|
|
خواطر... انتخابية ! |
|
|
|
|
تاريخ النشر
25/02/2010 06:00 AM
|
|
|
منذ بدأ الحملة الانتخابية صار التجول في شوارع بغداد متعة كبيرة بالنسبة لي برغم الازدحام الخانق وبوادر حر الصيف الذي وصل مبكرا هذا العام، وسبب شعوري هذا هو ما اقرأه من شعارات كتبت على لوحات وصور صغيرة ومتوسطه وكبيرة وعملاقة لمرشحي الانتخابات البرلمانية القادمة من مختلف الاتجاهات والكتل والتيارات والاحزاب والتي صارت تملأ الشوارع والارصفة والساحات وجدران المباني والجسور وقبل ان تعتقدوا ان سبب سعادتي هي انضمامي الى من يطبل ويهلل لهذه الانتخابات على انها عرس كبير سيعيشه العراقيين اقول لكم ان سبب استمتاعي بقراءة هذه الشعارات بتمعن كبير هي مقدار تناقضها مع حقيقة الاشخاص الذين يرفعونها وخصوصا ممن هو موجود اصلا في الحكومة الحالية وعلى قاعدة " شر البلية ما يضحك"..فقبل اربع سنوات وفي الانتخابات البرلمانية السابقة وبينما كنت اسير في احد شوارع بغداد شاهدت لافتة كبيرة جدا مكتوب عليها "نعدكم ان نبني بغداد خلال شهرين فقط ..انتخبوا قائمة...."، ان شعار اعادة بناء بغداد خلال شهرين بدا شعار جميل جدا ويدعو للتفاؤل بعودة بغداد مدينة جميلة ونظيفة على الاقل وقد يكون هذا هو السبب لبقاء شعار هذه القائمة عالقا في ذاكرتي دونا عن شعارات بقية القوائم واصبح مترسخا اكثر بعد الوضع المزري والعجيب الذي وصلت له مدينة بغداد خلال السنوات الاربع الماضية ،ان شعارات على شاكلة الشعار السابق صارت الان تثير في نفسي الكثير من التعجب والتهكم وحتى الخوف من ان تنقلب الامور الى عكس مضمون الشعار على غرار اعادة بناء بغداد في شهرين والذي تحول الى مشروع مستمر لاستكمال تخريب بغداد .. برلماني كبير ومعروف دعي قبل اكثر من سنتين لحضور ندوة نظمتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني المعنية بوضع المرأة والاسرة العراقية ليطلع على الوضع المزري والخطير للمرأة والطفل في العراق وما خلفته سنوات الارهاب والاقتتال من مآس ، وبعد تقديم شرح طويل واحصائيات عن عدد الارامل والايتام والمشردين في العراق ومقدار الاهمال الذي يعانون منه فُسح له المجال ليتكلم على امل ان يقدم ولو وعود بالالتفات الى هذه الطبقات المسحوقة او سن قوانين جديدة او الدفع باتجاه ان توُليهم الحكومة اهتماما خاصا واولية ..لكن البرلماني الخطير لم يجد في جعبته الخاوية اساسا غير عذر مكرر وبائس هو انه سيعمل على طرح مشكلة الايتام والارامل وايجاد حلول لها لكن هذا لن يكون قبل خروج قوات الاحتلال من العراق !.. منظموا الندوة لم يتمكنوا من تحمل المزيد من الاعذار المكشوفة للتهرب من تقديم عمل حقيقي لابناء هذا البلد فقاطعوا البرلماني لانهاء الندوة بحجة انتهاء الوقت المحدد فما كان منه الا ان ثار وازبد واتهمهم بعدم احترام الشخصيات السياسية فانقلبت الندوة الى جدال وتجاذب حول احترام سيادة النائب . ربما ما كنت لاتذكر هذه الحادثة ولا تفاصيلها لولا رؤية صورة من الحجم الكبير معلقة عاليا وسط احد شوارع بغداد الرئيسية والمزدحمة لهذا البرلماني الفطحل وهو بوجه متجهم يشير باصبعه الى مجموعة من النساء العراقيات الباكيات والمتشحات بالسواد وقد غطين وجوههن باكفهن تجاورها صورة اخرى لنساء اخريات يلطمن