... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
عالم آخر: الجنرال العراقي: ما لم يفهمه عبد الكريم قاسم

تاريخ النشر       11/12/2011 06:00 AM


هناك لعبة لم يفهمها عبد الكريم قاسم، وفهمها زملاء قاسم عطا وحلفاء قاسم سليماني. اصبح جنرالنا نهاية 2011 بلا جيش، وبلا غطاء دكتاتور كصدام حسين، وبلا حماية ديمقراطي كباراك اوباما، ومع ذلك هو يتدبر أمره!

لا يوجد جيش لدى جنرالاتنا، ولا توجد اميركا ديمقراطية تساعده بعد اليوم، ولا صدام حسين يقدم له "حضن الدكتاتورية ووصايتها الدافئة". ففي نظام تعددي عليك ان تعتمد على نفسك الى حد كبير حين يهرع اليك الجميع طالبا بقسوة، حماية آلاف حقول النفط وآلاف الاحزاب وآلاف مواكب التعزية. وانت لا تمتلك جيشا سوى "امبراطورية لنقاط التفتيش"!

ضباطنا فهموا القصر الجمهوري جيدا طيلة 4 عقود، ثم تفاجأوا بغموض المجموعات الثورية السابقة العائدة من منافي طهران ودمشق.. والمهتمة جدا بالصفقات المالية الكبيرة والزيارة الشعبانية وغير المبالية ابدا بتناقص مياه دجلة والفرات او ملوحة شط العرب!

ما هي خيارات الجنرال العراقي لرسم اولوياته خلال السنوات العشرة المقبلة، بعد ان ظل طيلة الاعوام العشرة السابقة، يحاول فهم عراك الاحزاب وتراخي الاميركان، وغرابة تنظيم القاعدة وصناديق الانتخابات التي تحميها امبراطورية نقاط التفتيش؟

بعض الجنرالات اخطأوا التقدير. شعروا ان زمن الاذلال ولى وان الديمقراطية تعني ان تجاهر برأيك العسكري وينصت لك الساسة باحترام. هؤلاء جرت تنحيتهم او باتوا يفكرون بالتنحي والتقاعد، لكن آخرين حصلوا على وصفة توضح لجنرال العصر كيف يمكن ان يبني نفوذا داخل المؤسسة السياسية دون اللجوء الى انقلاب. ان يتقاسم الكعكة مع السياسي ويملي شروطه بدون ابداء ثقة كبيرة بالنفس. ان يتلاعب بالسياسي لا بالتمسك بحق ابداء الرأي الفني وثرثرات التكنوقراط، بل عن طريق "اخافة السياسي وتضليله بكمية من التقارير الاستخبارية الزاخرة بالمبالغات".

الانقلاب مستحيل. لا يوجد جيش يمتطي الجنرال صهوته وينقلب، وهو مجرد رئيس امبراطورية نقاط التفتيش بلا اي طائرة حربية. ايضا لا توجد دولة بالمعنى المتعارف كي تنقلب عليها! الدولة توليفة اقليم كردي على مركز نفوذ نجفي على كتل كبيرة وصغيرة. مدن لديها بترودولار، على اخرى فيها نفوذ لهذه القوة العظمى او هذا البلد الجار. على من تنقلب اذن في دولة تتضاءل داخلها قيمة القصر الجمهوري الى اقصى الحدود؟

السياسي ادرك جزءا من "شهوة جنرالاته" فسمح لهم ببناء مجد مالي ومنحهم ثقة كافية لسحق كل شيء يقف امامهم. وصار يستسلم لشروطهم وحتى لمعلوماتهم المضللة اذ انه لا يملك حتى معلومة بديلة يمكن ان يشغل بها اوقات فراغه الامني الطويل. السياسي ينام بين يدي الجنرال كما ينام المريض بالسرطان بين يدي طبيبه. مريض يائس من الشفاء يكره خصومه الساسة ويحب الطبيب المحتمل (الجنرال).

الجنرال يضع شروطه. لقد وافق على ان تخرج اميركا لكنه اشترط ان يحصل ذلك بلا وجود لوزير دفاع او داخلية "يجري اختياره من بين الساسة الذين يملأؤون السراي". جنرالنا لا يحب الخضوع لاكثر من سياسي واحد هو القائد العام. لاحظوا ان كل الجنرالات معينون بالوكالة، اذ لم يريدوا ان يكونوا مساءلين امام البرلمان، وكان على المالكي ان يطيعهم وينفذ تلك الرغبة فعينهم "وكالة" لا اصالة، دون مصادقة برلمانية. اراد الجنرال واراد ونفذ السياسي ونفذ.

لقد تعلم الضابط العراقي في الاعوام العشرة الماضية ان يملي شروطه على سراي الحكومة، ويتلاعب بالسياسي، لا بالتمسك بحق ابداء الرأي الفني وثرثرات التكنوقراط، بل عن طريق "اخافة السياسي وترويعه وتضليله بكمية كبيرة من التقارير الاستخبارية الزاخرة بالمبالغات". وحاولوا هنا ان تفسروا كيف جرى اعتقال 800 بعثي في "آخر مؤامرة" ثم نسي الجميع كل شيء. كيف جرى تخريب العلاقة مع سوريا بعد سلسلة "اربعاءات واثنينات دامية" في 2009 ثم جرى نسيان كل شيء. وبعد آخر حادثة، لا احد يعلم هل سيارة النجيفي ارادت قتل المالكي، ام سيارة المالكي ارادت تفخيخ النجيفي؟ انها معلومات الجنرال التي تدوخ سراي الحكومة. توقظه من النوم ثم تعيد تنويمه كما تشاء.

ولعل النافذين في مكتب القائد العام اليوم اكثر نفوذا من الزعيم عبد الكريم قاسم نفسه. النصيحة التي لم يفهمها عبد الكريم (وفهمها زملاء قاسم عطا او حلفاء قاسم سليماني) تقول "احتفظ بنفوذك واترك الساسة غريبي الاطوار يتعاركون داخل السراي وينشغلون بالزيارة الرجبية ويلتهمون صفقات تبليط الارصفة (مع دهين ابو علي الشهير)، ويخسرون او يربحون في الانتخابات. حاول ان تشغل السلطان بزخة تقارير عن مؤامرة كل اسبوعين، كي لا يجد وقتا للتآمر عليك. خض معركتك داخل امبراطورية نقاط التفتيش التي تمر عبرها كل الاموال ورجال الاعمال، والديانات ومخابرات الدول العظمى والصغرى. حينها انت ملك لا تقل في خطورتك حتى عن سلاطين ال بويه".

انه جنرال يعلن شروطه. معلومات الجنرال تدوخ سراي الحكومة، توقظه من النوم ثم تعيد تنويمه. صدام رحل واميركا ترحل و"الجنرالات الواثقون من انفسهم" يرحلون. لم يبق سوى "امبراطور نقاط التفتيش" وهو "مضلل يحكم بأمر السراي".


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%





 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni