عن نقاش : ما يحتاجه العراق لتزويد جميع المدن بالكهرباء لمدة 24 ساعة متواصلة يوميا هو 27 الف ميكاوات، وما هو مقرر او بالاحرى حسب الوعود، كان يجب ان تصل انتاج الطاقة الكهربائية الى 9 الف ميكاوات هذا العام، لكن ما تستطيع ان تنتجه المحطات من الطاقة الان هو 8700 ميكاوات، اما ما يتم انتجاه فعليا الان هو حوالي 3000 ميكاوات فقط
أزمة الكهرباء لم تعد أزمة الطاقة تثير الكثير من الإستغراب بين العراقيين فهي تمتد لعقود طويلة مضت، لكن الجديد فيها ان المواطن لم يعد يثق بوعود المسؤولين التي تشير دائما الى أن الفترة المقبلة ستكون أكثر استقرارا من ناحية توفير الطاقة، ولكن دون جدوى.
ويعاني العراق من نقص شديد بالطاقة الكهربائية منذ أوائل تسعينات القرن الماضي بعد أن دمرت قوات التحالف شبكته الوطنية خلال حرب الخليج الثانية التي نشبت بعد إحتلال العراق للكويت عام 1990، وما تبعها من حصار اقتصادي أنهك البنية التحتية للبلاد منذ عام 1990 وحتى سقوط النظام السابق عام 2003.
ولم تتم أي عملية صيانة جادة أو بناء منشآت جديدة لتلبية الحاجات التصاعدية الطبيعية للطاقة خلال فترة الحصار، وهي الفترة التي شهد العراق خلالها انقطاعات مبرمجة ومتباينة في بغداد والمحافظات، حتى وصلت خلال الاعوام الاخيرة الى قطع الكهرباء لاكثر من عشرين ساعة في اليوم الواحد.
كما لم تنجح كل مشاريع رفع انتاج الطاقة الكهربائية في العراق التي اقيمت بعد عام 2003. فما زالت الطاقة التي تنتج محليا او تستورد من دول الجوار اقل بكثير من ان تغطي حاجة المواطنين الى الكهرباء، فضلا عن عجزها تماما عن تأمين حاجة المعامل الانتاجية والقطاعات الخدمية في العراق.
وتقول رغد رائد وهي ربة منزل ان "عدم توفر التيار الكهربائي أصبح القاعدة وليس الإستثناء"، مبينة لموقع "نقاش" ان العوائل التي تتمتع بدخل جيد أصبح بإمكانها توفير "خطين للكهرباء الاول يعمل في الصباح والثاني ليلا، وبدونه لن يتمكن احد من النوم بسبب تواطؤ الانواء الجوية التي جمعت بين حر لاهب وعواصف ترابية لا تكاد تهدأ حتى تثور من جديد".
ولا تتحدث رغد رائد هنا عن الكهرباء الوطنية، بل عن البديل الحيوي الذي ابتعده العراقيون لتأمين حاجتهم للكهرباء، وهي المولدات الكهربائية الخاصة التي تنتشر في كل شوارع العاصمة بغداد، وتزود المنازل بتيار كهربائي يتراوح بين الـ3 امبيرات الى 10 امبيرات عبر اسلاك منفردة تشبه خيوط العنكبوت تتوزع من المكان الذي تنصب فيه المولدات الكبيرة الى مئات المنازل المشتركة في (خدمة الكهرباء). والتي يتراوح فيها سعر الأمبير الواحد من تسعة آلاف دينار (حوالي 7 ونصف دولار أمريكي) الى 14 الف دينار، حسب عدد الساعات التي يتم تزويد البيوت خلالها بالطاقة.
وعمليا، ليس هناك منزل في العاصمة بغداد تقريبا لا يتزود بالطاقة الكهربائية من المولدات الاهلية، بعد غياب واضح للطاقة الكهربائية الحكومية، وهو أمر أدى الى إرتفاع نسبة ما ينفقه العراقيون على شراء الكهرباء بدرجة كبيرة.
