عن نقاش:
مع انعقاد أولى جلسات البرلمان الجديد، اختلطت الاوراق مجددا في المشهد السياسي العراقي ولم يعد ممكنا تحديد خارطة التحالفات السياسية حتى بعد انقضاء 99 يوما على اجراء اوسع انتخابات تشريعية وأكثرها جدلا منذ عام 2003.
وغادر النواب الـ325 قبة البرلمان في ختام الجلسة المفتوحة التي عقدت اليوم في 14 حزيران يونيو واستمرت لنصف ساعة فقط، وسط غموض واشارات متناقضة حول مصير تفسير المحكمة الاتحادية لمصطلح "الكتلة النيابية الاكثر عددا" في البرلمان.
تفسير المحكمة الاتحادية للمادة 76 من الدستور، والذي ستتوقف عليه مبادرة تشكيل حكومة الاعوام الاربعة المقبلة، رافقته ردود افعال مختلفة من قبل الاوساط السياسية المتنافسة على السلطة في العراق.
فهو يشير الى أن الكتلة الأكبر هي "إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة دخلت الانتخابات (في اشارة للعراقية التي فازت بـ91 مقعدا) وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو أن هذه الكتلة ناجمة عن تحالف قائمتين أو أكثر من القوائم التي دخلت الانتخابات واندمجت في كتلة واحدة، لتصبح الكتلة الأكثر عددا في البرلمان (ينطبق النص على التحالف الوطني الذي جمع بتحالفه 159 مقعدا)".
وحتى الآن لم يعرف بشكل حاسم، فيما اذا كان التحالف الوطني الذي أعلن عنه رسميا الخميس الماضي من قبل الائتلافين الشيعيين (دولة القانون 89 مقعدا والائتلاف الوطني 70) هو الكتلة الاكثر عددا في البرلمان، أم ائتلاف العراقية الذي فاز بانتخابات اذار مارس بـ91 مقعدا.
لكن انعقاد جلسة البرلمان الأولى جاء بعد يومين فقط من لقاء وصف بأنه "تاريخي" جمع بين القطبين المتصارعين على منصب رئيس الوزراء، وهما رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يتزعم دولة القانون، ورئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، وهو الشيعي العلماني الذي يتزعم ائتلاف العراقية الذي حصل على أغلب مقاعده من المحافظات ذات الغالبية السنية. وهو ما يفتح الباب واسعا أمام احتمالات تغيير محاور التحالفات مرة اخرى.
وفي وقت يشير فيه مراقبون الى ان اللقاء ربما جاء في وقت متأخر ولن يغير الكثير من الواقع السياسي الذي نشأ عقب انتخابات اذار مارس، يقول أحد مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي لموقع "نقاش" إن اللقاء الذي جمع المالكي بعلاوي عصر السبت "يمثل بداية لمرحلة من الحوارات الجدية التي ستساهم في الاسراع بتشكيل الحكومة المقبلة بمشاركة كل الاطراف الفاعلة على الساحة العراقية".
الدكتور علي الموسوي الذي يدير المركز الوطني للاعلام قال ايضا ان اللقاء "كان وديا وعلى درجة عالية من الايجابية، وجميع القضايا التي طرحت كانت تتمحور حول ضرورة قيام حكومة شراكة تضم الجميع دون تهميش لأي طرف".
وتصف المتحدثة باسم ائتلاف العراقية ميسون الدملوجي لقاء المالكي بعلاوي بأنه "محاولة لكسر الجليد الذي أحاط بالعلاقة بين العراقية ودولة القانون عقب الانتخابات التشريعية"، وتقول الدملوجي لموقع نقاش أن "اللقاء سيعطي رسالة للآخرين مفادها أن الخلافات يجب ان يتم تجاوزها للمضي معا في طريق استكمال البرنامج السياسي المناسب للحكومة المقبلة".
لكن المتحدث الآخر باسم ائتلاف العراقية حيدر الملا يقدم صورة مغايرة لما يطرحه الموسوي والدملوجي، فهو يقول ان علاوي حمل للمالكي رسالة تنص على "تمسك العراقية بحقها الدستوري بتشكيل الحكومة المقبلة باعتبارها الفائز الاكبر في الانتخابات".
