نقاش : يصر أكراد كركوك على إجراء التعداد السكاني في موعده المقرر، في حين ترفض الجهات التركمانية والعربية التوقيت وتلّوح بالمقاطعة.
ومن المقرر وفقا لقانون الموزانة العامة 2010، إجراء التعداد العام في يوم 24 تشرين الأول أكتوبر المقبل، على أن يشمل كافة أنحاء البلاد.
اقتراب هذا الموعد يثير قلق المكونين العربي والتركماني في المناطق المتنازعة عليها خاصة في كركوك ومناطق من ديالى ونينوى.
الجبهة التركمانية التي تعتبر مظلة لتجمع الأحزاب التركمانية ولها 8 مقاعد في مجلس محافظة كركوك طالبت بتأجيل إجراء التعداد العام.
ويعزو بيان صادر عن الجبهة حصلت "نقاش" على نسخة منه تحفظهم على العملية إلى "وجود تغيرات ديموغرافية حصلت على نطاق واسع في كركوك بعد سنة 2003".
وتزعم الجبهة أن مايقارب 700,000 مواطن كردي دخلوا الى كركوك تحت مسمى "المرحلين" بعد حرب العراق في اشارة إلى عودة المرحلين الأكراد.
وتشير في بيانها إلى أسباب أخرى دفعتها لطلب تأجيل التعداد منها عدم تشكل الحكومة لحد الآن، وعدم وجود استقرار أمني.
حسن طوران، عضو قيادي في الجبهة التركمانية وعضو مجلس محافظة كركوك قال إن "التركمان مصرون على تأجيل الإحصاء إلى مابعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وبعد تنفيذ المادة 23 الخاصة بتوزيع المناصب الإدارية في كركوك بين مكونات المدينة".
أول عمليات تعداد لسكان العراق كانت قد أجريت في 1934 أما آخرها فكان في 1997 لكنه لم يشمل محافظات الإقليم الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، والتي تمتعت في تلك الفترة بما يشبه الحكم ذاتي بعيدا عن سلطة نظام صدام حسين.
وحدد التعداد الأخير عدد سكان العراق بـ 19 مليون نسمة، وقدر عدد سكان الإقليم بـ 3 ملاين نسمة، دون أن يتطرق إلى الخارطة القومية والمذهبية لسكان العراق.
وحسب القوانين العراقية والمعايير الدولية من المفروض إجراء التعداد العام في البلاد كل 10 سنوات. لكن وفي سنة 2007 جرى تأجيل إجراءه إلى سنة 2009 نظرا لتدهور الوضع الأمني في معظم المدن العراقية. وفي العام الماضي أجلت العملية مجددا لعدم توافق القوى السياسية الفاعلة على دعمه.
وتعد كركوك قطب النزاع حول عملية الإحصاء. ويسود المدينة خلاف وصراع على هوية المدينة بين القوميات الثلاث التي تعيش فيها، الكردية والعربية والتركمانية.
فلدى العرب والتركمان مخاوف عميقة من أن تؤدي عملية الإحصاء إلى تثبيت السيطرة الكردية على كركوك "لأن أعداد كبيرة من السكان الأكراد وفدوا إلى كركوك بعد 2003" على حد قول قيادات الجبهة. وتضيف القيادات أن "التعداد سوف يؤدي إلى نتائج كارثية لأن كركوك نقطة التوزان في العراق".
محمد جبوري، رئيس الكتلة العربية في مجلس محافظة كركوك لديه مخاوف مماثلة لتلك التركمانية، من أن يسيطر الأكراد على المدينة الغنية بالنفط، ومن ثم يلحقونها باقليم كردستان.
وشدد الجبوري على "تكثيف وتنسيق الجهود داخل وخارج العراق من أجل ايقاف الاستعدادات لاجراء التعداد العام" مشيرا إلى أن "التركمان يتعاونون مع العرب من أجل الغرض نفسه".
ويقول الجبوري وأعضاء آخرين في الكتلة العربية إن عدد سكان كركوك قبل سنة 2003 كان 625 ألف نسمة، لكنه بلغ اليوم نحو مليون و 250 ألف نسمة، وأن الزيادة معظمها من الأكراد.
وتشدد البيانات والتصريحات الصحفية للكتلة العربية في مجلس محافظة كركوك (6 مقاعد) في الأيام السابقة على أن كركوك محكومة بتطبيق المادة 23 من قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي أقره البرلمان السابق في أواخر العام 2008.