ويقول الموظف الحكومي سلمان حسن (40 عاما) ان الصرف على شراء الطاقة صيفا "أهم من الإنفاق لشراء حاجات البيت، فبدونها لا يمكن ان يشعر المرء بإنسانيته ولا يمكن ان يحصل على أي قسط من النوم ليبدء عمله في وقت مبكر من الصباح".
وحول حجم إنفاقه على الطاقة أوضح حسن ان المبلغ يعتمد على الموسم "ففي الشتاء القصير نقلص عدد الأمبيرات الى الحد الأدنى وهو خمسة امبيرات وهي بسعر 50 الف دينار شهريا (43 دولار امريكي)"، اما في فصل الصيف فيختلف الأمر حيث نحتاج الى" شراء طاقة اكبر لتشغيل مكيفات الهواء وهذا يعني زيادة بنحو ثلاثة امبيرات على الأقل أي نحو 80 الف دينار شهريا (68 دولار أمريكي)، ناهيك عن الخط الليلي الذي يبدا من الواحدة ليلا حتى السادسة صباحا بسعر خمسة آلاف دينار للأمبير وهو يكلفني 25 الف دينار إضافي (21 دولار أمريكي)".
وتلقي العوائل العراقية باللوم على الحكومة العراقة والفساد الإداري الذي تسبب بزيادة معاناة العراقيين الصيفية مع إرتفاع درجات الحرارة الى أكثر من 50 مئوية في الظل، وهي أزمة لم تكن منابر الجمعة في جميع محافظات العراق بعيدة عنها، فقد تناولوها في خطبهم، متهمين الحكومة خلالها بإطلاقها وعودا كاذبة ومطالبين المسؤولين مكاشفة الناس عن الأسباب الحقيقية لازمة الكهرباء.
وفي الوقت نفسه شهدت عدة محافظات عراقية تظاهرات لمواطنين طالبوا بحل معضلة الكهرباء أو استقالة وزيرها ووضع من هو أكفأ منه.
ولا تؤثر أزمة نقص الطاقة على العوائل العراقية بشكلها المباشر فقط، بل يمتد الأمر الى الوضع الاقتصادي العام، ويقول عادل ناظم وهو أحد أصحاب معامل صناعة البلاستك في منظقة ابو غريب انه أغلق معمله بسبب عدم قدرته على "توفير الطاقة الكهربائية وهو أمر أدى إلى فقدان تسعة من الشباب لإعمالهم وإنضمامهم إلى صفوف العاطلين عن العمل".
وأضاف ناظم لموقع "نقاش" إن "سعر توفير الطاقة للمعامل بشكل عام عالية جدا ولا يوجد أي دعم لأصحاب المعامل اللذين ارتفعت اسعار منتجاتهم المحلية بشكل كبير وبالتالي عدم قدرتها على التنافس مع المنتجات الاجنبية وتوقف الكثير منها عن العمل"، فيما طالت البطالة عمالها او تحولوا الى متطوعين في الجيش والشرطة وبهذا فقدت الايدي العاملة الماهرة.
ويقول ناظم ان الحديث عن تحسن وضع الطاقة في العراق "لم يعد مجديا ولم نعد نصدق أو نثق بوعود وزير الكهرباء التي تأتي كل عام بنفس النغمة ونفس الحماسة ودون نتيجة".
ولا يمكن لأحد ان يعطي رقما محددا عن حجم تأثير نقص الكهرباء على الإقتصاد العراقي لعدم توفر أي بيانات عن الموضوع رغم أهميته، لكن من المؤكد إنه ترك بصمة ليست هينة على كافة مجالات الحياة.
ويقول الخبير الإقتصادي بمعهد الإصلاح الإقتصادي مناف الصائغ ان الكهرباء في العالم الحديث والمتطور تعتبر "عصب الحياة التي لا يمكن ان يحدث اي تطور بدونه"، فهي تؤثر على "تفاصيل الحياة اليومية للمواطن لتفقده اعصابه، ثم على عمله اليومي في الورش والمشاريع المتوسطة نهاية بالمشاريع الكبيرة، ومرورا بأماكن الترفيه وقطاع الإتصالات".