ويشير الملا بهذه الكلمات الى جوهر الخلاف بين العراقية ودولة القانون والذي استغرق الجدل حوله قرابة الـ80 يوما، انحصرت ما بين الـ26 من اذار مارس حين فسرت المحكمة الاتحادية الفقرة 76 من الدستور حول أحقية الكتلة النيابية الاكبر عددا بتشكيل الحكومة، وما بين الـ14 من حزيران يونيو الذي شهد انعقاد اولى جلسات البرلمان بخارطة سياسية تختلف عن الخارطة التي انتجتها الانتخابات.
فبعد أن اعلن ائتلافا دولة القانون والائتلاف الوطني يوم الخميس الماضي عن قيام "التحالف الوطني" الذي جمعهما في كتلة واحدة قوامها 159 نائبا (89 لدولة القانون و70 للائتلاف الوطني) في خطوة وصفت بأنها خطوة استباقية لقطع الطريق أمام العراقية في حال اصرت على انها صاحبة الحق في تشكيل الحكومة، بدا ان الاطراف السياسية المتبقية تسعى لحسم تحالفاتها والسير باتجاه اتفاقات تضمن لها الحصول على مكان مناسب في التشكيلة الحكومية المقبلة.
حاليا، يعتلي التحالف الوطني الذي انبثق عن تحالف الائتلافين الشيعيين صدارة المشهد البرلماني بـ159 مقعدا تمثل ما نسبته 49% من عدد مقاعد البرلمان البالغة 325 مقعدا، في حين اكتفى ائتلاف العراقية الذي يتزعمه علاوي ويتكون بشكل اساس من العرب السنة بـ91 مقعدا تمثل 28% من البرلمان. ودخل التحالف الكردستاني قبة البرلمان بـ43 نائبا يمثلون 13% من مجموع اعضاء البرلمان.
وتوزعت نسبة الـ10% المتبقية من مقاعد البرلمان، على الكيانات الصغيرة التي بالكاد وجدت لنفسها مكانا امام القوائم الكبرى، وهي حركة التغيير الكردية بـ8 مقاعد (2.5%) وقائمة التوافق السنية بـ5
مقاعد (1.5%) وائتلاف وحدة العراق والاتحاد الاسلامي الكردستاني بـ4 مقاعد لكل منهما (1.2%) والجماعة الاسلامية الكردستانية بـ2 مقعد (0.6%) مع ثمان مقاعد للكوتا تمثل ما نسبته 2.5% من مقاعد البرلمان.
القيادي في قائمة التوافق العراقي عمر الهيجل لخص توجه قائمته التي كانت فيما مضى ابرز الكتل السنية في العملية السياسية، وقال لموقع نقاش "انتظرنا مع التحالف الكردستاني لمدة ثلاثة اشهر كي تحسم العراقية امرها وتبدأ بخطوات تشكيل الحكومة، ولكنها لم تفعل"، متسائلا عن جدوى انتظارها في وقت "تمكنت فيه دولة القانون والائتلاف الوطني من عقد التحالف بينهما".
بالنسبة للأكراد كانت الاشارات التي ارسلها رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني حول قناعتهما بأن العراقية تمثل الكتلة الأكبر، بمثابة رسالة للعراقية تحثها على الاسراع في اجراء الحوارات لتشكيل الحكومة المقبلة، كما فسرها المراقبون.
لكن قادة العراقية اكتفوا حينها بالتركيز على فكرة انهم اصحاب الحق بتشكيل الحكومة وانهم ينتظرون ان يكلفهم رئيس الجمهورية الجديد بذلك للشروع في مفاوضات تشكيل الحكومة.
وتناقض فكرة انتظار تكليف رئيس الجمهورية لائتلاف العراقية بتشكيل الحكومة، كما يرى الباحث منتصر عباس "نظرية الصفقة الواحدة التي حكمت الاتفاقات بين الكتل الرئيسية حول المناصب السيادية الثلاثة طوال السنوات الماضية".
