يمكن أن أرثيك! ألا ليت نثري يستطيع معي صبرا! أو يتحمّل قطع المسافة بين الكلمة والكلمة أو يتحوّل عن مرافقة السطور الممتدة على جدران الأوراق ليجول في مجاهل صفحة لم تأخذ نصيبها من البياض بعدما اصفرّتْ لطول انتظار الفكرة الغائبة! ألا ليته يشاكس الرأس الممتلئ بالعصافير والنجوم ليمنح الهدوء العاصف وقتاً آخر أكثر بريقاً ويدخل في الغضا السابق لأوانه وقد تركه ابن الريب وراءه ورحل في غيبوبة النعاس.
لا أحد يقوم مقام لسعة العقرب أو طعنة الخنجر المباغتة أو لحظة الغضب المسعورة المنفلتة من عقال وقتها لجزّ رأس الشاعر المتهوّر من خلال قدمه المتورّمة بعدما أساء إلى سمعة فرسه الخائفة من الفوضى وسط ظلمة الصهيل في زحمة القيظ الشاخص بأبصاره الفولاذية وقد جعله ابن الريب أمامه وهو يتجه صوب جموحه المتأخّر! هل كان يعرف أن الصفحة التي خلّفها وراء ظهره ستُفقِده التوازن فتطيح رأسه قبل اكتمال احتضاره؟! لا أحد افترض مبيته غريباً على رقعة شطرنج بالية تساقط عنها جنود الطرفين واندحرت قلاعهما وتبعثرت الفيلة والأحصنة إثر تمرّد وزير الملك الأبيض وتخلّي ابن الريب عن مهمته لاجئاً إلى وادي الغضا مدفوعاً بحماسة هوجاء إلى موته ملدوغاً أو مغدوراً به باحثاً عن كلمات هجاء قاسية لم يحسن صياغتها كما ينبغي!
ألا ليت نثري يستطيب الإقامة في البياض المتبقّي من الورقة المصفرّة عسى أن تسعفه مسافةُ لحظة ما لحظة من وقت ضاع خارج السطور الممتدّة على جدران الأوراق لإبلاغ ابن الريب القتيل شوط فرسه المفجوعة بغيابه فقد يكون الشاهد الوحيد على براءة صاحبه! أو يرمي ببعضِ الغضا على جدثه قبيل تبعثره في العراء! ••• هذا يعني أنه موجود! يحدّق المنديل في الوجه يمسح عن الشفتين ظلّ ابتسامة مكتومة يزرع تحت الجفنين شعوراً بالخجل ربما طارت حمامة العينين إمّا باغتتها الشمس بغيابها ولأن هذا يعني أنه موجود قطف المنديل الدمعتين المتخلفتين عن الفرح خبّأهما لساعة محنة لا تتحمّل طيران الفراشات من حولها
وتحدّق الإصبع في الأزهار الاصطناعية تبحث عن يد تراودها في غفلتها فتوقع بينها وبين الحدائق ربما سأل البستانيّ نفسه عن سرّ انكماش أصابعه قبل محاولة استراقها هذيان النخلة لكنه إذ يدرك أن هذا يعني أنه موجود تركت الإصبع جرحها المتخلف عن المغامرة مبديةً تعاطفها مع النحل الخائف من الزهرية المتغضّنة
ولكي يهمّ العصفور الوحيد بالتحديق في الفراشات يصيبه الحسد بعمى الألوان فيراود جناحاه قلبَ العاشق المضطرب ظنّاً منه أنه إذ تخلّى عن أشجاره لفؤوس الحاطبين صار يعني أنه موجود في اللون الوحيد المتخلف عن رماد الحرائق لذا سارع العصفور الى ممارسة القفز على الإسمنت مرتكباً حماقة التمني خارج بساتين البرتقال
أيها المنديل انتبه لا تحدِّقْ في خال زهرة النرجس هكذا عليكِ أن تفعلي أيتها الإصبع المتورّمة ومثلهما... مثلهما تماماً عدْ إلى تحليقكَ أيها العصفور مغمض العينين قريباً من الفراشات فهذا يعني أنه موجود قلبُ المجنون الذي حدّق في قفا مرآته قبل أن تفقأ روحَه أشواكُ الغضا الذي بكى عليه! |