نقاش : تساؤلات عديدة تطرحها الأوساط المهتمة بمعالجة الفساد المالي والإداري في العراق حول نزاهة فرق هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العامين التابعين لها، والتي تقوم بإجراء التحقيقات في قضايا الفساد الحكومي.
فوسائل الإعلام المحلية تتناقل بين الحين والآخر أخبارا حول نفي هيئة النزاهة وجود فساد مالي او اداري في احدى المؤسسات التي سبق أن أذيع عن وجود حالات فساد فيها. هكذا تعلن براءة هذه الجهة او تلك دون أن تفصح الهيئة عن خفايا التحقيق.
أصابع الاتهام في عدم الكشف عن الفساد في مثل هذه الحالات غالبا ما تشير الى فرق التفتيش التي ترسلها الهيئة، للتحقيق في تلك القضايا.
عقيل الطريحي المفتش العام في وزارة الداخلية لا ينفي وجود فساد بين تلك الفرق، فهم "ليسو ملائكة" على حد قوله، وقد يخضعون للإغراءات سيما أن "غالبية الفاسدين يلجؤون إلى عرض الأموال عليهم للتستر على القضية".
وبحسب الطريحي، تتخذ مكاتب المفتشين العامين التابعين للهيئة أساليب عديدة لمنع حصول تلاعبات، من بينها أن يكون حجم الفريق كبيرا، وأن يتم تقديم الدعم المالي الكافي له كي لا يضطر إلى اخذ الرشوة، حيث يتقاضى المحقق مخصصات نقل، ومخصصات خطورة إضافة إلى رواتب الموظف العادي.
وفي الوقت الحالي، تستعين مكاتب المفتش العام في وزارة الداخلية بفرق تضم نحو 10 أشخاص في حين كانت الفرق سابقا تضم بين 3 إلى 5 أعضاء.
ويضيف الطريحي في هذا الصدد: "حينما تردني شكاوى محددة حول حالات فساد في وزارة الداخلية أو بعض الدوائر التابعة لها أقوم بتشكيل فريق أكبر من المفتشين كي اضمن عدم تقاضيهم الرشوة".
هيئة النزاهة التي تشكلت سنة 2004 كهيئة مستقلة تتبع للبرلمان العراقي إلى أن قررت المحكمة الاتحادية العليا ربطها برئاسة مجلس الوزراء مطلع العام الحالي. وهي غاليا ما تكتفي بالتصريح عن حالات الفساد الحكومي دون التطرق إلى حالات الفساد داخل الهيئة نفسها.
لكن بعض الشكاوى ترد إلى وسائل الإعلام من متظلمين يتحدثون عن تواطؤ موظفين في الهيئة مع الفاسدين.
من بين هذه الحالات الشكوى التي قدمها موظفين في اتحاد نقابات العمال في كربلاء قبل نحو ستة أشهر.
واشتكى العمال في ذلك الوقت من اختلاس الهيئة الإدارية لرواتبهم، فضلا عن انفرادها بواردات الإتحاد التي تصل الى اكثر من عشرين مليون دينار شهريا. وانتهت تلك القضية بحكم هيئة النزاهة لصالح الإدارة، قبل أن يتم اكتشاف تقاضي لجنة التحقيق الرشوة في مقابل صمتها عن الفساد.
ويؤكد مصدر مطلع في هيئة النزاهة لـ"نقاش" أنها لا تعلن عن وجود حالات فساد فيها "كي لا تهتز ثقة الرأي العام بها"، ويضيف أن الهيئة "تتابع عن كثب موظفيها وقد كشفت عدد من حالات الفساد بين فرق النزاهة في وقت سابق وقامت باستبعاد من ثبت تورطهم وتحويلهم للمحاكمة".
ويضيف المصدر أن الهيئة تحرص على انتقاء "موظفين يتمتعون بسمعة جيدة، وتحصيل علمي عالي، فضلا عن مطالبتها المرشحين بجلب كتب تزكية من المنطقة التي يعيشون فيها من جهات متنفذة مثل المختار والمجلس البلدي وغيرها".
وبحسب تصريحات مسؤولين في الهيئة، فإنها أصدرت في العام الماضي 4082 أمر استدعاء بحق مطلوبين بينهم 197 بدرجة مدير عام وما فوق، كما أصدرت 3710 استدعاء في 2009 بينهم 152 بدرجة مدير عام وما فوق.
كما يشير موقع الهيئة الرسمي إلى أن عدد المحالين إلى المحاكم في عام 2010 بلغ 2322 دعوى تنطوي على فساد تصل قيمته الإجمالية إلى 31 مليار دولار، وأن أعلى عدد للموظفين المحالين كان لوزارة الدفاع تليها وزارة الداخلية ثم وزارة البلديات والإشغال.
وعلى الرغم من الإجراءات التي تقوم بها الهيئة بالتعاون مع مكتب المفتش العام المتواجد في كل وزارة، إلا أن العراق ما زال يصنف في المرتبة الرابعة بين أكثر دول العالم فسادا بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2010.
ويعزو بعض العاملين مع فرق النزاهة هذا الأمر إلى ضلوع أطراف سياسية عديدة في عرقلة التحقيقات ومنع استمرارها.
وتقول أنوار مصطفى إحدى الموظفات السابقات في مكتب المفتش العام في وزارة البيئة إنها تركت عملها بعد تعرضها للتهديد من قبل جهة حزبية متنفذة حاولت إغراءها بالتخلي عن التحقيق.
وتضيف "في البداية لم اخضع للضغوط، لكن تلك الجهة ارسلت لي رسالة شفوية مع احد الأشخاص المقربين مفادها أن "علي تقاضي الرشوة وتمرير القضية، او انتظار عواقب اصراري على التحقيق".
ورغم رفضها كشف هوية الجهة التي قامت بتهديدها قالت أنوار أنه "صاحب احد المعامل الذي تسبب في تلوث بيئي بسبب رميه المخلفات في مياه دجلة فضلا عن استخدامه للوقود الملوث، وهو مرتبط بجهة حزبية من الصعب الوقوف بوجهها".
وتقول أنوار بعض زملائها كانوا يتقاضون الرشوة للتخلص من التهديد وليس بهدف الرشوة ذاتها، "فاذا ما وافق عضو أو اثنين فيها على تقاضي الرشوة مقابل اغلاق ملف الفساد فإن الاعضاء الباقين لا يملكون الكثير من الحلول فأما ان يقوموا بتقديم شكوى على زملائهم أو يتقاضون الرشوة كما فعلوا أو ان يقدمون استقالتهم". |