|
|
عشرات الالاف المتجاوزين على املاك الدولة في الموصل |
|
|
|
|
تاريخ النشر
30/06/2011 06:00 AM
|
|
|
نقاش |
بيوت طينية تبدو من البعيد كثآليل نمت في الأرض فجأة، جدرانها من علب صفيح وسكانها عالقون بين زمنين. قرى وأحياء بلا مدارس أو مستشفيات، وغير مرتبطة بشبكة المياه والكهرباء أو مجاري الصرف الصحي، لأن سجلات الدوائر الحكومية لا ترى في تلك المناطق سوى مساحات أرض فارغة، وكل ما بني عليها إنما هو خارج عن القانون. تقدر الإحصاءات الرسمية عدد المتجاوزين على الأراضي التابعة للدولة وأبنيتها في محافظة نينوى بنحو 15 ألف عائلة، توزعت على أطراف مدينة الموصل وباقي الأقضية والنواحي. بمرور الأيام، تحولت تلك الأراضي الجرداء إلى قرى وأحياء سكنية بدأ أهلها يخرجون في تظاهرات مطالبين بالخدمات الأساسية. "التجاوزات حدثت في غياب سلطة الدولة، والفراغ الأمني الذي حدث مع انهيار نظام صدام حسين قبل ثمانية أعوام"، يقول القاضي حسن محمود النائب الثاني لمحافظ نينوى، مضيفا أن نحو عشر آلاف شخص نزحوا من مناطق في شمالي نينوى تعرف الآن بـ "المتنازع عليها" كقضائي الشيخان (47 كم شمالي الموصل) وتلكيف (15كم). ينتمي معظم النازحين إلى عشيرة الحديديين العربية، وهم رعاةُ مواشٍ يقولون أن القوات الكردية طردتهم بذريعة تجاوزهم على أراض تابعة لإقليم كردستان. ويشير القاضي حسن إلى أن ذات المشكلة وقعت في جنوب مدينة الموصل، فمعظم المتجاوزين هناك كانوا قد هربوا من العنف الطائفي في المدن العراقية الأخرى عقب تفجير مزارات شيعية في ناحية سامراء شمال بغداد في شباط فبراير من العام 2006، أو قرويين فروا من زحف الرمال التي غطت أراضيهم وقراهم في أجزاء من قضائي بعاج والحضر غربي وجنوبي نينوى. منطقة التجاوز الأكثر جدلاً، تقع في المدخل الشمالي للموصل وتعرف بمعسكر القدس، وهي قطعة أرض مستطيلة تصل مساحتها إلى خمسين كيلومترا مربعا، كان جيش القدس وهو أحد تشكيلات الجيش العراقي السابق يتخذها مقراً له. يقطن في معسكر القدس نازحون حديديون، تكاثرت منازلهم مع تلقيهم معلومات تفيد بأن الأرض خصصت لبناء مدينة رياضية تصل كلفتها إلى 75 مليار دينار (حوالي 64 مليون دولار)، مما يعني حصولهم المؤكد على تعويضات مجزية. الحكومة المحلية في نينوى، وجهت العديد من إنذارت الإخلاء إلى المتجاوزين، بعد شكاوى تلقتها من هيئة الاستثمار وغيرها من الجهات عن تعطل مشروعات بسبب رفض المتجاوزين ترك الأراضي. وبحسب الهيئة، فإن أكثر من عشرين مشروعاً استثماريا مرخصاً، مهددة حاليا بالإلغاء لعدم تخصيص الأرض لها. في حين أن وزارة الدفاع وحدها، تملك ( 240) ألف دونما من الأراضي في نينوى يحتل معظمها متجاوزون. ومع استمرار رفض المتجاوزين قرارات الإخلاء تم التلويح باستخدام القوة، الأمر الذي دفعهم للجوء إلى قيادة الفرقة الثانية للجيش العراقي المعروفة بعدائها للسلطة الإدارية في المحافظة، وهي من أوقفت عملية الإخلاء ونسي أمر المدينة الرياضية. المحافظ أثيل النجيفي سبق وأشار في أكثر من مناسبة إلى تدخل الفرقة الثانية وعرقلة قرارات متخذة من الحكومة المحلية في ظل صراع بين الطرفين على الصلاحيات الممنوحة لكل منهما. إذ أن قصة مشابهة حدثت وكان ذلك في عام 2010، عندما منعت قوات تابعة للفرقة الثانية أيضا، دائرة عقارات الدولة من رفع التجاوزات في منطقة حي المالية وسط الموصل، رغم أنها حصلت على أوامر قضائية بذلك. وبناء على الشكاوى الواردة إليه، اجتمع مجلس محافظة نينوى في جلسة عقدت في التاسع من آذار مارس