|
|
البحث عن إيران.. في كربلاء |
|
|
|
|
تاريخ النشر
30/06/2011 06:00 AM
|
|
|
نقاش |
يضم محل محمد المرشدي الخاص بعرض أجهزة الكهرباء ذات الاستخدامات المنزلية، مكيفات هواء وسخانات وطباخا ذات مناشئ مختلفة، لكن عدد ليس بالقليل منها يحتوى على عبارة "ساخت إيران" أو صنع في إيران. محمد يؤكد أن البضائع الإيرانية تلاقي رواجا بين السكان، إذ "لا يكاد منزل بكربلاء يخلو من سلعة إيرانية". أما لماذا، فهو لا يملك إجابة دقيقة، لكن زبائنه يقولون أن البضائع الإيرانية أفضل من بضائع أخرى، مثل الصينية منتشرة في الأسواق المحلية. وأمام كثرة البضائع الإيرانية، في محله وفي المحلات الأخرى، يستعيد محمد أيام الحرب الطويلة التي نشبت بين بلده والجار الايراني، وينتابه شعور "غريب"، فهو لم يكن ليتصور في يوم ما أن يكون العراق سوقا للبضائع الإيرانية على النحو الواسع الموجود حاليا. إيران الجارة الشرقية للعراق، وهي من أكبر جيرانه وتشترك معه بحدود تتجاوز 1000 كم، شهدت على مدى ثماني سنوات، حربا من أعنف الحروب مع نظام صدام حسين، فيما يذكر التاريخ أن هذه الحدود لم تشهد الاستقرار طويلا، بل كانت سنوات اضطرامها أطول من سنوات استقرارها وهدوئها. وما زالت مناطق من تلك الحدود تضم رفاة جنود مجهولين من كلا الجانبين، وحقول ألغام، فيما لا تزال أسر عراقية تتهم إيران بإخفاء أبنائها الأسرى. لا تشهد أسواق كربلاء اليوم، وهي صورة مصغرة لأسواق عراقية أخرى، سلعا إيرانية كهربائية فقط، بل إلى جانبها الأطعمة المعلبة والمفروشات والسيارات والمصنوعات البلاستيكية، والخضار والفواكه الإيرانية. يتكئ محمد قليلا على مبردة هواء إيرانية كبيرة، ويستذكر، وهو يبتسم بسخرية، الشعارات الحربية وحملات التعبئة التي كانت تبث من وسائل الإعلام في البلدين، إبان حرب الثماني سنوات لشحن الناس بالكراهية من اجل الحرب، ويقول: "كنت أظن أن مقدار الإصرار على الحرب والكراهية سيدوم إلى الأبد جراء ما سقط من قتلى". هناك من ينظر إلى السلع الإيرانية في أسواق العراق من نافذة التدخل الإيراني في هذا البلد، وهو هاجس كان حاضرا على الدوام لدى السنة في العراق ولدى أوساط عربية رسمية وشعبية. ولطالما اتٌهمت إيران بالتدخل في العراق ومحاولة خلق وجود مؤيد لها في الأوساط الشعبية العراقية، لاسيما الشيعية، فضلا عن اتهامها بدعم أحزاب سياسية كانت مستقرة في إيران لسنوات طويلة قبل الإطاحة بحكم حزب البعث في 2003. وتضفي نهايات الأسماء للعديد من مراجع الدين الشيعة ممن تعاقبوا على زعامة الحوزة العلمية في النجف، قلقا إضافيا لدى المتخوفين من النفوذ الإيراني في العراق، فآيات الله، الشيرازي، والخوئي، والسيستاني، والطباطبائي، ينحدرون من مدن إيرانية معروفة. وبرغم توطنهم في العراق لعشرات السنين، إلا أن المتخوفين من النفوذ الإيراني، ما زالوا يعتبرونهم امتدادا لإيران، وهيمنة إيرانية يمكن أن توجه الرأي العام العراقي وجهة بعيدة عن الاتجاه الوطني للعراق. رجل الدين، علي الحسيني، من حوزة كربلاء تحدث عن مفارقة في هذا الاتهام "المغلوط، فكل مؤسسي المذاهب الإسلامية ما عدا المذهب الجعفري الإثني عشري هم من الإيرانيين. ومع ذلك لايمكن لأحد اتهام اتباعهم بالتبعية لإيران". ولا يجد الحسيني، في إثارة المخاوف من النفوذ الإيراني بكربلاء، أمرا منطقيا، ويشير إلى أن المدينة تستقبل الزوار من مختلف دول العالم، وليس من إيران فقط، ويصفها بـ"المدينة العالمية". وتدفع إيران دوما اتهامها بالتدخل في شؤون العراق، وتعتبره نوعا من الحملة الدعائية ضدها. وفي مطلع حزيران يونيو الماضي وصف نائب الرئيس الإيراني، لشؤون الرياضة والشباب، محمد علي سعيدي، خلال زيارته لكربلاء، تلك الاتهامات بـ "الكاذبة". وإلى جانب غزو البضائع الإيرانية أسواق العراق، شكل الحضور الإيراني المتمثل بآلاف الزوار ممن يقصدون كربلاء أسبوعيا، منذ 2003 علامة فارقة، فالمدينة تستقبل نحو خمسة آلاف زائر إيراني أسبوعيا