وجوههن امام جنازة ، وتحت اصبعه الذي يشير اليهن شعار يتهدد فيه ويتوعد بعد المغفرة لمن ظلم هؤلاء النسوة !!.. اي مهزلة مضحكة اكبر من هذه ! مما لا شك فيه ان صدام حسين كان اول من اعاد للعشيرة سلطتها وقانونها على المواطن بعد ان عملت الدولة العراقية لسنوات طويلة سبقت حكمه على تقوية قانون الدولة واضعاف العادات والممارسات العشائرية ، وكان صدام قد استعان برؤوس العشائر لضبط الامن في المدن والقرى بعد هزيمته في الكويت وشيوع حالة الفوضى التي سادت بعد ذلك فصرنا نرى رجال العشائر من على شاشة التلفزيون حاضرين في مجالس القائد مع راياتهم الخفاقة واهازيجهم الحماسية التي تعرب عن الولاء والتعهد بالوفاء للقائد .. ومما لاشك فيه ايضا ان الكثير من ابناء الشعب العراقي كانوا يشعرون بالاسى والحزن لعودة العراق الى ازمان تصورا انها لن تعود وكان ما يخفف من وقع هذا التدهور علمهم ان من يقود العراق انما بعودته الى القبيلة والعشيرة انما عاد الى الام الحنون التي يعرفها وان تظاهره بالمدنية لم يكن الا تظاهر زائف ووقتي لذا كان من الطبيعي ان يتأمل الجميع زوال مظاهر سيطرة العشيرة على المدينة وابناءها بعد زوال النظام لكن هل تحقق المأمول ؟! ..برزت الظاهرة بشكل قوي في الحملة الانتخابية لانتخابات مجالس المحافظات التي جرت في مطلع العام الماضي حيث راح رؤوس الكتل الانتخابية الكبيرة يتجهون الى رؤوساء العشائر في كافة المدن العراقية خصوصا تلك التي ينتمي لها مرشحين بارزين ينتخون بهم لانتخابهم او انتخاب كتلهم واصبحت الظاهرة اكثر نضجا ووضوحا خلال الحملة الانتخابية الحالية فعدنا لنرى مرشحي الكتل الكبيرة الموجودين اصلا في مراكز الحكم يظهرون على شاشات التلفزيون ومجالسهم تعج بروؤساء وشيوخ العشيرة الفلانية والعلانية والكل يهتف ويعاهد او هم يزورون مضايف تلك العشائر بل ان بعض المرشحين ظهرت صوره في الشوارع وهو يرتدي الزي العشائري المثمثل بالثوب العربي والكوفية والعقال وتحتها عبارة انتخبوا المرشح الدكتور...!، ولم تستثنى من الظاهرة حتى المرشحات من النساء( بالرغم من ان العشيرة لا تضع اسماء النساء في مشجراتها!) حيث اتجهن الى رؤوس عشائرهن لطلب " الفزعة" لاجل انتخابهن من قبل ابناء العم وابناء العشيرة ، ومن المفارقات التي شهدتها ان مرشحة عن احدى القوائم لها اخ هو الاخر مرشح لكن عن قائمة اخرى اتصلت برئيس فخذ من افخاذ عشيرتها تنتخي به ليدفع ابناء العشيرة لانتخابها فأخبرها ان اخيها المرشح قد سبقها لطلب مساعدته ومساعدة ابناء العشيرة !. بعض هذه التحركات على رؤوس العشائر ما هي الا صفقات مالية كبيرة يجريها المرشح مع رئيس العشيرة لدفع ابناء العشيرة لانتخابه بغض النظر عن حقيقة المرشح وتاريخة ومقدار اخلاصة ووطينته او حتى كفاءته للعمل البرلماني او الشعارات التي يرفعها اثناء الحملة وهذا يجعل شيخ العشيرة الواحدة يتلقى اكثر من عرض وطلب لمساندة اكثر من شخص او كتلة وهنا يجب الاشارة بوضوح الى ان هناك من رؤوس وشيوخ العشائر من يساند مرشح او كتلة ما لقناعته وايمانه بها او بعد اخذ وعود وعهود من القائمة ان تحقق مطالب معينة لقاء انتخابها وهذا مشابه لدور مؤسسات المجتمع المدني والنقابات في الدول المتقدمة التي تجاهد للحصول على وعود بتحقيق مطالب مشروعة مقابل ان ينتخب الناس المنضون تحتها المرشح او الحزب الذي يعد بتنفيذها ، لكن هذا ما يحصل دائما ؟! ان ما يطوف على السطح هنا هو ان الاولوية والولاء لمن يدفع لشيخ العشيرة اكثر ويبقى على هذا الشيخ ان يدفع ابناء عشيرته خصوصا من البسطاء وكبار السن لانتخاب الشخص المقصود بغض النظر عن تاريخه او انجازاته..