نقاش : انتهى الانسحاب، وغادر الجنود المقاتلون بغداد، بعد أن غيّروا شكل البلاد في سبع سنوات تلت سقوط نظام صدام حسين.
فبين اليوم الأول لغزوهم العراق في التاسع من نيسان أبريل عام 2003 الى لحظة خروج آخر قواتهم القتالية الثلاثاء 31 آب أغسطس 2010 حفل سجل الجيش الأميركي بالعديد من الأحداث التي تخللتها عمليات مسلحة، وتحولات سياسية وتداعيات على ملفات مهمة، كملف الخدمات والبطالة وإعادة اعمار البنى التحتية.
وشارك خلالها في أكثر من 12 عملية عسكرية كبيرة الى جانب القوات الأمنية العراقية، واعتقل اكثر من 19 ألف عراقي وعربي، أودعهم في خمس سجون رئيسة في الشمال والجنوب.
ويوم اقتحمت قوات المارينز مدن العراق وأسقطتها الواحدة تلو الأخرى قبل أكثر من سبع سنوات وصولا الى العاصمة العراقية بغداد التي تحولت الى "مدينة أشباح" آنذاك، لم يكن أحد قادرا على التنبؤ بالمدة التي سيقضيها الجيش الأميركي في العراق، وكانت غالبية الآراء تتحدث عن وجود أميركي طويل الأمد.
حتى الاطفال العراقيون الذين اعتادوا التلويح للجنود من بعيد وتقديم التحية لهم بعبارة "هاي مستر" لم يعتقدوا يوما أن هذا المستر سيرحل عن ارضهم، وظنوا ان الرجل الفارع الطول المدجج بالسلاح سيبقى دهرا طويلا يسير في شوارع بغداد وانهم سيكبرون يوما ما ويستطيعون الاقتراب منه دون ان تضطر عائلاتهم الى ترك مسافة 500 متر بين دبابة المستر وبين سيارتهم الشخصية التي يستقلونها.
القوات المقاتلة انسحبت، لكن بقي 50 ألف عنصر بدأوا رسميا بالإشراف على تدريب القوات الأمنية العراقية في عملية أطلق عليها تسمية "الفجر الجديد"، ومن المقرر أن بنسحبوا في نهاية العام 2011.
الجنرالات الأمريكيون وإن كانوا لا يتحدثون عن "نصر مبين" إلا أنهم يرفقون استخلاصاتهم لتجربة السنوات السبعة بكلمة "نجاح"، كما فعل نادر رامو، الناطق باسم الجيش الأميركي في العراق حين قال لموقع "نقاش" أن "الجيش الأمريكي مرّ بظروف مختلفة في البلاد لكنه في جميع الأحوال أدى دوره بنجاح".
وفي معرض حديثه يلفت رامو إلى وجود "بعض الاخفاقات" في عمل الجيش الاميركي دون أن يعدّدها، لكن "الجيش في جميع الاحوال أدى ما مطلوب منه" يقول رامو.
"بعض الاخفاقات" ربما، تلك التي تشير إلى أكثر 4419 قتيل وأكثر من 35000 جريح من الجنود الأميركيون بحسب تقارير وزارة الدفاع الأمريكية منذ اجتياح العراق عام 2003 لغاية 18 آب اغسطس من العام الحالي، عدا عن خسائر بشرية في جنود المرتزقة من موظفي الشركات الأمنية.
بعضها الآخر يتصل بفضائح رافقت أداء الجنود الأمريكيين في العراق، أبرزها قضية تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب في نيسان أبريل عام 2004، التي أدت إلى إغلاق السجن لاحقا في عام 2006 وإعادة افتتاحه بثوب جديد.
فضلا تقارير صادرة عن منظمات انسانية دولية ووزارة حقوق الانسان العراقية، عن عمليات تعذيب منتظم تعرض له المعتقلون في مختلف السجون العراقية التي سيطر عليها الأمريكيون، وعمليات استهدفت صحفيين ومدنيين كان أبرزها شريط الفيديو الذي بثه موقع WikiLeaks عرض مقتل اثنين من المصورين الصحفيين إلى جانب عدد من المدنيين استهدفتهم مروحية أمريكية مقاتلة من طراز أباتشي في هجوم شنته عام 2007.
وبالنظر إلى تغطية أكلاف الحرب، والتي قد تدخل في سياق الاخفاقات، فقد بلغت الألف مليار دولار بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي، لتكون أحد أكثر الحروب كلفة في التاريخ المعاصر، من غير احتساب مليارات إضافيّة أخرى تندرج في بنود التكاليف غير المباشرة.
أما القتلى العراقيين، والذين يتجنب الساسة الأمريكيون عادة الحديث عنهم فلا توجد احصائية دقيقة بأرقامهم سوى بعض التصريحات التي تتفوه بها الحكومة العراقية، والتي تتحدث عن عشرة آلاف قبر مجهول الهوية وأكثر من 170 الف قتيل، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى ممن عاشوا الكثيرين منهم بعاهات واعاقات مستديمة.
في حين تتحدث تقديرات غير رسمية عن أكثر من مليون ضحية منذ بدء الغزو، 2.8 مليون مهجر داخل البلاد و4 ملايين لاجئ في خارج.
التواجد العسكري الأمريكي في العراق مر بتطورات عديدة خلال السنوات السبع الماضية، وكان عديد القوات العسكرية وفقا لبيانات الجيش الامريكي عرضة للزيادة والنقصان المستمرين.
فقد بدأ بالتزايد تدريجيا منذ عام 2004 حتى وصل إلى 200 ألف جندي من مختلف الصنوف بعدما تم استقدام وحدات اضافية من قواعد الجيش في الخليج.
