نقاش :
للمرة الأولى في تاريخ العراق، تجد الطبقة السياسية نفسها في موقع المدعى عليه، وتكون منظمات المجتمع المدني في موقع المدّعي.
"التململ والسخط الشعبي" من التأخر في تشكيل الحكومة العراقية، دفع أربعة منظمات غير حكومية إلى رفع دعوى قضائية على البرلمان العراقي أمام المحكمة الاتحادية العليا، أرفع هيئة قضائية في البلاد.
المنظمات الأربع وهي مركز دعم السلام العراقي، وجمعية الامل، ومنظمة نساء من أجل السلام، والجمعية العراقية للادارة والتنمية الصحية اتهمت الكتل السياسية في البرلمان بـ "الخرق المتعمد والمتكرر للدستور وتعطيل تسمية مرشحي الرئاسات الثلاث، وتأخير تشكيل الحكومة العراقية".
ولاقت الدعوى قبول المحكمة يوم الاثنين 16 آب أغسطس الجاري، ووعدت بدراستها والبت فيها.
ويقول سامي شاتي رئيس مركز دعم السلام العراقي "لو استجابت المحكمة للدعوى، فستكون سابقة كبيرة، وسيكون لها دور واضح في تفعيل الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني في هذا الاطار".
المنظمات التي رفعت الدعوة رسميا أربعة، لكن أكثر من 21 منظمة غير حكومية وفقا لسامي شاتي تقوم "بدور اسناد"، بغرض "توفير الدعم القانوني للحملة".
وتقوم المنظمات المذكورة بحملة لجمع التواقيع على موقع "الحوار المتمدن" وهو واحد من أشهر المواقع العلمانية العراقية. ووضعت سقفا زمنيا مدته عشرة ايام لاستكمال جمع التواقيع فضلا عن توزيع استمارات مماثلة في ندوات مشتركة على باقي مؤسسات المجتمع المدني. "وتمكنت من جمع أكثر من 50 توقيعا لناشطين في منظمات أخرى في اليوم الأول فقط" حسب شاتي.
كما أقدمت المنظمات المشاركة والداعمة على الاعتصام أمام مبنى مجلس النواب العراقي وتقديم ورقة بمطالبها المتمثلة بالاسراع في تشكيل الحكومة وحث البرلمان على ممارسة دوره الرقابي، والاهتمام بملف الخدمات، فضلا عن حث الكتل البرلمانية على الالتزم بالبنود الدستورية.
على صعيد آخر تعمل المنظمات المدنية حاليا على جمع وتوثيق تصريحات المسؤولين العراقيين المنشورة في وسائل الإعلام حول خرق الدستور، "باعتبارها أدلة ثبوتية يمكن تقديمها لدعم موقفها أمام المحكمة" بحسب شاتي.
ويؤشر المعترضون على سلوك البرلمان مجموعة من الخروقات الرئيسة للدستور تتعلق باختيار الرئاسيات الثلاث والجلسة البرلمانية المفتوحة.
ففي مطلع حزيران يونيو الماضي، صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وأعلنت فوز رئيس الوزراء الاسبق الليبرالي اياد علاوي بـ 91 مقعدا، مقابل 89 مقعدا نالها رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي.
وطبقا للدستور العراقي، كان يتوجب على البرلمان أن يختار رئيسا له في جلسته الأولى التي عقدها في 14 حزيران يونيو الماضي.
لكنه وبدلا عن ذلك، أقدم على اختيار أكبر النواب سنا وهو النائب الكردي فؤاد معصوم رئيسا مؤقتا له في جلسته الأولى التي استمرت عشرين دقيقة فقط، وأبقى الجلسة مفتوحة، ولم يتم تسمية رئيس البرلمان بعد مرور أكثر من شهرين على عقد هذه الجلسة.
وترى هناء ادور رئيسة منظمة الأمل العراقية إن "ترك جلسة البرلمان مفتوحة وعدم تحديد موعد محدد لعقدها من جديد يعد انتهاكا دستوريا وسابقة خطيرة، فمن المفترض أن يلتزم البرلمان بمواعيد دورية لجلساته وفصوله تشريعية واقرار القوانين حسب أولوياتها".
أما الخروقات الأخرى فتتعلق باختيار رئيسي الوزراء والجمهورية. فالدستور العراقي نص على اختيار رئيس الجمهورية بعد شهر واحد من عقد الجلسة البرلمانية الاولى. طبقا لذلك كان يتوجب تسمية رئيس الجمهورية في 13 تموز يوليو الماضي، وهذا مالم يحدث ايضا.
وكان من المفترض لو تمت الخطوات البرلمانية طبقا للدستور أن يكلف رئيس الجمهورية رئيس الوزراء الجديد بتشكيل لحكومة خلال 15 يوما، أي بتاريخ 28 تموز يوليو الماضي ولو حصل ذلك لكانت الحكومة العراقية الجديدة تمارس مهامها منذ ما يقارب ثلاثة اسابيع.
وترى هناء ادور إن "الكتل البرلمانية خرقت الدستور الذي كتبته بنفسها، واقسمت على الالتزام به".
وأضافت إن "الخطوة التي اتخذتها منظمات المجتمع المدني تهدف إلى تحفيز الشارع العراقي للتعبير عن غضبه وسخطه وتململه، ودفع المسؤولين العراقيين إلى الالتزام بمسؤولياتهم السياسية والدستورية".
ورغم الحماس الكبير لمنظمات المجتمع المدني إثر قبول الدعوى من المحكمة الاتحادية والأمل في امكانية بتها في الموضوع في وقت قريب، ومحاسبة الكتل البرلمانية على خرق الدستور، لكن الوضع القانوني للمحكمة قد لا يسمح لها بمحاسبة الكتل، وقد تكتفي باصدار قرار يؤيد خرق الكتل للدستور.
فمهام المحكمة الاتحادية التي نص عليها الدستور حددت بنقاط معينة، وهي الطعن في القوانين والقررات التي يتم اصدارها خلافا للدستور، والطعن بعدم دستوريتها، وتفسير المواد الدستورية في حال وجود خلافات محددة عليها.
ويؤكد الخبير القانوني العراقي طارق حرب لـ"نقاش" ان الصلاحيات التي منحها الدستور العراقي للمحكمة الاتحادية لا تتضمن "إصدار قرار الى جهة حكومية، او غير حكومية باتخاذ اجراء معين". وبذلك فليس من اختصاصها إصدار أمر الى مجلس النواب والإيعاز له بتشكيل الحكومة.
ويؤكد أن المحكمة ستنظر طبيعة الخروقات التي قام بها مجلس النواب وستؤشرها على انها خروقات دستورية واضحة، "لكنها لن تتمكن من معالجة الموقف".
الملفت ان الرئيس المؤقت للبرلمان العراقي فؤاد معصوم أبدى استعداده المثول امام المحكمة في حال تم استدعائه.
وقال فؤاد معصوم لوكالة فرانس برس ان "من حق المنظمات والمواطنين، رفع دعوى ضد اي شخص او هيئة في العراق وهذا حق طبيعي يكفله الدستور".
وأضاف "اعتقد ان مطالبهم (المنظمات) شرعية وان ما فعلناه في الجلسة (الأولى) كان مخالفا للدستور. |