نقاش : ما يزال الجدل حول جاهزية القوات العسكرية يدور في فلك التصريحات المتضادة. فبعض المسؤولين والنواب المقربين من رئيس الحكومة المنتهية ولايتها نوري المالكي يحرصون على تفنيد إدعاءات عدم جاهزية القوات العراقية، بينما يؤشر المراقبون والخبراء العسكريون "دلائل عدة" على ما يصفوه بـ"الأداء السيء" لتلك القوات.
الجدل تفجر بين المسؤولين الحكوميين والعسكريين بعد تصريح أدلى به رئيس أركان الجيش بابكر زيباري الأسبوع الماضي لصحيفة الديلي تلغراف البريطانية اعترف فيه وللمرة الأولى بضعف قدرات الجيش العراقي.
وأعلن رئيس الأركان أن قوات بلاده "لن تكون قادرة تماما على تولي الملف الأمني قبل عام 2020 وستكون بحاجة للدعم الأميركي حتى ذلك الحين".
وقال زيباري "في هذه المرحلة فان الانسحاب يسير بشكل جيد لأنهم ما زالوا هنا.. لكن المشكلة ستبدأ بعد 2011 ويجب على الساسة إيجاد سبل أخرى لملء الفراغ بعد 2011"، مضيفا "لو سألوني لقلت للسياسيين ..الجيش الأمريكي يجب أن يبقى حتى يصبح الجيش العراقي جاهزا".
وتأتي تصريحات زيباري قبيل إنتهاء المهام القتالية للقوات الأميركية نهاية آب أغسطس الجاري، وبالتزامن مع تصاعد الهجمات الدموية والخروقات الأمنية التي تشهدتها مناطق مختلفة من البلاد.
تلك التصريحات لاقت إنتقادات ضمنية من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، فضلا عن فريقه الحاكم.
وقال المالكي في كلمة ألقاها في مؤتمر القادة الثاني لرئاسة أركان الجيش الذي أقيم في مقر وزارة الدفاع الاسبوع الماضي، بحضور وزير الدفاع عبد القادر العبيدي وكبار الضباط والقادة العسكريين في الوزارة أن "قوة العراق ليست في سلاحه بل في ديمقراطيته ووحدته ووعي أبناء القوات المسلحة" كما شدد على "إيمان الجنود وروحهم المعنوية كعامل يتخطى أي نقص".
الناطق باسم الحكومة والقيادي في ائتلاف المالكي علي الدباغ، أكد لـ "نقاش" أن "القوات الأمنية بإمكانها مع نهاية العام القادم، مواجهة جماعات العنف المسلح في العراق وحماية الأمن الداخلي، لذا فهي لا تحتاج لوجود ثابت أو قواعد عسكرية أميركية دائمة".
وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي، لزم الصمت ولم يصرح حول جاهزية قوات بلاده لاستلام المسؤولية الامنية. لكن المتحدث الإعلامي باسم وزارة الدفاع اللواء محمد العسكري قال في حديث مقتضب أن "تصريحات رئيس أركان الجيش فهمت وجرى تفسيرها خطأ".
بالمثل، أكد وزير الداخلية جواد البولاني، أن قوات وزارته أصبحت قادرة على تولي المسؤوليات الأمنية في عموم البلاد، قائلا على هامش أحتفالية نظمتها وزارته لتكريم الطلبة الاوائل في المرحلتين المتوسطة والاعدادية "هناك رسالة يجب أن تصل الى العالم بأسره بأن العراق اصبح بلدا آمنا، وان قواته قادرة على حماية أمنه".
كلام البولاني وغيره من المسؤولين يناقض في مضمونه، موجة العنف المتصاعدة في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، خلال الأشهر الأربعة الماضية. حيث وضعت الكثير من علامات الاستفهام على أداء الشرطة والجيش.
فيقول ثائر السوداني العقيد السابق في سلاح الجو العراقي إن "القوات التي لاتستطيع حماية نفسها في الداخل، والخروقات الأمنية التي شهدناها في الشهر الماضي تؤكد ذلك. عناصر الشرطة والجيش تتعرض يوميا الى هجمات من قبل متمردين في مناطق مختلفة من البلاد، تودي بحياة العشرات منهم".
وكانت محافظات الأنبار وبغداد وبابل وواسط قد شهدت في العاشر من أيار مايو الماضي تصعيدا في أعمال العنف، تمثلت بتفجيرات منسقة واغتيالات وهجمات مسلحة أسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 650 شخصا، سقط نحو 250 منهم في البصرة وحدها، بحسب ما أكدته مصادر أمنية وصحية عراقية.
وفي الأسبوع الأول من آب أغسطس الجاري، أسفرت سلسلة تفجيرات في البصرة عن سقوط حوالي خمسين قتيلا و185 جريحا، وتلتها أخرى في بغداد تجاوز عدد القتلى فيها الستين.
وبحسب احصاءات وزارات الصحة والدفاع والداخلية العراقية ، فإن شهر تموز يوليو الماضي يعد الأكثر دموية في العراق خلال العامين الماضيين، إذ سقط فيه 535 قتيلا بينهم 396 مدنيا و139 من عناصر الأمن، فضلا عن جرح أكثر من الف شخص.