وفي نهاية عام 2006 انخفضت أعداد القوات الأميركية الى 170 الف جندي، واستمر الإنخفاض تدريجيا حتى وصل عدد القوات الأميركية الى 130 في عام 2007 لكن الأميركيين عادوا لإستقدام 30 الف جندي آخرين بعدما غيرت واشنطن استراتيجية عملها في العراق اثر تزايد نشاط تنظيم القاعدة فيه.
وفي عام 2008 سحبت واشنطن خمس وحدات قتالية من العراق، لينخفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في البلاد من 160 الفا الى 130 الفا، ثم بدأ عدد القوات الأميركية بالانخفاض مجددا بعد دخول الاتفاق الامني حيز التنفيذ وانسحاب القوات الاميركية من المدن في حزيران يونيو 2009.
ويقول الجنرال جيري كانون نائب القائد العام للقوات الأميركية في العراق لـ"نقاش" إن عدد الجنود الاميركيين بدأ يتناقص تدريجيا منذ آب أغسطس 2008 حتى وصل الى 98 الف جندي في شباط فبراير الماضي، ثم عاد لينخفض الى 65 الف جندي في تموز يوليو قبل ان تسحب القيادات الاميركية 15 الف جندي متبقي من وحداتها العسكرية القتالية وتركها لـ 50 ألف جندي فحسب ليقومون بالإشراف على تدريب القوات الأمنية العراقية.
ويضيف كانون ان "الرحيل طبقا لما هو منصوص عليه في الاتفاق الامني، وإن القوات الأميركية المتبقية ستنجز خلال الشهور المقبلة تدريب القوات الامنية العراقية قبل ان تستعد هي الأخرى للمغادرة".
وطبقا لما جاء في الاتفاق الامني الموقع بين العراق والولايات المتحدة (سوفا) فإن الأخيرة تعترف بالحق السيادي لحكومة العراق في ان تطلب خروج قوات الولايات المتحدة في اي وقت، كما تعترف حكومة العراق بالحق السيادي للولايات المتحدة في سحب قواتها من العراق في أي وقت.
كما يتفق الطرفان على وضع آليات وترتيبات لتقليص عدد قوات الولايات المتحدة خلال المدد الزمنية المحددة، ويجب ان يتفقا على المواقع التي ستستقر فيها هذه القوات.
أما الرئيس الاميركي باراك أوباما الذي كان قد عارض الاجتياح الاميركي للعراق في حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة بالبدء فورا في سحب القوات بمعدل كتيبة كل شهر لانهاء سحب كافة القوات المقاتلة في غضون 16 شهرا، فقد حقق ما أراد.
ولا يتردد القادة الأمنيون في العراق كما الاميركيون من الاشارة الى انهم سيستعينون بالمتبقي من الجنود في عمليات تدريب وتأهيل القوات الأمنية في العراق، وانها لن تشترك في اية عمليات قتالية كما كانت تفعل في الماضي.
ويقول حسين كمال وكيل وزير الداخلية لـ"نقاش" ان "القوات المتبقية هي قوات غير قتالية وانها ستشرف على تطوير قدرات القوات الأمنية العراقية في الجانب اللوجستي كما ستسهم في تعزيز المعلومات الإستخباراتية".
ويضيف ان "عملية الفجر الجديد تشير الى تغيير طبيعة التعامل مع الجنود الاميركيين من قوات قتالية مساندة الى قوات للدعم اللوجستي والاستخباراتي فحسب، وانهم سيبقون داخل معسكرات عراقية مشتركة وسيقومون بعملهم فيها بشكل مزدوج مع العراقيين".
أما المرتزقة والشركات الأمنية التي وصل عددها الى 125 شركة امنية تشرف على حماية المؤسسات والاحزاب والمسؤولين والمواقع الحساسة والمطارات، فإن رحيلها مرهون حسب وكيل وزارة الداخلية بمدى تقدم القوات الأمنية العراقية في المستقبل.
ويصل عديد قوات المرتزقة إلى نحو 100 ألف عنصر مرشحين للزيادة استقدمتهم تلك الشركات وأبرزها شركة تشي Xe (بلاك ووتر سابقا) من مختلف دول العالم، للقيام بمهمات قتالية، ولسد النقص النائج عن انسحاب القوات الامريكية.
وقد يتطلب الأمر حسب مراقبين سنوات عديدة لاحقة قبل أن ترحل تلك الشركات التي يعدها البعض نوعا من "الاحتلال الجديد".
وطبقا لتصريحات المسؤولين الأمنيين والسياسيين في العراق فإن مستقبل العراق الأمني يمكن أن يصبح على كف عفريت في حال لم يتم الاسراع في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
فالأسوار الكونكريتية التي تقسم العاصمة إلى أكثر من 40 قطاعا وترتفع في بعض المناطق أربعة امتار ونصف وتمتد عشرات الكيلومترات، فضلا عن اكثر من 1500 نقطة تفتيش في العاصمة وحدها لم تنجح في الحد من الخروقات الأمنية والعمليات الانتحارية في البلاد. أما القادة أمنيون والعسكريون ومن بينهم رئيس أركان الجيش العراقي، فيتحدثون عن عجز قواتهم عن حماية البلاد بعد انسحاب الامريكان.
ويبلغ عديد قوات الجيش العراقي ما عدا قوات الأمن والشرطة نحو 260 ألف عسكري لكن وزارة الدفاع أعلنت نيتها تطويع 40 ألف جندي عراقي إضافي لسد الفراغ الأمني الحاصل. |