|
|
من سيوقظ الوحوش هذه المرة؟ |
|
|
|
|
تاريخ النشر
22/03/2010 06:00 AM
|
|
|
بالأمس ارغمني السيد رئيس الوزراء على الاستماع لـ"أزيز رصاص" تمقته آذان معظم العراقيين المتخمة بضوضاء الحروب. ففي لحظة قرر نوري المالكي ان يطعن بنتائج الانتخابات لا بوصفه مرشحا او حتى رئيس حكومة، بل بصفته "قائدا عاما للقوات المسلحة" وهو خطاب يعد الأغرب بين كل بيانات حكومته طيلة الاعوام الماضية. قرأنا بالامس البيان الذي نشره الموقع الرسمي للحكومة وكانت فحواه طلبا رسميا موجها لمفوضية الانتخابات لإعادة فرز اصوات الناخبين يدويا، وهو مشابه لطلب رسمي آخر تقدم به رئيس الجمهورية، في خطوة تظل مشروعة يمكن لأي مرشح ان يطالب بمثلها. لكن المالكي وعلى خلاف جلال طالباني، أصر على ان يجعل مجلس المفوضين يستمع إلى طلبه ممزوجا "برائحة بارود" غير مستساغة. العبارة الرسمية التي اشعر ان فرج الحيدري رئيس المفوضية قد أعاد قراءتها ألف مرة، كانت تقول بالنص "..وبصفتي القائد العام للقوات المسلحة أدعو المفوضية العليا للانتخابات إلى الاستجابة الفورية لمطالب هذه الكتل (اعادة الفرز) حفاظاً على الاستقرار السياسي والحيلولة دون انزلاق الوضع الأمني في البلاد وعودة العنف..". حاولت ان اتفحص البيان مرات عديدة كي أقنع نفسي بأن المالكي لم يكن يقصد سوءا بالحديث عن صفته كقائد للقوات، لكنني تذكرت ان المتحدث هنا ليس قياديا في حزب الدعوة بل هو رئيس الوزراء الذي يمرر بياناته على حشد من المستشارين قبل نشرها، ويبدو انهم جميعا "طربوا" لسماع النغمة العسكرية داخل البيان، دون ان يعبأ أي منهم بما تعنيه... كأن مستشاريه قالوا في سرائرهم "فلتعن العبارة ما تعني وليفهموا منها ما يفهموا". حصل المالكي على اكثر من مليوني صوت في الاقتراع، وهؤلاء الناخبون كتموا كل احتجاجاتهم على الكهرباء المقطوعة والماء الملوث والانهيارات العديدة، وصوتوا له لأنه كان يعني لهم عهدا شهد إحلال أمن نسبي. لكن المالكي نفسه يتحول في البيان الحكومي وفي لحظة عجز خلالها عن إخفاء "هستيريا" شديدة تتملكه، الى سبب لعدم الشعور بالأمان، فهو يتحدث عن انزلاق الأمن بسبب نتائج الانتخابات، تاركا سحب الغموض والتوجس تخيم على المشهد. كيف يتخلى هذا المسؤول عن كونه "سببا للأمان" ويتحول الى "سبب للإخافة"؟ كنت اتمنى ان اسمع المالكي يقول ان القوات المسلحة ستحبط اي محاولة للإخلال بالأمن من قبل اي طرف خاسر حتى لو كان الخاسر حزبه هو. لكنه أصر على ان يطالب بإعادة فرز الاصوات بصفته قائدا للقوات تلك، منوها باحتمال ان ينزلق الامن لو جرى رفض طلبه من قبل المفوضية! قبل عام تقريبا جئت الى العراق قادما من الكويت، وشعرت بشيء من الحرية عند كورنيش البصرة في غياب الميليشيات، كما تجولت ليلا في الاعظمية دون ان اشاهد المسلحين. أثنيت يومها على "جرأة" المالكي وجهود اجهزة الأمن التي كبحت جماح أولئك العابثين بالأمن. وبعد عام من هذا التاريخ اجلس مع سواي لأراقب كيف يقوم قادة البلاد "بترويعنا" بفقدان الأمن، ويطعنون بنتائج الاقتراع بصفتهم "قادة للقوات المسلحة". ترى هل يمكن لخاسر محتمل ان يحول "القوات" هذه الى "جماعة مسلحة" أخرى تنتهك أمن البلاد من أجل عيون سلطة ربما "تطير" في لحظة؟ بعد حديث المالكي عن امكانية انزلاق الأمن مقابل بقاء النتائج كما هي، أي ضمانة تبقى لتسليم سلس للسلطة، لو لم تحصل "دولة القانون" غدا على ثقة البرلمان بحكومتها، وهذا امر وارد؟ وهل يمكن يا ترى ان يجازف حزبه بأمن الناس ويخرج أنصاره بالألوف الى الشوارع منددين بمفوضية الانتخابات التي شكلتها "القوى السياسية المتنفذة" ذاتها؟ هل يمكن ان نكون أمام سيناريو صدامات "شعبية" تحركها الأحزاب التي تفاخرت حتى الاسبوع الماضي، بأن الانتخابات "نزيهة" ورددت أن حكومة المالكي تتفاخر أمام بلدان المنطقة بأنها الوحيدة التي تنظم اقتراعا من هذا النوع؟ هل ستحاول الاطراف الاخرى تسييد صوت الحكمة و"تهدئة" القائد العام للقوات المسلحة؟ ام انها ستحاول القيام بلعبة مماثلة وتنتشي "بهستيريا المالكي" وتقوم باستغلالها نحو التأجيج ثم التأجيج الذي قد يستمر شهورا؟ كتب القاص العراقي الكبير محمد خضير نصه الجميل "كراسة كانون" في عهد صدام حسين. واختار يومها ان يصدره بعبارة منسوبة للفنان الاسباني فرانسيسكو دي غويا المعاصر لنابليون والذي كان ينتقد في اعماله العنف الديني والسياسي. غويا قال: حين ينام العقل تستيقظ الوحوش. لماذا لا اتذكر الآن سوى هذا الاقتباس؟ من سيوقظ الوحوش هذه المرة مع "تواري" القاعدة والميليشيات يا ترى؟ |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ سرمد الطائي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|