... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
دعاء البؤساء عند قبر أم عدوية في فجر أول يوم من عيد الاضحى المبارك

تاريخ النشر       04/11/2011 06:00 AM


ثقب الباب
صباح كل عيد تذهب (عدوية) الى المقبرة لتغسل قبر امها ثم تظل هناك تتحدث الى امها عما جرى من احداث في غيابها بتفاصيل حيوية . أحيانا تستغرق بما يشبه الشرح والنقاش بشأن مشكلة عائلية : ابنها سائق التكسي الارعن بعض الشيء الذي يريد ان يتزوج من بيت  زكية ، أو ابنتها ومرض الكآبة الذي أصابها ، وابنة جارتها ام احمد التي انتحرت بصب النفط على نفسها ، ثم عود شخاط وبم ، مثل شعلة تصرخ .. "ليش؟ من يدري يوم ، لا احد يدري ، لا الشرطة درت ولا اخوها طايح الحظ درى ، امها تبكي ليل نهار، والاب جته جلطة ونام بالمستشفى وحالته مخطرة ، ويمكن بعد كم يوم سوف ترينه يمك .. هل تريدين ان ندفنه قريبا منك للتسلية؟ خوش رجال وطيب!". 
      فيما عدا غسل القبر، لم تكن هناك عادة الحديث مع ميت في القبر بصوت مسموع . قد نتحدث مع احبائنا الاموات بقلوبنا ، بأقل من الهمس ، نقرأ الفاتحة ، ونشكو لهم الحياة القاسية ، واحيانا ، في لحظة حزن واستسلام ، نعدهم أن ندفن بقربهم ، نعدهم بزيارة ، أو بتوزيع (الجُرك) او اللحم على ارواحهم. لكن أن نتحدث مع الميت في قبره ونسرد له قصة ما يحدث في الاعلى ، فهي حالة خاصة.
بالرغم من ذلك فهي حالة مثيرة، لأن تلك الابنة المخلصة البارّة التي تعاود قبر والدتها كل عيد ، كما لو انها تعاودها في الحياة ، تعيد الوصل اللغوي الانساني العادي مع اللغة المقدسة التي تهيئ ارواحنا للرحلة. في حين نرى بالمقابل بعض الناس الاحياء يعيشون في عزلة هائلة وبصمت تخاله صمت القبور ، وعن طريقهم نكتشف أن الموت يمشي معنا ، وأن البعض منا ينسحب قبل الاوان الى ذلك الساحل الضيق الممتد في الظلام.
هناك بشر في العراق آلمتهم الحياة ، آلمهم موت الأحبة بسبب حصاد الموت المجاني الذي يمر في شوارعنا ، وأسقطهم الفقر في هوّة أكثر هولا من القبور. إنهم بلا معين ، حتى أن لا اذن تسمع شكواهم ، لا وجه ترق تعابيره تضامنا وحبا. فماذا نتوقع؟ إن مشاعر الآدمي تتبلد من كثر البكاء الخاوي غير المسموع ، ولانعدام الشهود القادرين على ايصال شكوى، ومن اختناقهم وحدهم بالصمت والحزن واللامبالاة.
في بعض الظروف يمنح مناجاة طيف ميت محب ، أو المكوث طويلا على قبره ، السلوى والراحة أفضل من اولئك الاحياء غلاظ القلوب الذين يعيشون حياة سيئة فقدوا فيها القدرة على الحب، ولم يبق في مشاعرهم غير الغضب.
في العراق الحالي يغطي صخب الشوارع المليئة بالشرطة ، والحوادث العنيفة ، والتصريحات المتناقضة لساسة فقدوا حتى الحس العادي ، على صمت المهمومين والتعساء الذين فقدوا احباءهم بالحقد المنتشر.  
في مسرحية لمهند هادي بعنوان (قلب الحدث) لا يتحدث غير اموات قتلوا بتفجير ارهابي. ليس هذا غرائبيا حقا ، ففي الفن يهب حي مهذب لسانا للاموات يتحدثون به عن مآزقهم عندما كانوا أحياءً ، وهي - بالتأكيد - مآزقنا اليومية التي لا تجد حلا ، أمراضنا التي لا تجد ترياقا ، حاجاتنا المتكاثرة التي لا نملك أن نلبيها فتتحول الى سم قاتل ، حرياتنا التي تداس بنعلان الخسة والاجرام ، ثرواتنا التي ينهبها الذين يتظاهرون بالملائكية والتدين.
لا أعرف ما سوف تخبر (عدوية) أمها في فجر عيد الاضحى المبارك ، أي كوارث وأحزان . أعرف أن عدوية لا تكترث لغير محيطها الضيق لكني أوصيها أن تطلب من أمها الدعاء من الله عز وجل أن يصب جام غضبه على دجالي السياسة ولصوص الصفقات والفاسدين والمنافقين ومزوري الشهادات وأصحاب المفخخات ومسدسات كاتمة الصوت والعبوات الناسفة .. إنه سميع مجيب .
وكل عام وانتم أحياء وبخير..     


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%





 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni