|
|
رغبة في العيش تحت (جلباب الميليشيا) |
|
|
|
|
تاريخ النشر
30/06/2011 06:00 AM
|
|
|
نقاش |
يدفع العجز الحكومي حيال أزمة الخدمات سكان بعض مناطق بغداد غير الخاضعة لنفوذ ميليشيا "جيش المهدي" إلى الإعلان عن رغبة تتملكهم في فسح المجال أمام أصحاب "القمصان السوداء" ليأخذوا مكان الدولة ويمارسوا صلاحياتها. هذه الرغبة تولدت مؤخرا لدى بعض سكان حي الكسرة، أحد الأحياء الشعبية الواقعة شمالي العاصمة، وكذلك هو الحال مع سكان مناطق راقية مثل الوزيرية وحي المغرب القريبتين من الحي الفقير آنف الذكر، في ظل فشل مؤسساتي في معالجة أزمة الكهرباء، وجشع أصحاب المولدات الأهلية. محمد أبو علي (38) عاما، من سكنة حي الكسرة قال لـ "نقاش" إن "ما نسمعه من أصدقاء لنا يعيشون في قطاعات مدينة الصدر حول النشاطات التي تقوم بها كوادر مكتب السيد الشهيد وتنظيم الامور الخدمية في مدينتهم، يجعلنا نفكر مليا بتقديم طلب لتأسيس مكتب مماثل في منطقتنا". بيت أبو علي لا يتزود بالكهرباء لأكثر من أربع ساعات يوميا من الكهرباء الوطنية، في حين تحظى المعاقل الرئيسية للتيار الصدري بـ 12ساعة على أقل تقدير، حيث المولدات الاهلية تعمل بشكل منتظم هناك. كذلك هو الحال مع أصدقاء أبو علي الذين يقطنون أحياء الوزيرية والمغرب، وكانوا يجلسون معا على طاولة واحدة في مقهى يقع عند تقاطع مروري يربط الأحياء الثلاثة بعضها ببعض. يقول أحدهم ويدعى عامر الحاج، ويعمل موظفا حكوميا، إن "الصدريين يقومون بنشاطات خدمية أشبه بمنظمات العمل التطوعي، ويفرضون النظام في مناطقهم". المفارقة في الأمر هو أن غالبية سكان هذه المناطق المختلطة مذهبيا لا يمثلون بأي شكل من الاشكال القاعدة الجماهيرية للحركة الصدرية، بل على العكس كانوا من الرافضين لفتح مكاتب لهذه الحركة الدينية في سنوات العنف المذهبي. في تلك الفترة كانت ميليشيا "جيش المهدي" تتقاتل مع قوات الجيش العراقي والأميركي، وتفرض نسخة محافظة من الاسلام، وتمول نفسها من فرض الأتاوات على أصحاب المصالح الخاصة، فضلا عن اتهامات وجهت إليها بارتكاب جرائم قتل على الهوية. وبالنسبة لأولئك المواطنين، لطالما مثّل "جيش المهدي" أحد أكثر المليشيات المسلحة التي ظهرت في أعقاب سقوط نظام صدام شراسة، قبل ان يصدر زعيمه الروحي مقتدى الصدر قرار تجميد نشاطاته في منتصف العام 2007، ما أسهم في تراجع كبير في معدل العنف بالبلاد. أما اليوم، فتتركّز المعاقل الرئيسية للصدريين في بغداد في مدينة الصدر (شرق) وحي الشعلة (شمال) الذي يطلق عليه سكانه تسمية "شعلة الصدرَين"، تخليدا لذكرى زعيمين شيعيين راحلين من آل الصدر قتلهما نظام صدام، وهما آية الله محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة الاسلامية وابن عمه اية الله العظمى محمد صادق الصدر والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. تتمتع هاتان المنطقتان بالرغم من كثافتهما السكانية العالية بخدمات عامة مقبولة نسبيا إذا ما قورنت ببقية مناطق بغداد. إذ يمارس رجال مخولون من مكتب "السيد الشهيد الصدر" بينهم أعضاء في مجلس الحكم المحلي لمحافظة بغداد، ضغوطا على أصحاب المولدات الأهلية، لإرغامهم على الالتزام بأسعار مناسبة وأوقات تشغيل طويلة. وتقسم مدينة الصدر إلى 80 قطاعاً متساوياً بمساحتها ومختلفة بتصاميمها، تبلغ مساحة القطاع الواحد منها 2500 مترا مربعا، في حين تبلغ مساحة المنزل فيها نحو 120 مترا مربعا. وتبدو أزقة حي الشعلة متشابهة من حيث نمط بناء المنازل كونها انشئت لطبقة العمال والفقراء القادمين من المحافظات الجنوبية. في أحايين كثيرة يأخذ أعضاء مكتب الصدر على عاتقهم القيام بدور السلطات المحلية، فعاقبوا مؤخرا عدد من اصحاب المولدات الاهلية بسبب عدم التزامهم بتعليمات قرار حكومي قضى بتجهيزهم بالوقود مجانا شريطة الالتزم بتشغيلها 12ساعة يوميا، مما دفع بقية اصحاب المولدات الاخرى في هاتين المنطقتين إلى التقيد حرفيا بما تم املاؤه عليهم من توجيهات. العقوبة التي فرضها أعضاء لجنة الخدمات التابعة لمكتب الصدر تمثلت في منع أصحاب المولدات من مزاولة مهنتهم حتى يستبدلوا مولداتهم بأخرى جديدة ويتقيدوا بالتعليمات الحكومية. فضلا عن ذلك، تتدخل قيادات صدرية جلّها من شيوخ ورجال دين في تسوية نزاعات عشائرية قد تحدث في المناطق التي تشرف عليها حزبيا، وذلك بطلب من المتخاصمين، كما حدث مؤخرا في حي الحرية (شمال) بغداد وهو ثالث أكبر معقل للصدريين في العاصمة. مثل تلك النزاعات تحصل غالبا في المناطق ذات الهوية العشائرية التي يعزف ابنائها عن التحكيم القضائي. ويقول ابراهيم الجابري معاون مدير مكتب "السيد الشهيد الصدر" في قاطع الرصافة ببغداد، ان "هذه التدخلات الهدف منها اصلاح ذات البين واشاعة جو من السلام والطمأنينة بين المواطنين". وهناك عدة لجان تتابع قضايا المواطنين في مكتب الصدر منها "ديوان الحوزة والعشائر" الذي يأخذ على عاتقه تسوية النزاعات وانهاء الخلافات التي تنشب بين ابناء العشائر في مناطق مختلفة، و"الهيئة الاجتماعية" يختص عملها بمتابعة شؤون المتعففين، اضافة الى "لجنة الخدمات" التي تنحصر مهمتها في توفير كل ما يتعلق بخدمة المواطنين ويشرف عليها بشكل مباشر أعضاء في مجلس محافظة بغداد ينتمون لحركة الصدر السياسية. مجمل النشاطات والخدمات التي تقدمها اللجان التابعة لمكتب الصدر، لا يحصل عليها سكان المناطق غير الخاضعة لنفوذ الصدريين ومنها أحياء الكسرة والوزيرية والمغرب الآنفة الذكر. مؤشرات وجود تلك الرغبات الشعبية لدى قاطني تلك الأحياء يلخصها الجابري بـ "الشكاوى والمطالب الشفوية المباشرة التي تردنا من سكان مناطق ليس لنا تواجد مباشر فيها، يسألوننا التدخل لحل مشكلات خدمية يواجهونها". كمثال عن الشكاوى الواردة إلى مكتب الجابري واحدة تتعلق بمواطن مسيحي استحوذ احد المواطنين الشيعة على منزله إبان ذروة العنف الطائفي. وقام مكتب الصدر، وفقا للجابري "بمعالجة المسألة من خلال إعادة المنزل إلى صاحبه الشرعي". ودائما ما تنشر على الموقع الالكتروني التابع للهيئة الاعلامية العليا لمكتب الصدر، شكاوى مماثلة ومطالبات يأمل فيها مقدميها بتسوية قضاياهم، كما تنشر نشاطات اللجان الفرعية وممثلي مكتب الصدر في بغداد وبقية المحافظات. القيادي الصدري يفخر بان فعاليات حركته الدينية تشمل جميع العراقيين على اختلاف طوائفهم ومناطقهم وقومياتهم ولا تقتصر على ابناء جلدته فقط، وهم بذلك يتبعون توجيهات زعيمهم الروحي مقتدى الصدر، كما يقول. وفي معرض تعليقه عن الهدف من النشاطات التطوعية التي تمارسها اللجان التابعة لمكاتب الصدر وأغلب اعضائها من المقاتلين السابقين في صفوف "جيش المهدي"، يقول الجابري لـ "نقاش" إنها "بغرض التخفيف عن كاهل المواطنين ومنع استغلاهم من قبل ضعاف النفوس". سكان الاحياء الثلاثة غير الخاضعة للنفوذ الصدري، يسعون كذلك الى الاستفادة من الميزات الحكومية التي حصل عليها تيار رجل الدين مقتدى الصدر بعد ان باتوا من أبرع القوى السياسية في العراق، من خلال الاهتمام والرعاية المباشرة التي يوليها مسؤولي الكتلة الصدرية لاتباعهم. ويمتلك الصدريون 40 مقعدا نيابيا من اصل 325 مجموع مقاعد البرلمان الحالي، و8 وزارات معظمها تخص القطاعات الخدمية من مجموع 42 منصب وزاري بما فيها مناصب نواب رئيس الحكومة. ويحرص وزراء ونواب ومسؤولي التيار الصدري على القيام بزيارات تفقدية الى عوائل اتباعهم ممن قتلوا ابان المواجهة مع القوات الاميركية وكذلك متابعة امور ذوي المعتقلين في السجون الحكومية والمعتقلات الاميركية، والتواجد في مكاتب التيار المنتشرة في بغداد وعدد من المحافظات. ويتخلل تلك الزيارات تقديم اموال نقدية ووعود بتوظيف ابناء تلك المناطق الفقيرة التي تقطنها غالبية شيعية من السكان، في الوزرات الثمان التي حصلت عليها كتلة "الاحرار" البرلمانية في الحكومة الحالية. تجربة الصدريين في معاقلهم الرئيسية مشابهة تماما لتجربة "حزب الله" اللبناني في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وغيرها من المعاقل التي يتمتع بها الحزب ذي التوجهات العقائدية بجماهيرية، طبقا لصحافيين لبنانيين. وبشكل متوزاي فان حركة الصدر التي تحولت الى حزب سياسي "محنك"، لا تزال تمتلك جناح مسلح ناشط يعرف بـ"اليوم الموعود" مهمته الرئيسية تنحصر في توجيه ضربات للقوات الأميركية، بينما الشق الآخر من استراتيجيتها يتركز على الشأن الخدمي لكسب مزيد من الاتباع والمريدين الذين لا يرون في التوجهات الحكومية أي فائدة مرجوة.
|
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ حيدر نجم
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|