نقاش :
بينما يطبق الظلام على الاراضي العراقية اقصى جنوب البلاد، تتوهج الأضواء الكاشفة للشركات الكويتية المنقبة عن النفط والغاز على طول الحدود بين البلدين.
حاجز انبوبي أقامه الكويتيون على امتداد الشريط الحدودي بين أراض كسبوها بقرار من مجلس الأمن، وأراضي الجانب العراقي، وهي ذات البقعة التي شهدت حرب عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة عام 1991 لإنهاء احتلال العراق للكويت، والممر الذي زحفت من خلاله قوات التحالف لاحتلال بغداد في نيسان عام 2003.
تعرف المنطقة بأرض الهدامة، وتسمى أيضا قبة سفوان (حوالي 40 كم غرب البصرة) وكان قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي عام 1993 بالرقم 833 قد أعاد ترسيم الحدود التي تمتد 242 كيلومترا بين البلدين، بعد اجتياح صدام حسين لدولة الكويت.
القرار أقتطع جزءاً من مدينة أم قصر التي تضم ميناء العراق الرئيسي ومجموعة كبيرة من مزارع الطماطم في ناحية سفوان، ويحصي مدير الناحية سيد طالب الحصونة 93 مزرعة منها تقدر مساحتها بخمسة آلاف متر، ويفيد بأن بعض هذه المزارع تضم الآن مجموعة كبيرة من آبار النفط.
مصادر في الحكومة المحلية تؤكد بأن ترسيم الحدود عام 1993 منح الكويت 15 بئرا نفطياً عراقية، 12 منها في منطقة الركطة وثلاثة آبار في ناحية سفوان إضافة إلى حصولها على شريط حدودي بعمق كيلومتر ونصف ابتداءً من منطقة الحياد العراقية ـ السعودية، حتى منطقة أم قصر.
وحسب مصادر مطلعة، خلال انشغال العراق بأزماته الداخلية بعد أحداث نيسان 2003، باشر الكويتيون بأعمال حفر ابار كثيرة يقع نصفها في منطقة الركطة ونصفها الآخر في ناحية سفوان القريبة، إضافة إلى الآبار التي حفرها العراق سابقاً وهي مجهزة للإنتاج.
مدير ناحية سفوان أكد لمراسل "نقاش" بأن القرار ألأممي حدد ضمن فقرات البند السابع انسحاب العراق 400 متراً إضافياً لإقامة منطقة عازلة ويعني ذلك خسارة أراض جديدة، بما فيها أرضه الزراعية شخصياً.
تولد شعور بالسخط لدى مواطني البصرة مما دعوه بالترسيم الظالم للحدود وتهاون حكومتهم، وهم يرون أن الكويتيين والإيرانيين استغلوا انهيار الدولة العراقية بعد 2003، لقضم أراضيهم وسواحلهم وسحب نفطهم.
هذا الشعور سائد في محافظة البصرة 590 كم جنوب بغداد، ولاسيما أن الأرض هناك تختزن 60% من احتياط النفط العراقي.
كما تختزن في الوقت ذاته وعياً شعبياً تراثياً حافلا باعتبارها الولاية الإسلامية والعثمانية المترامية التي ضمت اجزاء من دول الخليج العربي في القرون السابقة، وان لم يعد التاريخ يشفع للبصريين، فالمسألة اليوم تتلخص بالحفاظ على ما تبقى لهم من أرض وخيرات.
يقول د.نبيل احمد الأمير مستشار محافظ البصرة، وسفير الأمم المتحدة للنوايا الحسنة أن "الكويت تجاهلت الآلية التي أقرتها الأمم المتحدة للتعامل مع هذه الحقول من خلال تشكيل لجان مشتركة، لذلك خاطبنا الحكومة المركزية باعتبارها مسؤولة عن حماية الحدود لكن الساسة في بغداد مشغولون بحل مشاكلهم الخاصة".
وعلى أية حال، فتحرك الحكومة العراقية لم يكن لصالح أهالي النواحي الحدودية. يضيف د.نبيل "ففي 2006 صدرت التعليمات من رئاسة الوزراء بالتخلي عن هذه الأراضي وقد واجهها المزارعون بالرفض".
وهذا ما يعود لتاكيده مدير ناحية سفوان "رفضنا تشكيل لجنة من ناحيتي ام قصر وسفوان كما رفضنا اقتراح الكويت التعويض عن 216 دار ومزرعة تعود ملكيتها للمواطنين، لأنه قرار تاريخي يمس وجودنا وثرواتنا كعراقيين".
اتهامات العراق للكويت بسحب النفط الحدودي ليست وليدة اليوم بل تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، إذ اتهم النظام السابق في حينها الكويتيين بنصب منشآت نفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي منذ عام 1980 وكانت هذه إحدى ذرائع صدام في غزوه واحتلاله الكويت مطلع آب 1990.
ولا يقتصر سحب النفط العراقي على الكويتيين فقط، إذ تشير مصادر رسمية إلى استخدام إيراني لتقنية الحفر المائل نفسها في حقول مجنون الحدودية لكن بنسبة أقل مما يحدث على حدود العراق مع الكويت.
بينما يؤكد الإيرانيون، أن عمليات السحب توقفت منذ سنتين بعد توقيع اتفاقية مشتركة بين البلدين.