تنظم دخولهم هيئة الحج والزيارة الإيرانية عبر شركة اسمها "شمسا". وتوفر لهم الحماية شركات خاصة يعمل فيها أشخاص من المدينة، بإدارة أحزاب سياسية كانت في إيران، بعد أن تعرضوا مرارا للاستهداف الدموي من جهات مسلحة متشددة تابعة لتنظيم القاعدة. ولهذا التدفق البشري الإيراني، فوائد اقتصادية لا يمكن إنكارها، على الأقل بالنسبة لأصحاب الفنادق والمحال التجارية والبسطات. حيدر موسى، صبي في الـ 11 من العمر، يستيقظ صباحا ليدفع عربة مصنوعة من الخشب يجول بها في طرقات وأزقة المدينة، ولا يتوقف إلا لالتقاط الأنفاس، أو عند حواجز التفتيش التي تقطع المدينة إلى أجزاء صغيرة، بهدف حفظ الأمن ومنع دخول الأسلحة والمتفجرات. بهذه العربة، ينقل حيدر الزوار الإيرانيين من كبار السن ممن لا يمكنهم السير لمسافات طويلة نسبيا. ويجني هذا الصبي من المال يوميا ما يمكنه من إعالة أسرة مكونة من والدته وأخواته الثلاثة، بعد فقدهم الأب في أعمال العنف قبل ست سنوات. ويجيد حيدر اللغة الفارسية بنسبة جيدة لكثرة اختلاطه بالزوار الإيرانيين، "فهم يرغبون بالتعامل مع من يحكي معهم بلغتهم" على حد قوله. وهو لا يجد مشكلة في تقاضي أجوره من زبائنه الإيرانيين بالعملة الإيرانية "التومان" واستبدالها فيما بعد بالعملة المحلية، إذ يقول إن "مكاتب الصيرفة كثيرة". وبجولة قصيرة مع هذا الصبي، يمكن ملاحظة العديد من العبارات الإيرانية معلقة عند أبواب الفنادق، أو مكاتب الهاتف للفت انتباه الإيرانيين، بهدف الاستفادة منهم ماديا. لكن اللغة لم تكن الوحيدة التي ستصبح مع الزمن حلقة مشتركة بين عراقيين في كربلاء والزوار الإيرانيين، فهناك أيضا ممارسات اجتماعية إيرانية انتقلت إلى كربلاء، مثل ركوب النساء الدراجات النارية خلف أزواجهن، وارتداء بعض النساء الشادور الإيراني بدلا من العباءة العربية. ويأتي الشادور على شكل قطعة مربعة من القماش تستر بها النساء الإيرانيات أجسادهن وهي تختلف عن العباء النسائية العربية التي ترتديها المرأة الكربلائية عادة مثل البردة. ومن المواطنين من يعتقد أن الزوار الإيرانيين يحظون بالاحترام والحرية في ممارسة شعائرهم بكربلاء، بعكس الزوار العراقيين ممن يقصدون إيران لزيارة العتبات الدينية الشيعية هناك. أبو كوثر، وهو صاحب مطعم بالقرب من العتبات الدينية وسط كربلاء، زار إيران ثلاث مرات بهدف السياحة الدينية واستمرت سفراته الثلاث نحو شهرين مجتمعة، يصف تعامل أصحاب الفنادق وعددا من أصحاب المحال التجارية الايرانية مع العراقيين بأنه "استعلائي"، ويضيف: "إنهم يعاملوننا بغرور، ويسموننا عربو". ويتجول الإيرانيون بحرية في مركز كربلاء، أو ما تعرف بالمدينة القديمة التي تضم مرقدين دينيين تاريخيين مرصعين بالذهب. ويبدؤون حال وصولهم المدينة، وبعد الاستقرار في أحد الفنادق، بالبدء بمراسم الزيارة، فيشكلون مجموعات يتقدمها عادة رجال دين، أو أشخاص يجيدون قراءة الأدعية والترنم بها، ويتجهون مشيا على الاقدام نحو ضريحي الإمامين الحسين والعباس بن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، وقد قتلا مع العشرات من أهل بيتهما وأصحابهما في واقعة الطف التاريخية المعروفة سنة 61 هـ. وتعد إيران البلد الأول والوحيد الذي افتتح له قنصلية بكربلاء، فيما يبقى السؤال الأبرز حول حدود التواجد الإيراني في العراق، فهل سيبقى في إطار التبادل التجاري والسياحي، أم سيتعدى ذلك إلى مساحات محظورة، خصوصا وأن العراقيين في أقصى جنوب العراق يشكون من توسع بحري إيراني على حساب المياه العراقية، إلى جانب التوسع الكويتي، فيما قامت إيران باحتلال حقل الفكة النفطي شرقي العمارة في 2009 وتدعو لإعادة ترسيم الحدود بين الجانبين وتتهم بإعداد وتسليح ميليشيا خاصة بها، تخشى أوساط عراقية أنها ستتدخل بقوة في العراق بعد الانسحاب الأمريكي. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ عباس سرحان
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|