|
|
دوخة الأسماء.. وما أدراك مالأسماء ! |
|
|
|
|
تاريخ النشر
08/01/2011 06:00 AM
|
|
|
الأسماء وما أدراك ما الأسماء..عشنا دهوراً من حياتنا نحن العراقيين نسمع الأسماء تتلى ثم تتلى من المذياع وقت الظهيرة لمفقودين وشهداء ووزراء وطلاب ومهمومين ومجانين ..ودائماً كانت الأسماء الثلاثية تتعارض وتتناحر ثم تتغير وتتناحر من جديد لتستجد مشاكل جديدة وتقوم معارك كبرى وتتغير الأسماء مرة أخرى..وغداة الحرب الأمريكية على العراق تطايرت الأسماء والأوراق والأسفار في الهواء الهاب ثم ذهبت أدراج الدخان الأسود ، وقد أخبرني أحد الزملاء القدامى الذين طاروا إلى تلفات الدنيا، أن صاحب الكشك المجاور للوزارة جاءه بكتاب رسمي فيه أسم ذلك الزميل مكتوباً في قرار تعيين وقد حط ذلك الكتاب الرسمي بالقرب من الكشك مع ماتطاير من أوراق الوزارة بفعل عصف شديد من عواصف الذاكرة .....ويشتهر العراقيون بسرعة حفظهم للأسماء الجديدة بمثل شدة حنينهم للأسماء القديمة ..ليس بسبب مللهم السريع من المسميات حسب، ولكن لأنهم تعودوا على أن تكون الذاكرة مصدر إحراج للجميع حكاماً ومحكومين ويكاد يكون هناك مرض سياسي (عراقي) مزمن سببه الرئيس ليس التدخين وإنما الإفراط في الخجل من الذاكرة حتى بالنسبة لأكثر الحكام موضوعية ونزاهة..ولهذا، بعد كل تغيير، يجب أن تحرق هذه الذاكرة بقضها وقضيضها وتحترق الأسماء والأوراق والأشياء وتتطاير في الدخان الذي لاينجلي.. (وفي معجم لسان العرب فان القض هو الحصى الكبير والقضيض هو الحصى الصغير) ... يحدث هذا في العراق فقط .. وبعد كل خطوة يخطوها التاريخ إلى اليمين أو إلى اليسار أو الى الأمام أو إلى الوراء ..’تنفض هذه الذاكرة نفضة شجرة لالنكي رقيق القشرة فتتغير الأسماء ويحترق الأخضر واليابس ويشتعل (أبو أبو) الصغير مع الكبير ..لماذا ؟؟؟لاأحد يريد أن يعترف بالرغم من أنه يعرف.........شارع الجمهورية تبدل اسمه ثلاث مرات في غضون عشرين عاماً ،بينما ساحة الطرف الأغر في لندن لازالت تحمل الاسم نفسه منذ مئتي سنة منسوباً إلى الانتصار الانجليزي الكبير في معركة الطرف الأغر البحرية والتي دَمر فيها الأسطول البريطاني أسطولي فرنسا وأسبانيا عام 1805م ......قرنان من الزمان وهذه الساحة يتوسطها تمثال ضخم لقائد المعركة اللورد نيلسون، محاطاً بأربعة أسود برونزية ومجموعة من النوافير والتماثيل المتباعدة ،تحمل الاسم نفسه. هكذا هو الأمر مع العشرة داوننغ ستريت أو قصر الإليزيه أو الكرملن أو البيت الأبيض. ومادام هذا حالنا مع الأسماء ..حبذا لو يتم التخلي عن استعمال اسم المنطقة الخضراء للدلالة على مقر الحكومة واستبداله باسم آخر أقل استفزازاً لنا نحن العراقيين الذين نعيش بين الأزبال والحفر وأسراب الذباب..صحيح أن تلك المنطقة موجودة ومأكولة ولكنها أحياناً مذمومة مكروهة ..لأنها ارتطبت في أذهاننا بأجواء مقيتة فاتت من فترات الحرب واحتلال العراق وتأسيس مجلس الحكم وبداية فلم الرعب الذي يعيشه هذا الشعب المسكين لحد الآن ..إن عزل السياسيين لأنفسهم في ولاية أخرى لايمر بها الذباب ولايزورها الناس ولايعرفون عنها شيئاَ سيبرر دائماً فكرة أولوية الحياة الأمنية للمسؤولين الكبار في العراق وهذا ماكان يفعله النظام السابق عندما كان يضع الدفاع عن نفسه في سلم الأولويات فيهمل مشاعر الناس وآمالهم وليذهب (اللي مايعجبه الوضع) إلى الجحيم...أما فرض الحجب على هذه المنطقة فهو فيلم آخر من أفلام الخيال العلمي يذكرنا بآلة الزمن التي تسافر إلى المستقبل المجهول لتجد الناس يتجولون بأرواح لاتشبه أرواحنا ..أرواح غريبة ومختلفة بفعل تعويذة من تعاويذ الزمان المخيف تجعلهم ساكنين وشاخصين على هذا النحو منذ سنوات .....وهذه التعويذة لن يفكها تغيير الاسم فقط ،بكل تأكيد، ولكن تغيير أشياء أخرى كثيرة معروفة بما فيه الكفاية. موجز الكلام أنه آن الاوان لتغيير هذا الاسم الأناني الغريب الذي يحصر الأمن لمن يعتقد أنه من الخواص وأن حياته أعز من حياة الآخرين وانه الأكثر استحقاقا بالأمان من العراقيين جميعاً ..وليس صعباً اقتراح اسم آخر بعد أن أثبت التاريخ المعاصر أن من لهم شغف بالأسماء وضربوا الرقم القياسي في تغييرها، هم العراقيون ممن يعتقدون أن الشوارع والساحات هي أمكنة للمحو وقلابيات للقض والقضيض..ولتستمر الدوخة إلى الأبد بتبديل الاسماء. .. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ ميسلون هادي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|