بعض سياسي البصرة يعتقدون أن أثارة هذه القضايا الشائكة هي محاولة من الكويتيين والإيرانيين على حد سواء للظهور بمظهر القوي.
ويرى عباس الجوراني عضو الحزب الشيوعي العراقي في البصرة أن هذه النزاعات محاولة من الدولتين الجارتين لإبعاد الأنظار عن ازماتهما الداخلية.
المسؤولون في حكومة البصرة المحلية يؤكدون على أن اتهام الشركات الكويتية بسحب النفط العراقي موثق ومصور. وبهذا الصدد يقول رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس المحافظة فريد خالد الأيوبي "نحن الآن في موقع المبلغ عما يحدث فقط، وفي حالة إقرار قانون النفط والغاز من قبل مجلس النواب العراقي، وإكمال المصادقة عليه، سيكون للحكومة المحلية في البصرة الرأي المشارك مع حكومة المركز.
ويجادل الأيوبي في أن الخطأ الأكبر يقع على الحكومة العراقية متمثلا بوزارة النفط، لأنها تلتزم الصمت منذ إزاء مايحدث منذ سنوات، كما يقول، كما أنها لم بأي جهد للإنتاج النفطي على الحدود العراقية الكويتية والإيرانية، وبالتالي ترك المخزون النفطي العراقي عرضة لأعمال نهب كبيرة.
وأورد مثالاً على ذلك في أن حجم بعض الضغوط المكمنية في منطقة الركطة عام 1996 سجلت بحدود 625 بي اس آي. بينما انخفضت عام 2007 في الآبار نفسها إلى 100 بي اس آي، وهو ناجم عن استغلال الجانب الكويتي لهذه المكامن.
ويتابع رئيس لجنة النفط والغاز، أن الأمر يتعلق بالفساد والرشاوى "ووجود حلقات فنية فاسدة تحيط ببعض المسؤولين في وزارة النفط منعت وصول مخاطباتنا بشأن الآبار الحدودية قبل انجاز التراخيص النفطية، حيث كنا نأمل من هذه الشركات ان تستثمر في المكامن الحدودية العراقية".
ويشير الأيوبي إلى ان الكويت كانت تستخدم في السابق الحفر المائل للوصول لإطراف المكامن العراقية. الآن بعد الترسيم الأخير وصلت الكويت لأعماق هذه المكامن والمسألة لم تتوقف عند هذا الحد.
أما المسؤول الإعلامي في وزارة النفط مرتضى نوري فقال أن العقود المبرمة مع الشركات العالمية هي عقود خدمة فقط لا تتضمن تطوير الحقول المشتركة.
ونفى أن تكون هناك دلائل مؤكدة لدى الوزارة على قيام الكويت بسحب النفط العراقي مبيناً أن الحقول النفطية في كلا الجانبين العراقي والكويتي معروفة، وليست هناك أعمال سحب في الحقول المشتركة سواء مع الجانب الإيراني أو الكويتي.
نوري قال لمراسل نقاش أن اللجان المشتركة تعمل على مناقشة هذه المواضيع مع الكويت وإيران بهدف وضع حد لما يثار من مشاكل.
مراسل نقاش لم يتمكن من تأمين اتصال بالسفارة الكويتية في بغداد، رغم محاولات عدة قام بها، خصوصاً وان السفير الكويتي لدى العراق علي المؤمن نفى في تصريحات سابقة مزاعم الجانب العراقي، وأتهم الشركات العراقية بالتجاوز على حقول النفط الكويتية.
يشكك مواطنو البصرة بقدرة الحكومة المركزية على معالجة قضايا الحدود، وميناء مبارك الذي تعتزم الكويت انشاه ويعتقد العراقيون انه سيغلق عليهم منفذهم البحري الوحيد، وما يشاع عن خطط كويتية لبناء مفاعل نووي قريب من الحدود العراقية.
وبحسب مستشار المحافظ د.نبيل الأمير فان موقع المفاعل يبعد عن السواحل العراقية 400 متر فقط. وهو ما يهدد حياة الناس والبيئة في البصرة وكذلك الممر الملاحي العراقي.
سفير النوايا الحسنة يؤكد على انتهاج الطرق السلمية في حل الأزمات ويصر "سنعمل بالطرق الشعبية، يمكننا غلق الحدود وعدم السماح بدخول البضائع التي تدر على الكويتيين ملايين الدولارات. في المقابل يرى آخرون بأن التحركات الشعبية غير مجدية، ويزعمون أن الكويتيون ماضون في تثقيف أبناءهم بأن حدودهم لا تنتهي عند الدعامة الحالية بل تبلغ جبل سنام ـ حوالي (8.5) كيلومتراً غرب سفوان ـ داخل الأراضي العراقية.
ويبقى عدم توجه الحكومة العراقية للاستثمار في الحقول الحدودية يثير التساؤلات لدى المعنيين، وكذلك جولات التراخيص التي انصبت على الحقول العملاقة الواقعة وسط البصرة .
مدير ناحية سفوان لا يرى مبررا لعدم استثمار المكامن الحدودية ويضيف: "الكويتيون ينقبون الآن بطريقة مكثفة من اجل سحب اكبر كمية من النفط". ثم تساءل: "هل هناك دوافع سياسية وراء عدم إستثمارنا لهذه المناطق". |