ويرى عباس في حديثه لموقع "نقاش" أن "العراقية هي الطرف الوحيد الذي تجاهل حقائق ثابتة في السياسة العراقية، فاختيار رئيس البرلمان ونائبيه يجب ان يتم باتفاق 163 نائبا، فيما يجب ان يصوت لرئيس الجمهورية الجديد 217 نائبا، ولرئيس الوزراء 163 نائبا، وبما ان أي كتلة لا تمتلك هذا العدد من من النواب، فلا بديل عن اتفاق شامل بين ثلاث كتل كبرى على الاقل لتمرير هذا الاتفاق بصفقة واحدة".
عباس يشير في هذا المجال الى أن "التقسيمات السياسية تطلبت ان يكون الرؤساء الثلاثة للمناصب السيادية يمثلون المكونات الرئيسية في البلاد (الشيعة العرب والسنة العرب والاكراد) وهذا يعني ان يتم أولا حسم موضوع رئاسة البرلمان، هل هي للشيعة أم للسنة أم للأكراد، ومن ثم رئاسة الجمهورية، وبعدها رئاسة الوزراء التي جرى العرف السياسي على اسنادها للشيعة باعتبار ممثليهم في البرلمان يمثلون الاغلبية".
ويضيف عباس "منذ البداية كانت موضوعة زعامة شيعي لقائمة اغلبيتها من السنة، مشكلة معقدة، فلو كانت الأمور سارت باتجاه تسلم علاوي لرئاسة الوزراء، ستكون رئاسة الجمهورية من حصة الاكراد والبرلمان من حصة الائتلافين الشيعين، والسؤال الذي كان سيطرح حينها، أين مكان السنة العرب من هذه المعادلة".
القيادي البارز في ائتلاف دولة القانون علي الأديب يعقب على الفقرة الخاصة بتوزيع المناصب السيادية على المكونات الرئيسية بالقول إنها "حسمت تقريبا، ولكن وفقا لحجوم الكتل السياسية واستحقاقاتها الوطنية والانتخابية، فرئاسة الوزراء اصبحت من حصة التحالف الوطني الذي يضم دولة القانون والائتلاف الوطني، ورئاسة الجمهورية ستكون على الارجح للأخوة في التحالف الكردستاني، ولم يتبق أمام العراقية سوى رئاسة البرلمان".
الأديب الذي يعد أبرز حليف للمالكي وقاد وفد دولة القانون في مفاوضات توحيد الائتلافين، قال لموقع "نقاش" إن "التحالف الوطني الذي يمثل الآن الكتلة النيابية الاكبر عددا، سيخوض مفاوضات تشكيل الحكومة وهو يدرك تماما أنها يجب ان تكون حكومة شراكة يساهم فيها الجميع، ولا يمكن بأي حال تجاوز الاستحقاق الوطني للأخوة السنة الذين جسدوا اختيارهم السياسي بالقائمة العراقية، ما يعني أن تمثيلهم حكوميا سيكون عبر القائمة العراقية التي يحوزون فيها الاغلبية".
وتضم القائمة العراقية التي حصلت على أغلب مقاعدها الـ91 من المحافظات ذات الغالبية السنية، كتلا متعددة ابرزها كتلة "تجديد" التي يتزعمها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وكتلة المستقبل التي يتزعمها نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي، وكتلة عراقيون التي يتزعمها النائب اسامة النجيفي، وكتلة الحوار التي يتزعمها النائب صالح المطلك، ويمثل هؤلاء ابرز القيادات السنية التي ظهرت على الواجهة في السنوات السبع الماضية.
وسواء نجحت الكتل السياسية الرئيسية (التحالف الوطني والتحالف الكردستاني وائتلاف العراقية) في تثبيت تحالفاتها لحين اكتمال عملية تشكيل الحكومة التي من المتوقع ان تستغرق قرابة الشهرين، أو لم تنجح، يمكن القول أن شكل الكتل السياسية في برلمان 2010 – 2014 سيتغير على الدوام نتيجة للانقسامات والاندماجات التي سيسفر عنها الاختلاف بالرؤى والمواقف، تماما كما حصل في برلمان 2006 – 2010 الذي بدأ باربع كتلة رئيسية، وانتهى بأكثر من سبع كتل رئيسية وعشرات النواب المستقلين. |