أصدرت مجموعة كبيرة من المثقفين العراقيين بياناً جديداً أكدوا فيه على "محنة" الحرية والديمقراطية في العراق. واجتمع العشرات من المثقفين العراقيين بالقرب من نصب شهريار على حدائق ابي نؤاس وسط بغداد أمس لتلاوة بيانهم الذي وقع عليه المئات من المبدعين العراقيين داخل وخارج العراق بدعوة من اللجنة المنظمة التي ضمت لجنة من المثقفين الذين خولهم الموقعون لكتابة البيان.
وتأتي خطوة المثقفين العراقيين هذه مع تصاعد موجات الاحتجاج السلمي التي دعا لها شباب عراقيون من أجل القضاء على مظاهر عدوها خيانة للحلم الديمقراطي، وفي الوقت ذاته تأكيداً لرغبة مثقفي البلاد في الانتصار لأبناء شعبهم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد.
وقال بيان المثقفين: "فيما العواصف السياسية تضرب من حولنا في تونس ومصر وبقية بلدان المنطقة، حيث بدا للمرة الأولى أن معركة الحرية السياسية والديمقراطية التي بدأها العراق أثمرت، وأظهرت في الأقل صحة ما جادل به العراقيون أشقاءهم العرب بشأن النظام الدكتاتوري السابق، نجد نحن جماعة من المثقفين العراقيين أن الديمقراطية والحرية السياسية في بلدنا تمرُّ بمحنة حقيقية."
وأضاف البيان: "لقد عُطِّلت الدولة طيلة ثمانية شهور لتولد بعدها حكومة أكثر محاصصة من سابقتها، ومن ثمَّ فهي أكثر عجزاً عن حلِّ أية مشكلة، وما زالت هذه الحكومة تنتظر توزيع وزاراتها الأمنية والخدمية المهمة بعد بأسلوب متهافت ومفضوح نتوقع منه أن تتمخض عنه اختيارات تتصف باللامهنية وتصب في مصلحة أهداف حزبية ضيقة. لقد سرق سياسيون هواة الوقت من حياة العراقيين من أجل حصصهم في الوزارات والمؤسسات؛ ولأن أهدافهم لا تتعدى مصالحهم فهم حتى الآن لم يلبوا أقل احتياجات المواطنين في الأمن والكهرباء والسكن والصحة والتعليم والغذاء والخدمات وغيرها.
لقد جرت في بلدنا انتخابات نيابية لمرتين، وكانت النتائج في المرتين متماثلة، من حيث المحاصصة وتوزيع المناصب بطريقة غير مهنية. إن التجربة علمتنا في هاتين المرتين، أن النظام السياسي المتولد عنهما لم يستطع أن يبني الدولة العراقية، بل العكس أجهز على نسيجها المهني لمصلحة السياسي والمؤقت والفاسد، كما أنه لم يحقق شيئاً يذكر في كل ميادين الاقتصاد والتعليم والصحة والصناعة والزراعة والكهرباء.
وإذا كان الوزراء لا يُبلْغون عن الفاسدين والمرتشين في وزاراتهم، فهل نتوقع قيام هؤلاء الوزراء بواجباتهم المهنية؟ فهم إذنْ متورطونَ بهذا الفسادِ لأنَ التستُّرَ عليه هو شكلٌ من أشكالِ الحمايةِ والمشاركةِ. إن الفساد يعمَّم، وتبدو سلطة المال الآن متطامنة أكثر مما مضى مع سلطة السياسة التي يقودها الهواة. والحال ان الارهاب الذي حول عاصمتنا الجميلة ومدننا الحبيبة إلى مجموعة من الجزر التي تفصل بينها الجدران الكونكريتية العازلة، هذا الارهاب الذي تنفقُ الحكومة الملايين من أجل محاربته، ينمو يومياً وسط البؤر الفاسدة التي تتعاون فيها سلطتا السياسة والمال. إن كل الكلام الحكومي عن محاربة الارهاب والعنف في المجتمع هو محض هراء ما دامت الحكومة تعيد انتاجه من خلال فساد إدارتها، وإخفاقها الفاضح.
إننا نشهد اليوم، النتائج الحقيقية لاختزال الديمقراطية إلى مجرد انتخابات تجري كل أربع سنوات، ترتفع فيها حمى الصراع والتنافس ثم تقاسم المغانم، ما من هدف حقيقي واحد تحقق على مستوى بناء الدولة المدنية، ما من مكسب مؤكد تحقق، حتى المكاسب المادية تتآكل بفعل تدني الخدمات. إن من يهيمن على الدولة الآن هو نظام سياسي عاجز عن تحقيق أي هدف موضوعي غير ما يقدمه من مكاسب إلى الأحزاب والسياسيين الذين حولوا الدولة إلى بقرة حلوب. هؤلاء بسبب القوة التي باتوا يتمتعون بها، قوة المال والموقع الإداري والسياسي، لم يعودوا مخلصين لأية قضية شعبية عادلة، فما بالكم بقضية الديمقراطية والحريات المدنية والثقافية؟
إننا نذكّر هنا بالماضي القريب حين قام النظام السياسي في الحقبة الدكتاتورية المقيتة بالهيمنة على الدولة، فأدى سقوطه الى سقوط الدولة، ها نحن نجدنا في دورة سياسية جديدة يكرر فيها السياسيون الخطأ نفسه لكن بشعارات الديمقراطية، ما يضفي جواً من النفاق السياسي، ويخلق لا مبالاة كاملة لدى مواطنين لم يحصدوا حتى الآن غير العنف والحرمان والتسويف وتضييعِ فرصِ التقدّمِ والبناءِ.