من وضع كهذا هل نستغرب ان نرى نواب في البرلمان لا يمثلون الشعب تم انتخابهم من قبل روؤساء عشائر لم يمثلوا ابناء عشيرتهم وناسهم؟ .. انها ديمقراطية عراقية بامتياز ! من الظواهر الانتخابية الملفتة للنظر هنا في العراق هي خروج زعماء الكتل الكبير في زيارات للمدن والقرى النائية وتفقد العوائل الفقيرة وقت الانتخابات ومع ان هذه الزيارات يمكن ان تكون عادية جدا ويقوم بها كل المرشحين في الدول الديمقراطية وقد يستقل المرشح قطارا يمر بعدد من المدن وينزل في كل مدينة يمر بها القطار للقاء الناس الذين يتجمعون لسماعه ومساندته لكنها تصبح ظاهرة منفرة عندما تحدث في العراق وذلك لان معظم سكان هذه المدن والقرى قد جفت حناجرهم واقلامهم وهم يناشدون ويكتبون لمسؤولي الحكومة ونواب البرلمان للاتفات الى معاناتهم وزيارتهم للاطلاع على احوالهم دون جدوى وبعد ان يأسوا ان يستمع احد لشواكهم يجدون شخص ومن اعلى السلطات يزورهم فجأة طالبا دعمهم في الانتخابات !.. وهنا اذكر سكان مدينة تقع على اطراف مدينة بغداد سكانها من الاحياء الاموات يعانون من اشد انواع الفقر والحرمان والاهمال بيوتهم بلا ماء او اي خدمات اخرى ، رفع سكان هذه المدينة الاف الشكاوى للحكومة للاتفات الى معانتهم وشكا اكثر من شخص من سكانها التقيته شخصيا من عدم زيارة اي مسؤول او برلماني لمنطقتهم وطيلة السنوات الاربع الماضية ووصفتهم احدى النساء التي تعرف المنطقة عن قرب عندما سألتها عن احوالهم بقولها : هل شاهدتِ في الشارع او التلفزيون صور لاطفال حفاة ملابسهم ممزقه يجبون الشوارع ويحوم الذباب حول وجوههم الشاحبة ؟ انهم اطفال هذه المدينة تقصدهم القنوات التلفزيونية والمصورين للحصول على هذا النوع من الصور !.. قبل ايام قليلة ومع بدأ الحملة الانتخابية قام زعيم احد الكتل الكبيرة بزيارة الى هذه المدينة وتفقد سكانها وقد استقبله سكان المدينة البسطاء بحفاوة رغم فقرهم وبؤسهم لكن رجال الدين في المدينة رفضوا استقباله احتجاجا على الاهمال الذي عانته مدينتهم طيلة السنوات الماضية واعلنوها صريحة في وجهه ان زيارته لهم ليست الا لكسب دعمهم له في الانتخابات وبعدها ستنتهي كل صله له بالمنطقة وسكانها ! اصبح لا يمر يوم منذ بدأ الحملة الانتخابية وحتى الان دون ان اسمع عددا من القصص حول مرشحين يعتمد برنامجهم الدعائي اثناء الحملة على توزيع الاموال والهدايا وبشكل باذخ وصارت قصص من هذا النوع متداولة في العمل والشارع وفي سيارات نقل الركاب، ويتفنن رواتها احيانا في طريقة سردها وربما يضاف لها لتتحول الى ما يشبه القصص الخيالية وقصص الملوك الذين يرمون باكياس النقود على من يمتدحهم او يبايعهم، وليس بعيدا ايضاً ان لا تكون حقيقية ويقصد منها الطعن بمرشح معين بغرض اسقاطه خصوصا بعد الضجة التي اثيرت حول الاحزاب التي تشتري اصوات الناخبين بالهدايا مستغلة حاجة عدد غير قليل من الاشخاص والعوائل الفقيرة