|
|
مظاهرات الشارع العراقي.. من المطالبة بمحاربة الطائفية إلى تحسين الخدمات |
|
|
|
|
تاريخ النشر
07/02/2011 06:00 AM
|
|
|
«كلا كلا للإيفاد.. كلا كلا للفساد».. تكاد تكون هذه اللافتة التي رفعها موظفو وزارة الاتصالات وسط بغداد واحدة من بين أكثر اللافتات نموذجية في الشارع العراقي الآن. فهذه اللافتة وسواها العشرات من الشعارات التي رفعها المواطنون العراقيون في مختلف المدن والمحافظات خلال الأيام القليلة الماضية حلت محل لافتات كانت الأولوية فيها لما هو سياسي مع قدر كبير ومراوغ من المجاملة الاجتماعية على شاكلة «إخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن منبيعه». وعلى الرغم من خروج العراقيين خلال السنوات السبع الماضية بمئات المظاهرات البعض منها يطلق عليه «المظاهرات المليونية» سواء في العاصمة بغداد أو المدن والمحافظات الأخرى، فإن كل تلك المظاهرات كانت عملية تنظيمها معروفة من قبل أحزاب وقوى سياسية ودينية تهدف إما إلى نوع من استعراض القوة وإما تصفية حسابات مع جهات أخرى مثلما حصل في مظاهرات الكهرباء الصيف الماضي التي تمثلت الاستجابة لها في إقالة وزير الكهرباء آنذاك كريم وحيد. والمفارقة التي لفتت الانتباه أن رئيس الوزراء نوري المالكي الذي قبل استقالة الوزير كان على ما يبدو مجبرا تحت إلحاح المتظاهرين على التضحية به، حيث إنه وصفه بعد يومين من إقالته بأنه واحد من أكفأ وزرائه التكنوقراط. وإزاء جو «مكهرب» كهذا فإن الحكومة لم تستطع إقناع المتظاهرين بـ«كفاءة» الوزير فاضطرت إلى التضحية به بعد أن بدا هو وحده كبش الفداء. وكانت هذه إشارة واضحة من المالكي للمتظاهرين بأنه غير مقتنع بالمظاهرات ويعرف أهدافها الحقيقية. ومن جانبهم فإن المتظاهرين الذين شيعوا الكهرباء عبر تابوت رمزي اضطروا إلى دفع ثمن باهظ تمثل في مقتل مواطن جراء إطلاق نار عليه من قبل قوات الشرطة فتحول التابوت الرمزي إلى تابوت حقيقي. ما حصل بعد تلك المظاهرات التي حصلت في عز الصيف هو موت مواطن وزيادة ساعات القطع طوال ذلك الصيف الذي كان الأسوأ على العراقيين منذ عقود طويلة من الزمن. فرئيس الوزراء اضطر هو الآخر لكي لا تتكرر تلك الحكاية مرة أخرى إلى مصارحة الناس بأن المظاهرات وحدها لا تحل مشكلة الكهرباء. وفي وقت أعلن فيه قيادي بارز في أحد الأحزاب من أن مجموع ما تم إنفاقه على الكهرباء طوال السنوات الماضية كان 27 مليار دولار فقد أسقط بأيدي المتظاهرين.. فلا الوزير الكفء كان قادرا على مدهم بالكهرباء، ولا الـ27 مليار دولار. ما يميز مظاهرات هذه الأيام أنها ذات بعد خدماتي واضح وجلي وحتى الآن ليست مسيسة. فهذه المظاهرات جاءت على أثر ما اعتبرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنها «عاصفة على الشرق الأوسط» استنادا إلى ما حصل في تونس ومصر، وهو بخلاف ما كانت تعتقده الإدارة الأميركية عبر ما سمته النموذج العراقي المتمثل في الديمقراطية. وخلال السنوات الماضية، لا سيما سنوات العنف الطائفي خلال أعوام 2006 ـ 2008، كان العراقيون يتظاهرون في النهار رافعين شعار «إخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن منبيعه»، و«يتذابحون» ليلا على الهوية، حتى بدت المهمة الوحيدة للشرطة الوطنية خلال تلك الأعوام هي إحصاء أعداد الجثث التي كانت تعثر عليها صباح اليوم التالي في عموم العاصمة بغداد وتودعها لدى الطب العدلي بكل أمانة. وطبقا لعوامل عديدة أبرزها إدراك الناس أن الطبقة السياسية التي أمسكت منذ عام 2003 بزمام الأمور كلها في البلاد، بدت، طبقا للتقارير والوقائع والوثائق، هي المستفيدة الوحيدة عبر ما تدره السلطة ومناصبها بدءا من عضوية البرلمان صعودا من امتيازات لا حدود لها. ولا فرق هنا على صعيد الامتيازات بالنسبة إلى المسؤولين بين شيعي أو سني، كردي أو عربي أو تركماني أو من أي طيف أو قومية أو دين. وعقب الانتخابات الأخيرة حدث تغير كبير في مزاج الشارع العراقي بعد أن أدرك أن كل الوعود التي كالها المسؤولون له طوال فترة الانتخابات ذهبت أدراج ملفات الفساد التي جعلت العراق في مراتب متقدمة، وهو أمر بات المسؤولون أنفسهم يعترفون به. الأمر اللافت في مظاهرات اليوم التي ما زالت عصية على التسييس أنها تعبر عن واقع الخدمات المتردي في البلاد وهو ما جعل الحكومة تسارع إلى اتخاذ إجراءات سريعة، سواء على صعيد الانتباه إلى ما باتت تطرحه المظاهرات من مشكلات جدية تتطلب حلولا عاجلة، أو في محاولة لقطع الطريق أمام أي جهة يمكن تدخل على خطها وتحرفها عن مسارها بحيث تتحول إلى نوع من تصفية الحسابات، وهو ما يعني الدخول في دوامة جديدة قد لا تحمد عقباها هذه المرة. الإجراءات الحكومية تمثلت أولا في مبادرة رئيس الوزراء نوري المالكي بتخفيض راتبه إلى النصف، وهو ما يتوقع أن يحذو الرؤساء الآخرون حذوه، وخصوصا أن رئيس البرلمان أسامة النجيفي أعلن تأييده للخطوة، داعيا مجلس الوزراء إلى إصدار قانون خاص بذلك وإحالته إلى البرلمان لإقراره. وفي وقت دعا فيه عدد كبير من أعضاء البرلمان إلى توزيع نحو ربع الموازنة العراقية على الشعب مباشرة، فإن المالكي أمسك برأس الخيط وذهب في اليوم التالي إلى محافظة بغداد ليعلن من هناك أن مجلس الوزراء أصدر قرارا بمنح كل مواطن عراقي مبلغا قدره 15 ألف دينار عراقي (13 دولارا أميركيا) بدل تعويض عن نقص مفردات البطاقة التموينية. وفي وقت يتوقع فيه أن تستمر المظاهرات تحت سقف المطالبة بالخدمات، وخصوصا أنها المرة الأولى التي تحصل فيها استجابات سريعة، فإن كل التوقعات تشير إلى احتمال حصول إجراءات أخرى لتهدئة غضب الشارع الذي لا يريد الآن سوى الماء والكهرباء والوجه الحسن للمدن والأحياء والقصبات. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ حمزة مصطفى
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|