نقاش : لا يحظى اي حي في كربلاء بتلك الشهرة التي نالها "حي البعث" كما كان الناس يسمونه في عهد صدام حسين، أو "حي الغدير" كما تسمية الجهات الرسمية في المحافظة، أو "حي التنك" كما يسميه سكان المدينة الاصليون.
وفي الاعوام الثلاثة الماضية، اخذ الكربلائيون يطلقون عليه تسمية "حي الميليشيات" لاندفاع اعداد كبيرة من شبابه للانتساب الى تنظيمات "جيش المهدي" و"جند السماء" المسلّحة، بحيث بات الحي مصدرا للصداع لاهالي كربلاء ومسؤوليها المحليين.
ويقول الباحث في علم الاجتماع عدي بجاي الذي أرخ لتطور الحي، أنه كان ولسنوات طويلة، مكانا يلتجأ إليه أبناء البادية خلال الشتاء في ستينات القرن الماضي، إذ كانوا يشيدون عليه بيوتا من الصفيح للاحتماء من المطر والبرد في الشتاء، ويغادرونه في الصيف. ومع اتساع رقعة مساكن الصفيح، عرف الحي أول ألقابه، إذ بدأ الأهالي يطلقون عليه تسمية "حي التنك"، ثم تزايد عدد البيوت وتحول المكان إلى حي سكني من العشوائيات، بعدما لجأ إليه فقراء من المدينة وخارجها، وأقاموا فيه بيوتا من الطين والاسمنت، وأطلق عليه رسميا اسم "حي البعث". ثم عاد اسم الحي ليتغير إلى "حي الغدير" بعد سقوط النظام السابق، وهو اسم يحمل دلالات دينيةـ حيث ان الغدير أحد الأعياد الدينية المعروفة لدى الشيعة.
ويصنف الحي رسميا ضمن دائرة الأحياء الأفقر في المحافظة، كما أن أكثر من 60 في المائة من منازله تعود إلى الدولة ولم يتم تمليكها لساكنيها بعد لانها شيدت على اراض متجاوز عليها.
بيوت الحي لاتشبه باقي منازل الاحياء في المدينة، فهي مزيج من بيوت الصفيح، وبيوت مصنوعة من القش والطين، وبيوت مشيدة بالاسمنت. بعض البيوت انشطرت الى ثلاثة او اربعة منازل في كل منزل غرفة واحدة او غرفتين.
وقد شيدت الأخيرة بشكل غير منتظم وبمساحات غير محددة، فهناك بيوت اسمنتية مساحتها 30 مترا واخرى 70 وثالثة 100 متر، على العكس من باقي احياء المحافظة التي يتسم كل حي منها بمساحة محددة، فمثلا حي الحسين مساحة المنزل الواحد فيها 600 متر مربع وحي الموظفين 200 مترا.
ويبلغ العدد الرسمي لمنازل الحي نحو أربعة آلاف منزل، لكن جابر المكطوفي مختار الحي أكد لـ "نقاش" أن عدد المنازل اكبر بكثير من المعلن رسميا، اذ ان "هناك العديد من المحلات والمنازل النائية في اطراف الحي لم يتم ترقيمها من قبل البلدية ويبلغ عددها نحو ألفي منزل. ويقول "لا يمكنني احصاء السكان بشكل دقيق لكن الحي هو الاكبر مساحة في المحافظة والأكثر كثافة سكانية".
ويشكو قاطنو "حي الغدير" من رداءة الخدمات فهو لا يحتوي على مجاري للمياه، كما أن شوارعه الفرعية غير معبدة، ويكفي أن تمر سيارة صغيرة لتعقبها عاصفة من الأتربة التي تغطي المنازل القريبة اثناء الصيف، كما تكفي زخة امطار موسمية لتحيل شوارعه الى كتل طينية يصعب السير عليها، "لكنه، وعلى الرغم من ذلك، ملجأ ملائم لغالبية الناس من محدودي الدخل وأصحاب المهن الصغيرة" على حد تعبير كاظمية فاضل، وهي من سكنة الحي.
وترى السيدة الأربعينية وجود هذا الحي هو "نعمة من الله"، إذ إنها بقيت لأكثر من شهرين تبحث عن منزل ملائم تستأجره مع والدتها وطفليها، لكنها لم تحصل على مطلبها سوى فيه، اذ عثرت على منزل متواضع بإيجار شهري لا يتجاوز 65 دولاراً.
أما مختار حي الغدير الذي يسكن الحي منذ أكثر من 40 عاما فقد قال لـ"نقاش" إن " الحي بقي لسنوات طويلة يرمز إلى بعض الممارسات غير الشرعية، بعدما سكنه خليط من من المتهمين بارتكاب جرائم في مناطقهم ويتجنب معظم سكان كربلاء السكن فيه".
وبعد مرور عامين على سقوط ذلك النظام، تحول الحي إلى اكبر معقل لـ "جيش المهدي" التابع للزعيم الشاب مقتدى الصدر، حيث تتهم السلطات المحلية في كربلاء سكانه بإيواء الميليشيات والخارجين عن القانون والعصابات فأصبح منذاك "حي الميليشيات".
وتشير الإحصاءات الرسمية في المحافظة إلى أن أكثر من نصف مخابئ الأسلحة التابعة للميليشيات والتنظيمات السرية مثل "جند السماء" تم العثور عليها في ثلاثة أحياء رئيسة في المحافظة هي حي الغدير والحي العسكري وحي الطاقة، وجميعها احياء تتصف بالفقر، فضلا عن اعتقال مجموعات كبيرة من شباب الأحياء الثلاثة خلال الحملة الأمنية التي نفذتها الحكومة العراقية في عام 2008 .
ويقول مدير دائرة الإعلام في مديرية شرطة كربلاء رحمن مشاوي أن "البطالة التي يعاني منها شباب الحي دفعتهم للانتساب إلى الميليشيات المسلحة والجماعات الخارجة عن القانون والعمل معها لكسب الرزق في السنوات الماضية"، مبينا أن "السلطات الأمنية عثرت على كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلا عن الهاونات الثقيلة والأسلحة الحديثة الصنع داخل الحيفي العامين الماضيين".
وقد وصف معظم سكان الحي ممن قابلتهم "نقاش" استجابة السلطات المحلية لمطالبهم بتوفير الخدمات والأمن بـ "البطيئة" أو "شبه المعدومة". وقال معظمهم أن التخصيصات المالية للمشاريع الخدمية في الحي لم يتم إيداعها في ميزانية المحافظة إلى الآن.
ولا يبدو سكان الحي مبالين بتسمياته المتعددة سواءا كان حي التنك او البعث او الغدير او حتى الميليشيات، بقدر اهمية تأمين الخدمات الضرورية لحيّهم الفقير، سيما ان كيلومترات قليلة تفصلهم عن مركز مدينة كربلاء، إحدى أهم مناطق السياحة الدينية في الشرق الاوسط . |