نقاش : أوضحت النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية المستقلة العليا للانتخابات بقاء الكتل "العملاقة" في صدارة العملية السياسية وانسحاب معظم الكتل الصغيرة إلى خارج اللعبة السياسية.
وأشارت النتائج الأولية بعد فرز أكثر من 80 بالمئة من الأصوات أن قائمتي علاوي والمالكي ستحصلان على 87 مقعدًا برلمانيًّا لكل منهما، فيما حصل الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم على حوالى 67 مقعدًا في حين حصل التحالف الكردستاني على 38 مقعدًا، أي أن تلك الكتل الأربعة لوحدها ستحصل على ما مجموعه 279 مقعدا من مجموع 325 هي عدد مقاعد مجلس النواب الجدي، وهو ما يقارب 90 بالمئة من عدد المقاعد المخصصة للمنافسة.
ويرى العديد من قادة الكتل الصغيرة أن التعديل الذي أجراه البرلمان العراقي المنتهية ولايته على قانون الانتخابات أضاع فرصتها في تثبيت وجودها السياسي وأخرجها من الساحة السياسية لفترة قد تمتد لسنوات.
فقد أقر القانون الحالي الدوائر المتعددة بدلا من الدائرة الواحدة، أي أنه اعتبر كل محافظة عراقية دائرة انتخابية مستقلة. وعليه، فإنه لم يسمح باحتساب أصوات الناخبين في كل محافظة في حال عدم وصول الكتلة الى ما يعرف بالعتبة الانتخابية (وهي حد أدنى من الأصوات تحتاجه كل كتلة كي تتمثل في البرلمان، يتم الحصول عليه بتقسيم اصوات الناخبين على عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة).
أما قانون الانتخابات النيابية لعام 2005 فكان يعتبر العراق ككل دائرة انتخابية واحدة، وبالتالي فإن أي صوت في أي محافظة كان يحتسب لصالح الكتلة.
ويرى قادة الكتل الصغيرة، أن تلك الأصوات المتفرقة، لو جمعت، يمكن ان تمنح كتلهم مقعدا في البرلمان.
ولا يقتصر الأمر على ضياع الأصوات بسبب تفرقها في محافظات مختلفة، بل إن المسألة التي أزعجت الكتل الصغيرة الخاسرة هو توزيع هذه الاصوات المتفرقة على الكتل الكبيرة الفائزة، طبقا لما حققته كل كتلة في الانتخابات حسب التسلسل (من الأقوى إلى الأضعف). وبذلك، فإن نصيب تلك الكتل الصغيرة الخاسرة سيوزع على خصومها الكبار وفق القانون الحالي.
ويقول مفيد الجزائري النائب السابق عن الحزب الشيوعي مستاءً إن "إحصائيات المفوضية تشير إلى أننا لم نصل الى العتبة الانتخابية في اية محافظة وستذهب اصوات ناخبينا الى القوائم الفائزة".
وطبقا للإحصائيات الأخيرة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات فإن غالبية القوائم الصغرى لم تصل إلى العتبة الانتخابية في أية محافظة من محافظات العراق.
فقائمة اتحاد الشعب (الحزب الشيوعي) والتي تمتلك أنصارا متفرقين في عدد من المحافظات، حصلت على مقعدين في البرلمان الماضي، أما اليوم فقد حصلت على 2490 صوتا في محافظة بابل و على 509 صوت في النجف ، فضلا عن أصوات متفرقة في مدن أخرى، وهو ما لن يكفيها للتمثل في البرلمان.
أما قائمة وحدة العراق التي يتزعمها وزير الداخلية العراقي جواد البولاني والذي كان جزءا من الائتلاف العراقي الموحد وحصل على ثلاثة مقاعد في البرلمان الماضي، فلم تتمكن هي الأخرى من تجاوز العتبة الانتخابية في أية محافظة، وحصدت أعلى نسبة اصوات في محافظة بغداد بلغت (17533) صوتا في حين أن العتبة الانتخابية لمحافظة بغداد هي 35 الف صوت للمقعد الواحد.
زعيم حزب الأمة العراقية مثال الألوسي الذي تمكن من الحصول على مقعد واحد في الانتخابات الماضية وقع هو الآخر في المطب ذاته، إذ لن يحالفه الحظ في أن يحظى بأية مقعد، ولم يحصل سوى على 1016 صوت في بابل و903 اصوات في محافظة النجف.
وحصل الأمر ذاته مع تجمع أحرار بقيادة رجل الدين (العلماني) أياد جمال الدين الذي حصل على أصوات مشتتة في محافظات الوسط والجنوب لم تؤهله للوصول الى العتبة الانتخابية وبالتالي فإن أصوات الكتلة ستحسب لصالح الفائزين.
ويؤكد القيادي في الحزب الشيوعي مفيد الجزائري لموقع "نقاش" على أن التعديل الذي أجراه مجلس النواب على قانون الانتخابات "سيكرس بقاء الكتل العملاقة كونه الغى احتساب اصوات القوائم المتفرقة والصغيرة التي لم تتمكن من الوصول إلى العتبة الانتخابية".