العام الماضي للتداول في مشكلة المتجاوزين وكيفية تنفيذ قرارات الإخلاء، غير أن أي تقدم لم يحدث، حتى أن قسماً من تلك الدور أصبحت تؤجّر لصالح المتجاوزين. المعارضون لحكومة نينوى المحلية، تدخلوا أيضا لصالح المتجاوزين، ورفعوا شعارات في تظاهرات سارت بالقرب من المحافظة يوم 25 شباط فبراير وما تبعها من احتجاجات امتدت حتى شهر نيسان أبريل الماضي، نددت بالمحافظ وسياسته. محاولات عديدة قام بها مجلس المحافظة لحصر العقارات العائدة للدولة في نينوى وتكوين صورة واضحة عن مقدار التجاوز عليها، لكن جملة من الأسباب منعت ذلك حسب تصريحات المسؤولين، منها الافتقار الى الكوادر الفنية المتخصصة وعدم تعاون الوزارات المعنية، والوضع الأمني غير المستقر الشبيه الى حد بعيد بلعبة جر الحبل. ويشير مسؤلوون في المحافظة إلى أن قرابة عشرة آلاف حالة تجاوز سجلت رسميا منذ العام 2003 لغاية اليوم. ويخشى بعض المسؤولين من أن يطالب المتجاوزون بتعويضات، بعد أن قرر المجلس تعويض عدد منهم بمبلغ مليون دينار عراقي (1700 دولار) مقابل إخلائهم أرضا خصصت لأحد المشاريع الاستثمارية، علما أن قرار مشابه صدر قبل نحو عام، حصل فيه متجاوزون في جنوب مدينة الموصل على 3 مليون دينار (حوالي 2560 دولار) لإخلائهم أرضا مخصصة لتشييد مستشفى. قائم المقام السابق والنائب الحالي في مجلس النواب العراقي زهير الأعرجي أكد على أن المبالغ الممنوحة للمتجاوزين لا تمثل تعويضا، إنما هي "لاستئجار منزل في مكان آخر، ولتغطية نفقات نقل الأثاث". وهذا ما رأى فيه مستشار محافظ نينوى القانوني فارس البكوع "مخالفة قانونية صريحة"، إذ أن "منح المتجاوز فائدة عينية أو مادية يعتبر تعويضاً عن شيء لا يملكه بالأساس"، علما أن بلدية الموصل أكدت على أنها تعكف على بناء أربعة آلاف شقة سكنية ستخصص للفقراء، يمكن للمتجاوزين على أملاك الدولة شغلها. ما يفاقم المشكلة بحسب المستشار، لجوء المتجاوزين إلى عمليات بيع وشراء عقاراتهم، في محاولة لإسباغ صفة قانونية على تجاوزاتهم. من جهة ثانية، يشير قائم مقام الموصل حسين علي حاجم إلى أنواع تجاوز مختلفة تحصل يوميا، كبناء الأكشاك على الأرصفة القريبة من الدوائر والمؤسسات الحكومية، حتى أن بعضها تستخدم كمطاعم للوجبات السريعة. فيما ذكر المهندس صالح صفو مدير توزيع كهرباء المنطقة الشمالية، أن هناك آلافاً من التجاوزات حصلت في مدينة الموصل على شبكة الكهرباء، خصوصاً في المناطق القريبة من المستشفيات الحكومية ومحطات المياه. وتمتد التجاوزات أيضا على ضفتي نهر دجلة الذي يقطع المدينة إلى نصفين، قام بها فلاحون يزرعون ويحصدون سنوياً بلا مقابل، أو مواطنون بنوا مساكن لهم مستفيدين من انحسار النهر جراء قلة الأمطار. أكرم نافع وهو باحث مستقل في مجال الآثار والتراث، ذكر لـ "نقاش" أن أخطر التجاوزات، هي تلك الواقعة على المناطق الأثرية، ومنها أماكن غير مستظهرة شيدت فوقها قرى كاملة. الأيام الماضية، سجلت قيام جرافات تابعة لبلدية الموصل، بهدم دور مبنية على أراض تابعة لها داخل المدينة. هذه المشاهد تركت علامات استفهام كبيرة حول الطريقة التي تعالج بها نينوى ملف المتجاوزين، فهي تتعامل مع البعض بقوة وحزم يصل إلى هدم المنازل وطرد قاطنيها، فيما تعوّض على آخرين وتعدهم بتقديم سكن بديل، فهل يندرج هذا ضمن المصلحة العامة، ام أن لحسابات السياسة دور في هذا الملف أيضاً؟ |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ عادل كمال
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|