وفي العراق، بحسب الصائغ، فإن المشكلة تقع في خانة الأزمة الحقيقية "كونها أثرت على قطاعات مهمة في الإقتصاد العراقي، وعلى رأسها الصناعة"، والتي تسبب نقص التيار الكهربائي فيها بـ"ايقاف بعضها عن العمل خصوصا تلك التي تحتاج تجهيز متواصل للطاقة، أو إخرج عدد من الصناعات من السوق بسبب التكاليف العالية للتشغيل باستعمال المولد الكهربائي الخاص".
وليس القطاع الصناعي هو المتضرر الوحيد من نقص الكهرباء، فهناك بحسب الصائغ، القطاع الزراعي الذي "تضررت العديد من منشآته وخاصة التي يتعلق عملها بانتاج الدواجن وبيض المائدة، أو الألبان ومشتقاتها والتي تحتاج الى وجود دائم للتيار الكهربائي".
ووصل تأثير غياب الكهرباء الى خارج الحدود العراقية كما يقول الخبير الصائغ، فالمستثمر الأجنبي يعتبر ان "توفر الطاقة أحدى أساسيات العمل ومؤثر رئيسي على كلف تشغيل أي مشروع".
وككل العراقيين المتأثرين بغياب الكهرباء في حياتهم اليومية، تساءل الصائغ عن "مصير الوعود التي تطلقها وزراة الكهرباء منذ سبع سنوات والتي تعدنا دائما بنهاية لمعاناة جميع شرائح المجتمع، دون تطبيق حقيقي، رغم المبالغ الضخمة التي صرفت على هذه المؤسسة؟".
وكانت وزارة الكهرباء أعلنت أكثر من مرة خلال السنوات السبع الماضية عن مشاريع كبيرة لتحسين واقع الكهرباء في العراق، آخرها اطلقته الوزارة أوائل العام الحالي والذي أعلنت فيه إنها ستصل بإنتاجها من الطاقة الكهربائية الى حوالي تسعة آلاف ميكاواط خلال الصيف الحالي، وهو ما سيغطي ثلثي الحاجة المطلوبة من الكهرباء البالغة 27 الف ميغاواط.
وفي واقع الحال فإن وزارة الكهرباء اليوم لاتملك نظريا الا 8700 ميكاواط من مجموع إحتياجات العراق وهذه الكمية بحسب الناطق بأسم وزارة الكهرباء إبراهيم زيدان "كافية لجعل المواطن يلمس فرقا حقيقا وتحسناً واضحا في تجهيزه بالطاقة"، وذلك بعد ان "تنتهي الشركات الأجنبية التي تقوم حاليا بعملية صيانة لعدد كبير من محطات الأنتاج والتي من المتوقع ان تنتهي منتصف شهر حزيران يونيو الحالي".
لكن الانتاج الفعلي من الطاقة الكهربائية لا يزيد عن 3300 ميكاواط، ويقول زيدان ان الوزارة بصدد رفع الإنتاج الى تسعة آلاف ميكاواط بنهاية العام الحالي وذلك بعد "تشغيل محطات كهربائية سريعة النصب وعودة محطات أخرى الى الخدمة".
اما إحتياجات العراق الكاملة من الطاقة فلن يتم تلبيتها إلا في "العام 2013 وبعد إنجاز عقود شركتي جنرال الكترك وسيمنز التي سترفع الإنتاج الى 27 الف ميكاواط وهو أمر مشروط بسير الامور بشكل طبيعي مصحوبا بإستقرار الوضع السياسي".
وكانت وزارة الكهرباء وقعت في 15 كانون الاول ديسمبر من العام الماضي عقد استيراد محطات من شركة جنرال اليكتريك الأمريكية بطاقة 7000 ميكا واط بقيمة 3 مليارات الدولار لدعم الشبكة الكهربائية في العراق، كما وقعت قبلها عقدا مع شركة سيمنز العالمية لبناء محطات جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية بسعة 3300 ميغا واط.
وعلى الرغم من ان منتصف الشهر الحالي الذي وعد به الناطق باسم الوزارة لتنفيذ العقود قد مر، إلا أن الوزارة لم تحرز تقدما، والحر الذي يسيطر على بغداد يجعل انتظار العراقيين من وزارتهم إيفاء وعودها أبعد من حدود الخيال. |