن المرأة، التي تعرف بالجنس الدمقسي واللطيف والضعيف، تمتلك قوى خفيّة يوفرها لها هورمون الإستروجين (الهورمون الانثوي)Estrogen المسؤول عن كافة المواصفات الأنثوية في جسد المرأة. وهو يساعد على رفع نسب بعض المواد الخاصة التي تساعد على توسيع الشرايين، فيقلل بالتالي من خطر حدوث جلطات دموية فتّاكة. وهذا ما يختلف عنه الرجل إذ هو يحد من ارتفاع مستويات الكوليسترول (المادة الدهنية الشمعية) التي يرتبط ارتفاعها بأمراض القلب والشرايين، بما فيها الذبحات الصدرية والأزمات القلبية والجلطات الدماغية التي، لهذا، تكون أقل حدة في المرأة بخمس مرات عنها عند الرجل. والمعروف أن مستوى الأستروجين يرتفع خلال فترة الطمث فتساهم في جعل الشرايين عند النساء تعمل أكثر بنسبة عشرين في المئة، كما تتضاعف مستوياته أثناء الحمل بمقدار أربعين ضعفاً وهذا مما يساعد المرأة الحبلى على الولادة. وهكذا فتواجد هورمون الأوستروجين جعل مناعة المرأة أكثر فاعليةً منها مما في الرجل. ومع أنه يُستثنى من ذلك بالطبع المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها المرأة خلال فترة الحمل، فإن الجنس (الضعيف اللطيف المعشر الخفيف الظل) أقوى بيولوجياً من الجنس (الخشن المولع بالقوة والغرور) وهو اختلاف جذري يصب لصالحها تماماً. 6- في مقابل هذا، ليس غريباً أن يرى بعض دارسي التاريخ وعلم النفس وعلم النفس التأريخي أن الرغبة الجنسية هي حقيقةً سبب أساسي للحروب، حتى حين يكون الدافع المعلن هو غير ذلك، كأن يكون دينيا، أو حضارياً، أو استعمارياً، أو اقتصادياً، أو رداً على اعتداء، أو طلباً للحرية. وهنا، ورداً على من قد يقول، إذن، فالمرأة هي السبب، نقول إن الرغبة الجنسية هنا هي رغبة الرجل في المرأة أكثر بمرات عديدة جداً منها رغبة المرأة فيه. قال باحثون بريطانيون: إن الرغبة الجنسية لدى الرجال هي السبب الأساسي في الحروب وأعمال العنف في العالم. فقد أظهرت دراسة أجروها أن عملية التطور البشري جعلت الرجال عدوانيين بطبيعتهم تجاه الآخرين، وأن السبب الجوهري لمختلف أعمال العنف، داخل القبيلة مثلاً، ظهرت من خلال عملية الانتقاء الطبيعي عبر التنافس على الإناث للتناسل. وأضافوا أن هذه الصراعات باتت تظهر على مستوى أوسع لتشمل أمماً ومشاكل بين عصابات وجماعات دينية أو حتى خلال المباريات الرياضية، فيما تطورت النساء ليتمكن من حلّ الصراعات سلمياً لأن عملية الانتقال الطبيعي جعلتهم يسعين لتكوين صداقات، ووراء ذلك غريزتهن لحماية صغارهن. 7- وهكذا، إذا ما ربطت دراسات علمية بين الحروب والرغبة الجنسية للرجل، وإذا ما كانت الحروب هي واحد من أهم أوجه فشل الإنسان في الحكم بل في أن يكون إنساناً فعلاً، فإن الرجل، إذن، هو الحاكم المسؤول عن أكبر مآسي الإنسانية نعني مآسي الحروب. ثم أليس من النادر تاريخياً قتل امرأة لامرأة أو لرجل، بينما ما أسهل أن يقتل الرجل المرأة أو رجلاً؟ (5) وبعد، فأياً كان الموقف من هذا الذي عرضته بعد الفقرة الأولى من مقالي، وأنى كان الموقف السلبي أو الرافض لكل طروحاتي شدةً أو ليونةً أو مرونةً، لاسيما في فقرة المقارنة ما بين صلاحية الرجل والمرأة للحكم وما يبدو انحيازاً للمرأة، أقول إن ما طرحته ينطلق من الرأي ووجهات النظر القائمة على النظرية والرأي النظري لا على العملية والتطبيق، وهو ما ألتقي فيه مع مَن اختلفت معهم. ولأكن علمياً وموضوعياً، وبعد نقاشي هذا كله و(انحيازي) غير المخاتل وغير الخجول للمرأة، أعود فأقرّ بأني لا أستطيع أن أجزم بأن المرأة، حين تُتاح لها الفرصة ويتهيأ لها الظرف ويزول عنها القمع والتمييز، ستكون أنجح من الرجل في الحكم. هو رأي أتبناه ولكني قطعاً لا أجزم به ولا أُنكر على الآخرين ما يخالف ذلك. ولكن أليس منطقياً أن أدعو، وبعد السلسلة الطويلةِ طولَ التاريخ من فشل الرجل وإغراق الإنسانية بدماء الحروب والقعم والظلم واللامساواة والفوضى، إلى إعطاء المرأة فرصة؟ وألا تستحق المرأة، إزاء آلاف التجارب الرجولية، أن تجرب؟ وهنا أتمثل المرونة التامة في رأيي، فأتجاوز قائمة المقارنة السابقة ما بين الرجل والمرأة، لأعود إلى الفقرة الأولى فأتساءل من جديد وأقول: حسناً، أليس من الإنصاف، وبعد آلاف السنين من حكم الرجل شبه المطلق للعالم والمقرون بتجارب فشل لا حدود لها ولا نهاية، أن يُتاح للمرأة بضع عشرات من السنين لنرى إن كانت أفضل منه أم لا؟ بعبارة أخرى ألا تكفي آلاف السنين من حكم الرجل؟
* أستاذ النقد والأدب المقارن والحديث كلية الآداب – جامعة بغداد |