والمعدمة، ومع اننا نميل اكثر الى ان نصدق هذه القصص لاننا او واحدا على الاقل من معارفنا او اقربائنا قد شهد الحالة بنفسه سابقاً لذا يصبح التصديق اسهل واقرب الى الحقيقة وفي الحملة الانتخابية الحالية سمعنا قصصا كثيرة مشابهه او اغرب بكثير, منها ان مدير عام احدى الدوائر الصحية الرئيسية في بغداد وهو مرشح عن احدى الكتل، يوزع الوظائف على كل متقدم لطلب التعيين يطرق باب مكتبه، واخر عرُف باستماتته للحصول على منصب رئاسة الوزراء جعل مقر حملته الانتخابية احد فنادق الدرجة الاولى في بغداد وصار كل داخل الى هذا المكتب يستلم ظرف يحتوي على مبلغ من المال سواء تحدث ام لم يتحدث او انه جاءه مؤيدا او معارضا ، ومرشحة اخرى توزع ظروف تحتوي على مبالغ نقدية على جمهور الندوات التي تقيمها للترويج لنفسها ، وآخر يوزع بطاقات رصيد للموبايل ..اتصور اننا سنقرأ المزيد من هذه القصص في الايام وحتى السنوات القادمة اذا ما بقيت الازمات والكلام اكثر من الفعل الجاد والحقيقي ، حيث سيتسابق من يسكت الان عن هذه الظاهرة من اجل فضحها وحتى تهويلها او استغلالها.. لكن هل يمكن ان نقرأ قصصاً عن اناس يطالبون المرشح باموال ليصوتوا له ويتحولون الى مطالبة مرشح اخر اذا ما رفض الاول اعطائهم؟! هذه الظاهرة موجودة فعلا وصارت فترة الانتخابات فرصة للكثير من العوائل ورؤساء بعض منظمات المجتمع المدني والتجمعات والروابط لغرض مساومة المرشح واستغلاله مقابل حشد اناس المنطقة او المنظمة له او دفعهم لانتخابه وعلى المرشح ان يرضخ لهذا الابتزاز حتى موعد الانتخابات خصوصا ان كان من المرشحين الجدد ولم يسبق للناس التعرف عليه او مرشحا عن احدى الكتل الكبيرة التي تقابل بعبارات مثل " ماذا فعلت لنا لنعيد انتخابها ؟", ومقابل هذا صرنا نسمع تبريرات من قبل الناس لهذه الظاهرة على شاكلة انها مساعدات للعوائل المحتاجة وان هذه الهدايا يجب ان تقدم للناس لتشجيعهم على حضور الندوات الانتخابية التثقيفية وليست لشراء الاصوات وهنا اذكر مرشحة ارادت لقاء عوائل احدى مناطق بغداد فسألتها رئيسة احدى مؤسسات المجتمع المدني في تلك المنطقة عن الهدايا التي ستقدمها للعوائل الفقيرة في المنطقة فاجابتها المرشحة لا شيء فنصحتها مديرة المؤسسة بعدم الحضور لان الناس لن يحضروا الا من اجل الهدايا اما الكلام والوعود فقد شبعوا منها.. الحق ان الناخب العراقي صار اكثر فطنة من ان يبيع صوته مقابل مبلغ من المال او هدية وايضا اكثر قدرة على المراوغة وعدم الصدق ليستغل فترة الحملة الانتخابية للحصول على اكبر كم من المكاسب المادية والهدايا مقابل عدد لا نهائي من الوعود بانتخاب عدد مفتوح من المرشحين وحجته في هذا انها الفرصة الوحيدة للحصول على نتائج ملموسة منهم وان اعطاء وعد بالانتخاب للمرشح ومن ثم اخلافه لا يختلف عن وعود المرشحين للناخبين التي تختفي مع وصولهم للبرلمان ! بمعنى انها اصبحت لعبة مزدوجة.لكن هل يصنع الشعب المراوغ الذي لا يفي بوعوده نائبا مراوغا لا يفي بالوعود ويتخلى عن شعاراته حال وصوله للبرلمان ام ان النائب المراوغ هو الذي صنع شعباً مراوغاً صار يجيد ابتزازه؟! |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ مها عبد الكريم
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|