ويضيف الجزائري أسبابا أخرى لخسارته وبقية الكتل الصغيرة في الانتخابات، قائلا إن "الكتل العملاقة استخدمت إمكانيات أكبر من الكتل الصغيرة في دعايتها الانتخابية بعضها غير معلن تم من خلاله توزيع مبالغ كبيرة من الأموال لكسب الأصوات وهو أمر قد يتكرر في أي انتخابات مقبلة أيضا".
ورغم ان غالبية الكتل الخاسرة تقع ضمن دائرة الكتل الصغيرة والمحدثة، إلا أن بعض الكتل التي فازت بالقليل من المقاعد عدت نفسها مع الخاسرين، ملقية اللوم في ذلك على قانون الانتخابات الحالي وتعديلاته.
فجبهة التوافق التي كانت الممثل الرئيس للسنة في الانتخابات الماضية لم يرد ذكرها الا في ذيل قائمة النتائج في المحافظات التي كانت تمثل القاعدة الرئيسة لها.
وكانت جبهة التوافق قد خاصت انتخابات سنة 2005 بائتلاف مكون من ثلاثة احزاب وحصلت على 44 مقعدا، إلا أنها تعرضت لانقسامات حادة مع الانتخابات الحالية وخرج منها أبرز قياداتها.
ويرجع قصي القرغولي المرشح عن جبهة التوافق العراقية تراجع جبهة التوافق إلى "تشتت أصوات الناخبين بين مجموعة من القوائم بعد خروج مجموعة من قيادات الجبهة ودخولهم في قوائم أخرى".
وقال لـ "نقاش" إن "تجربة الانتخابات أثبتت أن الائتلافات الكبيرة هي التي تفوز بحصة الاسد في عملية الاقتراع، وإن الائتلافات التي تشتت قياداتها تشتت معها اصوات الناخبين ولم تتمكن من تحقيق ماكانت تصبو إليه من نتائج".
ويتوقع المراقبون أن تحصل التوافق على أقل من 20 مقعدا طبقا للنتائج الأولية المعلنة من قبل المفوضية.
لكن وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى قانون الانتخابات، إلإ أن مراقبين وجدوا فيه بعض النقاط الايجابية. فقد أتاح نظام القائمة المفتوحة المعتمد في انتخابات 2010 للناخبين التصويت لصالح مرشحين بعينهم ضمن القائمة الواحدة وليس انتخاب للقائمة كلها كما جرى سابقًا في انتخابات 2005. وهو ما ادى إلى تهاوي العديد من الاسماء صاحبة النفوذ، المحسوبة على كتلٍ كبيرة.
وتشير آخر النتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات العراقية بمركز العد الوطني في بغداد إلى سقوط أكثر من 30 وزيرًا ومستشارًا وقياديًا متنفذًا في ائتلافات كبرى ونواب ومسؤولين في الانتخابات، وفشلهم في الحصول على اصوات تمكنهم من الدخول الى مجلس النواب العراقي.
ويرى مراقبون أن الكتل الكبيرة أو العملاقة، وإن كانت قد حققت مكاسبا نتيجة اعتماد الدوائر المتعددة، إلا أنها نالت خسائر ليست بالهيّنة أيضا بسبب اعتماد القائمة المفتوحة بدلا عن المغلقة.
فمن بين كبار الشخصيات السياسية المعروفة التي سقطت في هذه الانتخابات التشريعية كل من: وزير الدفاع عبد القادر العبيدي ووزير التخطيط علي بابان ورئيس مجلس النواب اياد السامرائي وموفق الربيعي مستشار الامن القومي السابق وسامي العسكري المستشار السياسي لرئيس الوزراء نوري المالكي ومحمود المشهداني رئيس البرلمان السابق وحاجم الحسني رئيس الجمعية الوطنية السابق ومهدي الحافظ وزير التخطيط السابق وعلي العلاق الامين العام لمجلس الوزراء وصادق الركابي المستشار السياسي للمالكي.
كما فشل ايضًا في الحصول على مقعد برلماني كل من مستشار المالكي لشؤون الاعلام مجيد ياسين وعلي اللامي المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث ووزير النقل عامر عبد الجبار ووزير التربية خضير الخزاعي، وكذلك وزير المهجرين عبد الصمد رحمن.
ومن ضمن الخاسرين ايضا أثنان من أكبر القياديين في المجلس الأعلى الاسلامي هما همام حمودي وجلال الدين الصغير إضافة الى نواب مرشحين عن المحافظات لم تعرف اسماؤهم بعد.
ومن المنتظر أن تعلن المفوضية العليا للانتخابات النتائج النهائية في نهاية آذار/مارس الحالي ليتبين معها بصورة أوضح، من سيبقى ومن سيخرج من الحلبة السياسية العراقية. |