نحن نرى أن الأفق السياسي يبدو مشوشاً جدا في ظل عجز حكومي، ومحاولات متكررة لثلم الحريات المدنية التي تجري تحت ذرائع تتصف بالوقاحة، والفساد الذي ينخر جسد الدولة، وانعدام المسؤولية الذي تتصف به النخب السياسية المهيمنة، والارهاب الذي ينتقي بين الحين والحين أهدافاً حيوية. ازاء كل هذا نخشى نحن مجموعة من المثقفين العراقيين من أن تصل أوضاع بلدنا إلى الحافات السياسية الخطرة، من هنا نحذر الحكومة والبرلمان من مغبة استمرار هذه الأوضاع. وهذا بعضٌ من مسؤوليتِنا الثقافيةِ والأخلاقيةِ والوطنيةِ أمام شعبِنا؛ ما يجعلُنا مطالبين بالوقوفِ مع نضاله من دون تردد دفاعاً عن خبزه وحريته وكرامته الوطنية وحقوقه المدنية والديمقراطية.
إن الحراك الجماهيري الذي يشهده العراق هذه الأيام يعني فيما يعني أن العراقيين الآن أكثر يأساً من الحكومة والبرلمانيين، فهاتان المؤسستان ثَبُت تخبطهما ومن ثم عجزهما، فهما يدوران على أنفسهما ومصالح أفرادهما، بينما تقوم قوى غير ديمقراطية بتفسير القوانين على طريقتها وتحوّل الديمقراطية إلى شعار زائف.
إننا نحن المثقفين نقف مع شعبنا في نضاله المدني العادل المشروع ومطاليبهِ العادلةِ:
أولاًـ مع شعبنا في توفير الأمن..
ثانياً ـ مع شعبنا في توفير العمل لآلاف العاطلين، ومعالجة الأخطاء الاقتصادية..
ثالثاً ـ مع شعبنا في مطالبه بالقضاء على الفقر..
رابعاً ـ مع شعبنا في صون حرية التظاهر وإبداء الرأي..
خامساً ـ مع شعبنا في تطهير الدولة من الفاسدين والمفسدين واتخاذ إجراءات قانونية قوية لمعاقبتهم..
سادساً ـ مع شعبنا في تخليص إرادته المدنية من تلاعب الطائفيين والمعادين للديمقراطية والعملية السياسية..
سابعاً ـ مع شعبنا في بناء دولة تحتكم للقانون والعدالة وتمنع المتاجرين بمؤسساتها..
ثامناً ـ مع شعبنا في توفير الغذاء والصحة والتعليم والخدمات..
تاسعاً ـ مع شعبِنا في إصلاحِ التشكيلةِ الوزاريةِ على أساسِ الكفاءةِ والمهنيةِ والنزاهةِ وإلغاءِ الحقائب والمناصب الوهمية التي تتسبب بإهدار المال العام.
عاشراً ـ مع شعبِنا في محاكماتٍ علنيةٍ عادلةٍ للمتورطين بقضايا الفسادِ المالي والإداري.
حادي عشر ـ مع شعبِنا في تسريع إنجازِ القوانينِ والتشريعاتِ وإجراءِ التعديلاتِ الدستورية بما يضمن الرفاهَ والازدهار.
ثاني عشر ـ مع شعبِنا بضرورةِ تقديمِ الحكومةِ برنامجاً زمنياً معلناً عن خططها لإنهاءِ أزماتِ الكهرباءِ والإسكانِ والصحة والتربية والتعليم والقطاعين الصناعي والزراعي وجميع الخدمات.
فضلاً عن تأكيدنا على مسؤولية الحكومة القائمة حالياً في حفظ أمن وسلامة المتظاهرين بشتى أطيافهم وتوجهاتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، من كل ما يمكن أن ينحرف بسلمية هذه التظاهرات إلى ما هو غير مدني وديموقراطي ودستوري.. وحمايتِها من المتربصينَ بها من اللصوصِ والمنحرفينَ سيئي النيةِ والطامعينَ باستغلالِ مثل هذهِ التظاهراتِ للارتدادِ عن الديموقراطيةِ والمكاسب الدستورية.
كما نهيب باخوتنا وأبنائنا من المتظاهرين أن يتمسكوا بطرق وأشكال التعبير السلمية تمسكهم نفسه بحقوقهم ومبادئهم المشروعة التي خرجوا من أجلها. ونشدِّد على مؤسساتنا الحكومية التشريعية منها والتنفيذية بضرورة الاسراع إلى تلبية مطاليب الشعب على وفق خطط واقعية ملموسة سريعة وعاجلة من دون إهمال الأبعاد التنموية طويلة الأجل. |