... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
(الدنيا مالتنا) يا هادي

تاريخ النشر       11/09/2011 06:00 AM


يوم قامت سلطاتنا العسكرية بضرب هادي المهدي مع علي السومري وعلي عبدالسادة وحسام السراي، امام شيوخ الثقافة والصحافة وسط بغداد.. اكتفيت بكلمة "لن نسكت عن هذا". رددتها ورددها قبلي آلاف الناشطين من سيحان الى بيخال.

لكن السلطات ذاتها راحت ترد وتقول انها هي الاخرى "لن تسكت عن هذا". فاعتقلت المدونين الاربعة نهاية الشهر الخامس وحارت في كيفية تلفيق تهم لانظف وابلغ نموذج في تظاهرات العراق محدودة العدد وعظيمة الرسالة.

الرصاص تطاير على الرؤوس، واذكر "ليلة الهرير" فجر السادس والعشرين من شباط، كيف كنت مع الاصدقاء نحاول العودة الى المنزل وسط قطع رهيب للطرق. كنا نفكر بعوائل فقدت ابناءها برصاص جنودنا. انه ثاني احتكاك حي بين شرطتنا وشعبنا منذ اعوام على سقوط صدام، بعد تظاهرات الكهرباء. كتبنا واعترضنا بحضور كل الساسة. لكن رئيس الحكومة نفى علمه امام الملأ، بأن اربعة صحفيين تعرضوا الى ضرب مهين على الملأ ايضا، والشهود كانوا شيوخ الثقافة والصحافة في مطعم الكرادة. قال بالحرف: "صحفيون؟ ربما تعرض مشاغبون الى الاعتقال لكن لم اسمع بصحفيين". والاستخفاف تواصل.

كانت الكرامة تسحق، والمحتجون صابرون. والسلطة تتجاهل وتنكر وتستخف. كأن بعضهم يقول: لن نعبأ بمجموعة صبيان متحمسين، يولولون ويصرخون. سيتعبون في نهاية المطاف ويصمتون.

لكن السلطة كانت تعبأ بطريقتها الخاصة. تنشر العربات المدججة بالسلاح في اماكن التظاهر، ثم تنهي الاحتجاجات بما يشبه "حفلة سادية" بعد الواحدة من ظهر كل جمعة.

لم ينشأ ساسة العراق داخل جو منفتح. جاؤوا من خانات ايديولوجية صعبة، وحاولوا ان يتكيفوا مع مطلب دمقرطة جاءت به رياح التغيير. لكنهم تكيفوا بقدر ما يحتاجون علاقة طيبة مع هذا السفير او تلك الشركة. اما معنا، فإنهم يحدقون بعيون تهزأ بمطلب الانفتاح السياسي، وتعتبره "خيار مضطر" يمكن البحث عن بديل له.

مشكلتهم ان توقيت استبدادهم المشتهى، يحبطه ربيع تغيير يعم المنطقة. "الصبية المتحمسين" وولولتهم وصراخهم وفيسبوكهم، صاروا جزءا من معادلة الخروج من قمقم "صدام حسينات" الشرق الاوسط. شعور الساسة بهذا احاط الاحتجاجات بجو شديد العدائية، جعل السياسي يخاف، فزخرت الاجواء بالركل العلني، والتهم المعيبة، والرصاص المتطاير بهستيريا. لا نعلم من غرس الرصاصة في رأس هادي. غير مبرر كذلك ان نتهم احدا. لكن الغصة في الحلق عميقة، فمحبو الديمقراطية وابناء مشروع الانفتاح السياسي، اولئك الذين صرخوا بالامس في وجه الارهاب والمتشددين، هؤلاء الشباب يتعرضون للركل والاهانة والاستخفاف، من قبل زعماء تجربتنا العراقية. غصة كبيرة في ارواح ممثلي التيار المدني في البلاد، تتوج باغتيال هادي. الفنان والناشط قتل داخل اجواء الركل الذي تعرض له المحتجون انصار المدنية والانفتاح. هل اكبر من هذه الغصة؟

فجر الخميس عدنا الى المنزل عبر باب المعظم. الاصدقاء نبهوني: في ادراج ثلاجة الموتى هنا، يرقد هادي هذه اللحظة. فكرة ان ينحشر المرء داخل ثلاجة نام فيها ضحايا العنف الماضي والذي قبله وما سبقه، تحمل طعم رحيل مهيب. كتبت على الفيسبوك عبارة اعاد نشرها محمد غازي الاخرس في مقال ابكى الجميع امس: "هادي.. يبدو انك تنام قرب بيتي في باب المعظم هذه الليلة، في طبنا العدلي. آخر ما اتذكره منك قولك ، الدنيا مالتنا، اللذة والجمال في العالم ملكنا وليس في وسع احد ان يسلبها منا".

كان هذا ابرز ما اتذكره من هادي المستلقي لحظتها في درج من ادراج غصة الوطن المثلجة داخل عنبر الموتى.

كلمة هادي على بساطتها، ترسم خارطة المواجهة. القوى القادمة من بيئة بلا انفتاح، تريد ان تصادر الدنيا وتحدد لنا شكل الجمال المتاح. ترسم عروشها وفق مقاسات عزلة رهيبة عن العالم المتقدم في مدنيته. تريد احتجازنا داخل قمقم جديد كي تعبث بنا كما تشاء. اما الحالمون بالالتحاق بركب المدنية، واخراج العراق من كل القماقم.. الشباب الذين يريدون حياة كنظرائهم في ايطاليا وتركيا وسنغافورة حتى.. فإنهم يتعرضون للركل والاستخفاف.

هادي: لم يسلبك احد جمال الكون.. "الدنيا مالتنا" كما كنت تقول. انت وداخل حفرتك كل صخب المحتجين الذي يبدد عنك الوحشة.. في ذروة السحر، شاهدا على أعداء الجمال. اما نحن فعلى الاثر.. على الاثر. اثر الجمال في الفساد. اثر الاسئلة الجريئة في العقول الخائفة. اثر تقاليد العالم الحر في محاولات الاطراف المتخلفة ابقاءنا داخل قمقم الاستبداد الشرق اوسطي الذي نتفرج على تدهوره بلذة كانت تبث في روح هادي حتى آخر لحظة، جمالا، لا يتاح للناس كل يوم.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%





 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni