|
|
الديمقراطية والقدرة على اتخاذ القرار |
|
|
|
|
تاريخ النشر
01/02/2007 06:00 AM
|
|
|
د.فائز يعقوب الحمداني (ان القرار يولد مع الفرد ساعة يولد وينمو ويكبر معه ويبقى حيا حتى بعد موته) لماذا لا تتمتع المنطقة العربية بالتجربة الديمقراطية وما الذي يجعل الحكم الفردي المطلق قادرا على الاستمرار لعقود وبالشكل الذي تتعامل معه الشعوب العربية بسلبية ، ودون مقاومة تذكر ؟ تركز الدعوات التي تتناول هذا الموضوع على اهمية تطبيق جوانب من التجربة الديمقراطية التي تمارسها العديد من دول العالم المتقدم كالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية واستقلال القضاء وترسيخ دور المنظمات المدنية غير الحكومية والابتعاد عن جمع السلطات والاستئثار بالمناصب القيادية لفترات طويلة …الخ يبدو للوهلة الاولى ان هذه الطروحات كافية لترسيخ التجربة الديمقراطية في المنطقة ولكني اظن ان هذه المعالجات غير كافية مالم تركز بالاساس على مسالة مهمة جدا وهي ان الديمقراطية لا يمكن ان تعيش في دول يفتقر معظم افرادها الى القدرة على اتخاذ القرار وما اقصد به بالقرار ليس القرار السياسي وانما القرار على الصعيد الشخصي ، ذلك لان الدكتاتورية تنمو في وسط اتّباعي يستسهل التنازل عن اتخاذ القرار لمن يملك القدرة والقوة _شرعية كانت ام غير شرعية _ لاتخاذ القرار بدلا من صاحب الشان، وكما ان الدكتاتوريات تساهم في تربية مثل هذه العقلية لدى الشعوب فانها هي نتاج لنفس هذه العقلية وبالتالي تمثل جزءا من حلقة متواصلة ينمو الفرد في مجتمعاتنا في مناخ اسري اتباعي متطرف النفوذ لا تتطور فيه قدرة الانسان ذكرا كان ام انثى على اتخاذ القرار مهما كان بسيطا وشخصيا ولا يفكر الاباء والامهات بان منح الابناء مثل هذا الهامش من الحرية في اتخاذ القرارات ولو في اشياء بسيطة هو مسالة في غاية الاهمية لانها سوف تفعّل هذه الامكانية، أي امكانية اتخاذ القرار وهذا التفعيل وبمرور الوقت سيجعل من الابناء اصحاب ارادة . نحن نظن ان بمقدورنا اتخاذ القرار لاننا وصلنا الى المرحلة العمرية التي يفترض فيها ان نمارس فيها هذا الحق و كأن القرار له عمر معين لكي يتّخذ فيه، ولكن من منا يستطيع ان يحدد هذا العمر وهل نحن نتخذ قرارتنا فعلا ؟ ام اننا نسير مع السائرين ونقنع انفسنا باننا نقوم بالشيء الصحيح لان الاخرين يقومون بنفس الشيء. بل ان الفرد منا عندما يتخذ قرارا فيه الكثير من الاستقلالية يصاب بالخوف والقلق ويكون معرضا للانتقاد لانه خرج_ وعذرا للتعبير _عن القطيع اننا في مجمل سلوكياتنا لا نمارس الاستقلالية في التفكير ولا نشجع عليها ونستغرب ان يتصرف البعض خارج المعتاد حتى لو لم يكن هذا المعتاد مقدسا بل وكأن قانون الحياة لا يعرف التغيير، وهكذا تتراكم التقاليد التي نفتعلها لنبرر عدم قدرتنا على اتخاذ خطوة مستقلة اخرى وعندما تاتي لحظة تمثل اختبارا حقيقيا لاستقلاليتنا الفكرية والسلوكية كالانتخابات مثلا ، نبرر سلبيتنا _في غفلة من قراراتنا_ باستخدام مختلف الحجج والبراهين لنصل الى انتكاسة (ولا اسميها قرارا) يشفع لها تاريخ طويل من تهميش الفرد بدواعي السلطة الأبوية أو الوطنية والدين والمصلحة العامة و ارادة الجماهير …الخ لياتي من ياتي ويستلم منا بطيب خاظر دورنا في ممارسة حقنا في اتخاذ القرار لاننا ببساطة لم نتعلم ان نحترم هذا الحق ولم نتعلم ممارسته قد يبدو نجاح الانتخابات في العراق على سبيل المثال، بمثابة تجاوز لهذه الاشكالية . والحق يقال ان نجاح التجربة مؤشر لا يمكن التغاضي عنه ولكن ذلك لا يعني ان القصور في التعامل مع مسالة القرار قد تم تجاوزه وان كان يبعث الامل في ان هناك تجاوزا للمخاوف وقدرة في اتخاذ قرار مهم. ان من اهم مقومات القدرة على اتخاذ القرار هو تجاوز الخوف من السلطات الخارجية المفروضة على الارادة . انا لا ادعو هنا للتخلص من السلطة الابوية في مجتمعاتنا او الى تحجيمها ولكني في نفس الوقت لا اتفق مع الافراط في ممارسة هذه السلطة بما يحرم من هم تحت هذه السلطة من القدرة على تطوير قابلياتهم السلوكية في مختلف المجالات. ان نجاح تجربة تعتمد على قرار الفرد في اي مجال كان سياسيا ام اقتصاديا ام اجتماعيا يتطلب جيلا متوازنا في نظرته للمجتمع افرادا ومؤسسات فلا يهمش ما هو مهم في العلاقات بين الاهل والابناء ولا يبالغ في الاعتداد بفرديته. هنا يكمن اساس التطوير. مع هذا التطوير تستطيع مؤسسات المجتمع المدني والقوانين التي تحمي الحريات أن تودي دورها في ترسيخ الوعي الديمقراطي على أسس سليمة ومتينة ، لانها بدون فرد واع لن تستطيع ان تزرع نبتة على ارض غير مهيئة لاستقبالها.
faaiz@faaiz.com
|
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د.فائز الحمداني
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|