وجاء في بيان صادر عن الكتلة العربية "أن التعداد العام يضفي شرعية قانونية على التجاوزات الكردية ويؤدي إلى هضم حقوق المكونات الأخرى في كركوك".
بيان آخر من الجبهة التركمانية جاء فيه أن "سجلات الأحوال الشخصية زورت في كركوك".
وأشار البيان إلى أن "عدد سكان كركوك حسب إحصاء 1997 كان 753 ألف و171 نسمة لكنه وصل الآن إلى مليون و400 ألف نسمة حسب سجلات البطاقة التموينية.. وهذا يقلق العرب والتركمان".
الأكراد من جهتهم يقولون أن كركوك تعرضت إلى سياسات تغير ديموغرافية وتعديلات في حدودها الإدارية منذ السبعينات. فالنظام السابق ألحق عدة أقضية ونواحي تابعة لكركوك بالمحافظات المجاورة، كما أدار حملة واسعة ومنظمة لترحيل العوائل الكردية وتوطين عوائل عربية وافدة محلها. ويرى الجانب الكردي بأن من حقه تصحيح وتعديل هذه التغيير الديموغرافي.
آزاد جباري عضو قائمة التآخي الكردية (26 مقعد في مجلس المحافظة) قال لموقع "نقاش" إن "الاعتراضات التركمانية والعربية على عملية الاحصاء تندرج في خانة الدعاية الاعلامية وليس لها أساس من االصحة".
وأضاف جباري "إذا ظنّ العرب والتركمان بأن الأكراد عقيمون فإنهم مخطئون، فأنا كنت شابا صغيرا حينما طردت من كركوك والآن وبعد عودتي إلى المدينة لدي عائلة مكونة من 5 أشخاص".
وأشار المسؤول الكردي إلى أن زيادة عدد سكان المدينة "هي نمو طبيعي، وفضلا عن النمو الطبيعي فإن عدد كبير من المرحلين عادوا إلى المدينة وهذا ليس عيبا ولا خرقا للقانون".
وكانت الاعتراضات العربية والتركمانية في كركوك والموصل قد دفعت إلى تأجيل التعداد في السنة الماضية. لكن قائمة التحالف الكردستاني رفعت دعوى قضائية لدى المحكمة الاتحادية على الحكومة، وحكمت المحكمة لصالح إجراء التعداد في موعده المحدد في هذا العام.
رزكار علي رئيس قائمة التآخي الكردية ورئيس مجلس محافظة كركوك صرح أثناء لقائه بمسؤول الشؤون السياسية في السفارة الأمريكية، جوناثان تورلي بأن "الإحصاء ضرورة عراقية وفي صالح جميع مكونات كركوك وأن تأجيله كان ظلما للديمقراطية".
بيان صادر عن مكتب علي تسلمت "نقاش" نسخة منه انتقد الجهود التي تستهدف إيقاف أو تأجيل عملية التعداد. وعبر البيان عن خشية الأكراد من أن تكلل مساعي العرب والتركمان بالنجاح كما حصل في انتخابات مجالس المحافظات مطلع العام 2009.
مجلس النواب العراقي كان قد اصدر قبيل تلك الانتخابات قانون الانتخابات المحلية، ونصت المادة 23 منه على تأجيل انتخابات محافظة كركوك وتوزيع المناصب الادارية بين مكونات المحافظة بنسبة 32% لكل من الأكراد والعرب والتركمان و2% للمسيحيين.
ولا يخفي آزاد جباري عضو قائمة التآخي الكردية احتمال تأجيل التعداد مجددا "لأن العرب والتركمان يضغطون من كل جانب". وأضاف "ان الكتلة الكردية تتبع سياسة مرنة في كركوك وهذا يفتح المجال أمام معارضيها للضغط عليها".
دائرة الإحصاء في مدينة كركوك أكدت على سير الاستعدادات لعملية التعداد بشكل طبيعي. وذكر بيان صحفي صادر عن الدائرة أن "الاحصاء عملية فنية بحتة ويؤدي إلى بلورة خارطة اقتصادية للعراق".
البيان أشار أيضا إلى أن المرحلة الأولى من الاحصاء (العد والحصر) بدأت قبل نحو عام في 18 آب أغسطس 2009 وانتهت في 15 كانون الثاني ديسمبر 2009، ومن ثم تم تجديد البيانات في 18 تموز يوليو الماضي. واعتبرت الدائرة أن "المرحلة الأولى من الإحصاء نجحت بنسبة 96%" وأن "مديرية الإحصاء تملك الآن قاعدة بيانات قوية لاستكمال مهمتها". |