ومن المخطط أن يجري خفض العدد الإجمالي للقوات الأمريكية في العراق إلى 50 ألف جندي، قبل نهاية الشهر الجاري، لتنصب مهمة القوات الموجودة على التدريب والدعم. في حين أكدت واشنطن على ان وجودها العسكري في العراق بعد انسحاب كامل قواتها المقاتلة المقرر نهاية 2011 لن يزيد عن بضع مئات من الجنود الذين سيعملون كمستشارين.
ويحذر المراقبون والعسكريون من تدهور الواقع الامني في ظل تعثر المفاوضات الرامية الى تشكيل الحكومة العراقية واقتراب موعد انسحاب القوات الامريكية.
ويبلغ عديد قوات الجيش العراقي حاليا 260 ألف عسكري. لكن وزارة الدفاع أعلنت نيتها زيادته ليصل الى 300 ألف جندي مزودين بأفضل وأحدث انواع الأسلحة المستوردة من مناشئ غربية وتحديدا من الولايات المتحدة، بينما كان تسليح الجيش في عهد صدام يعتمد على المعسكر الشرقي المتمثل بروسيا وصربيا.
ويقول مصدر عسكري في وزارة الدفاع وهو برتبة لواء، أن "جهود الوزارة في هذا الاطار، تصطدم بمعارضة بعض الأطراف السياسية المتنفذة، التي تحاول تخفيض عديد قوات الجيش الى القدر الذي يضمن عدم استخدمه مستقبلا في صراعات داخلية".
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن أسمه، لحساسية الموضوع "هناك صراع إرادات داخل المؤسسة العسكرية الجديدة، اضافة الى الولاءات المتعددة لهذا الطرف أو ذاك وهذا كله على حساب المصلحة الوطنية".
كلام المصدر العسكري يؤكده النائب عبد الكريم السامرائي نائب رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان السابق.
ويشير النائب في قائمة "العراقية" التي يتزعمها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي أن هناك اعتراضات وفيتو تضعه بعض الأطراف الداخلية و جهات خارجية، على تسليح قوات العراقية.
وفي مقابلة جرت معه عبر الهاتف قال "أن جهات داخلية تضع عراقيل أمام محاولات تجهيز القوات الامنية باسلحة ومعدات ثقيلة وتعرقل شراء الأسلحة".
ويشير السامرائي هنا الى موقف الاكراد من الصفقة التي حاولت الحكومة المركزية ببغداد إبرامها مع واشنطن لشراء مقاتلات إف 16، التي قوبلت بمعارضة الزعماء الاكراد.
وبسؤاله عن هوية الجهات الخارجية التي تضع فيتو على تسليح الجيش العراقي، أجاب "هناك دول مجاورة تخشى عودة قواتنا المسلحة الى سابق عهدها"، غامزا من قناة الجارتين الشرقية ايران والجنوبية الكويت التي تعرضت للغزو على يد قوات النظام السابق في تسعينات القرن الماضي.
من جهة أخرى، يوجه المراقبون وبعض السياسيين انتقادات لاذعة لعملية بناء الأجهزة الأمنية، ويرون أن المحسوبية والإنتماءات الحزبية، إضافة الى الفساد كانت "صفات وأدوات ملازمة لعملية بناء قوات الأمن".
من بين المنتقدين النائب السابق عمار طعمة وهو عضو اللجنة الأمنية في مجلس النواب المنصرف، إذ قال أن "عدم إكتمال جاهزية القوات الأمنية لا يعود سببه إلى نقص في التجهيز والتسليح أو نقص في مهارات وخبرات التدريب فقط".
وأضاف أن "ظواهر الفساد المالي والإداري المختلفة ومن بينها الرشاوى والسرقات والفئوية والحزبية التي تعصف بالمؤسسة العسكرية وبوزارتي الدفاع والداخلية لازمت عملية بناء قوات الأمن على مدى السنوات السبع الماضية".
أبرز ظواهر الفساد تجسدت بدفع عدد من الجنود الرشاوى وهي عبارة عن نصف قيمة المرتبات التي يتقاضونها الى ضباطهم ومرؤوسيهم مقابل عدم الانضباط في الدوام العسكري لفترات طويلة نسبيا والهروب من الواجبات العسكرية عند المواجهات مع الجماعات المسلحة والخارجين عن القانون.
وهو ما أكده لـ "نقاش" بعض الجنود وضباط صغار يخدمون في معسكرات ومقرات للجيش العراقي في مناطق متفرقة من العاصمة بغداد.
التسمية التي تطلق على هؤلاء الجنود الذين يدفعون الرشى هي "الجنود الفضائيين" وهي مصطلح رائج كثيرا داخل أوساط المؤسسة العسكرية وأيضا داخل مؤسسة قوات الامن الداخلي.
وعن سبب تعريف اولئك الجنود بهذه التسمية، يقول مهند الاعظمي العريف في فرقة 11 التابعة للجيش العراقي "لا يمكن مشاهدتهم الا في وقت استلام الرواتب وبعضهم لا يحضر اطلاقا وينوب عنه مرؤوسه باستلام مرتبه".
ويرجع مراقبون المشكلات التي اصيب بها الجيش العراقي إلى القرار الذي اتخذه رئيس سلطة الائتلاف المدني الحاكم الأميركي السابق بول بريمر عقب سقوط نظام البعث في العام 2003. إذ جرى حل الجيش السابق وبعض الأجهزة الأمنية الحساسة، في حين تم بناء التشكيلات العسكرية الجديدة بسرعة، بعد أن انضمت ميليشيات تابعة للأحزاب الشيعية الحاكمة إلى صفوف المؤسستين العسكرية والأمنية. |