هناك من يعبر عن خوف حيال امكانية اتساع نطاق الاحتجاجات في العراق. وأنا شخصيا يصيبني خوف احيانا من التسارع في الاحتجاجات الاقليمية، بعد عمر لم نر فيه سوى الحرب والتشرد. ولكن ما العمل، اذا كان على منطقتنا ان تسدد ديون تاريخ طويل من التخلف، لتجرب وصفة ثانية وثالثة بهدف الخروج من الانسداد؟
الامر يعني ان على شعوب المنطقة ان تدخل حقبة جديدة سمتها مستقبل مفتوح على سيناريوهات بعضها مخيف. لكنه دين قديم على الشعوب ينبغي ان تسدده، او تظل مختبئة في جحور الانظمة السلطانية.
ألم يكن بعضنا خائفا من سقوط صدام حسين؟ لقد تحققت بعض مخاوف هؤلاء وشهد العراق مآسي كبيرة بعد 2003، لكن غيرهم يقول ان هذا هو حل وحيد لمحاولة التغيير، بعده نتعلم من اخطائنا ونقوم اثر كل سقطة.
وفي العراق يعتقد كثيرون ان بلدنا يخلو من تقاليد الاحتجاج السلمي المؤثر. لكن هذا لا ينبغي ان يتحول الى سبب للتضييق على المتظاهرين. ذلك ان خروج الناس على شكل احتجاجات قوية ومؤثرة شرط ان تكون سلمية، امر ملازم للديمقراطيات القوية. انه امر علينا ان نبدأ بتعلمه عاجلا ام آجلا. فإذا كنا كمحكومين وحاكمين، لم نتعود على هذا، فعلينا ان نستعد لتجربته حتى النهاية، وهو ما يفترض ان يكفل "تدريبا" كافيا على انتاج شكل متحضر للاحتجاج.
ارتكب المتظاهرون وسيرتكبون "اخطاء" كثيرة، لكن الوقوع في الخطأ هو حل وحيد للتعلم. وكما صبرنا اعواما على اخطاء الطبقة السياسية التي لم تنته، فإن علينا كما يبدو ان نصبر على اخطاء المحكومين الغاضبين والساخطين.
بل ان السياسي الذي يطالب الجمهور بالصبر ومنحه عاما اضافيا كي يحقق المنجزات، عليه ايضا ان يمارس هو الصبر ويسمع صوت الجمهور، كي يتاح له ان يتخيل كيف يمكن للافراد العاديين ان يعترضوا لو استمرت الامور مخيبة لآمالهم.
تجربة الانصات لأصوات المحتجين وتحمل الاخطاء التي تشوب التظاهرات وحتى الاستعداد لحصول بعض المغامرات والمفاجآت، هو تسليم ضروري بأن الامور لا بد ان تسير بهذه الطريقة لتأخذ بالتحسن فيما بعد.
بل ان الاحتجاجات حين يتطور اداؤها ونتدرب عليها جيدا، ستكون عونا لأي عملية تصحيح "يتمنى" رئيس الوزراء او سواه من الساسة، ان تتحقق.
المحاصصات والتوافقات حتى داخل حزب رئيس الحكومة وباقي الاحزاب، تمنع من إبعاد شخص فاسد او غير كفوء، وتعرقل محاسبة المتلكئ. لكن الاحتجاج الشعبي القوي يمكنه ان يمثل ضغطا على الجميع لاتخاذ اجراءات لا بد منها في هذا الاطار. ولذلك فإن ملاحظة القلق الذي يتملك الحكومة هذه الايام، تجعل الكثيرين يفرحون، فلعل هذا القلق يؤدي الى "صحوة" حكومية او ينبه الى غفلة تتحول الى اداء افضل لاحقا.
الخوف الذين نراه من حصول شغب او "اندساس" اعداء العملية السياسية، بالمظاهرات تخويف غير مبرر كثيرا. فكما "تدرب" الساسة على القيادة وارتكبوا اخطاءهم، فإن شريحة واسعة تعتقد اليوم ان عليها ان تأخذ فرصتها في "التدرب" على الاحتجاج الضامن للديمقراطية السليمة، وكما دفعنا ثمن اخطاء الكبار، فعلينا ان ندفع برحابة صدر ثمن اخطاء الجمهور.
وبشأن "المندسين" المحتملين، نتساءل: ألم يتسلل "اعداء الديمقراطية والحرية" الى العملية السياسية ذاتها؟ لماذا نريد مظاهرات "نظيفة" مائة بالمائة، بينما نمنح الفرصة للعملية السياسية كي تتطور وتنظف نفسها ذاتيا ومع الزمن؟
بدلا من ان نستخدم المخاوف لتثبيط الناس، يمكن استثمار الخوف ذاته في الدعوة عبر وسائل عديدة، الى تقاليد سلمية للاحتجاج. وهذا لن يكفي وحده، اذ على الحكومة ان تدرب رجالها ايضا، وبشكل مكثف، على التعامل بشكل سلمي مع المتظاهرين.
آخر خبر قرأته يقول ان رئيس الوزراء يحذر من "مخربين" سيرتدون زي الشرطة للاعتداء على المتظاهرين. ودون تعليق كبير، اسجل ان مسؤولية الكشف عن هذا "الخرق الامني" تقع على عاتق قائد القوات المسلحة، اما اذا اعتدى "مرتدو زي الشرطة" على الفتيان، فهذا عجز امني يستحق استجوابا لكبار القادة. |