لقد كان "خالد عيسى طه"، سياسياً ومحامياً ومستشاراً ومفاوضاً وسجيناً ومنفياً، وفي كل مرحلة من مراحل حياته كان يتحدث عن تجربته الشخصية بروح النقد الذاتي لهذه التجربة الغنية التي تراكمت مع الأيام، فكانت مكللة بالنجاحات حيناً، والانكسارات والخيبات حيناً أخرى.
بين دفتي هذا الكتاب تجربة عاشها، خالد عيسى طه، ننقلها كما هي من خلال باقة من الكتابات التي تعكس روح وقلب وعطاء رجل حالم، بما فيه من حيوية ومرح وشبابية وتمدن وتحضر وعقلانية، نتعرف من خلالها على وجهة نظه، عبر تغيرات وتحولات في الذات والموضوع، في الحلم والتوقع، وفي الإبداع والموهبة، وفي البحث والعطاء.
لذلك كله، جاءت مقالاته وكتاباته هذه لتعكس هماً صادقاً ومكابدة حقيقية ومعاناة شديدة، وإخلاصاً كبيراً.
تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يسلط الأضواء على الواقع المر الذي يعانيه الشعب العربي في العراق بما فيه من التخفي والانقسام الحاصل بين الجماعات وتحويله الى متاريس طائفية وإثنية، فساد العنف واستشرى الفساد.
لذلك جاءت هذه المقالات والندوات والدراسات المتضمنة في الكتاب والتي انخرط فيها الكثير من العراقيين في الخارج، سواء أكانت هذه المشاركة ايماناً أو رغبة أو مصلحة، إلا أنها سوف تشكل خلفية للتغيير والدمقرطة الموعودة، ولكن بقي هذا حلماً عند كاتبنا كما قال عنه عبد الحسين شعبان "فالحلم وحده هو الذي منحه هذه القدرة العجيبة على المواصلة والكتابة والإصرار على قول الرأي، وفي كل عمل لا بد من حلم، وفي كل فلسفة هناك حلم، ولعل الإنسان بدون أحلام يفقد الأمل ويصاب باليأس، وتنتهي لديه القدرة في المشاركة بالتغيير".
ولنتعرف على هذا الرجل المناضل أكثر حين نقرأ له مقالاً بعنوان: متى يحاكم المرتكبون الإسرائيليون في محكمة العدالة الدولية!!!، في 2/2/2009، يقول فيه: "ما يشغل بال فطاحلة القانون ومحترفي تشريعه هو الاجابة على سؤال ملح يدور في رؤوس الكثرة الكاثرة على سؤال من ملايين الناس متى تقف إسرائيل في قفص الاتهام؟! (...) لماذا مال الرأي العام الأوروبي الى ادانة قادة إسرائيل لم يكن هذا التحول المذهل لادانة إسرائيل واعتبار قادتها مجرمي حرب يجب أن يساقوا الى محكمة العدل الدولية أو محكمة الجنايات الدولية (...)".
كتاب هام يضيء على مسيرة كاتب مثقف حر، ساهم في الشأن العام كسياسي ومحامي وأخيراً كمنفي، فظل يركض وراء الحلم ويطارد المستقبل، لكي يرسم بكتاباته صورة العراق الذي يريد، والإنسان الذي يتمنى، ورجل الدين الذي يرغب، والسياسي الذي يفكر فيه، والمثقف الذي أراده . |