عن "نقاش" : مع اقترابِ موعدِ الانتخابات النيابية المقبلة التي ستجرى في السابع من آذار المقبل، أضحت المرجعية الدينية في النجف الاشرف هدفا لزيارات متعددة من قبل سياسيين، فخلال الشهر الماضي زار نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ورئيس الوزراء نوري المالكي، آية الله العظمى علي السيستاني في النجف، وأمضى المالكي مع المرجع السيستاني بعض الوقت، وحرص بعد خروجه من الاجتماع بالمرجع على الرد على أحد رجال الدين المتشددين السعوديين الذي كان قد أساء في خطبة له إلى المرجع السيستاني.
ولا يقتصر هذا المسعى على المالكي وحده، فمعظم السياسيين، حتى من غير الإسلاميين، يحرصون مع أقتراب موعد الانتخابات على إظهار أنفسهم وكأنهم مُؤيِدونَ من قبل المرجعية الدينية.
ويفسر حسين الابراهيمي المنسق الإقليمي لشبكة شمس المعنية بمراقبة الانتخابات في العراق هذه الظاهرة بأنها "محاولة طبيعية من السياسيين للحصول على التأييد الشعبي، طالما أن للمرجعية كلمة فصل على مساحة عريضة من الشارع العراقي".
ويضيف الإبراهيمي أن السياسيين هم من استغل المرجعية في الانتخابات الماضية "فالمرجعية لم تؤيد في يوم ما طرفا سياسيا على حساب أطراف أخرى، وكل ما قيل بهذا الصدد مجرد دعايات انتخابية".
وقد شهدت المرجعية الدينية الشيعية في النجف مدا وجزرا في علاقتها بالدولة، من حيث تنامى دورها بصورة لافتة بعد سقوط نظام صدام حسين بسبب الفراغ السياسي الذي اعقب إنهيار الدولة، وذلك بعد تراجع دورها منذ سبعينيات القرن الماضي، بسبب التضييق السياسي الذي مارسه نظام حزب البعث.
وبهذا الصدد يقول احمد مكطوف احد طلبة العلوم الدينية السابقين "لم يبق في النجف اليوم سوى عدد محدود من مراجع الدين ولعل أبرزهم آيات الله: علي السيستاني، وبشير ألنجفي ومحمد سعيد الحكيم، ومحمد إسحاق الفياض، ومع أن هؤلاء المراجع الكبار مجمعون على عدم الخوض في تفاصيل الانتخابات، وحتى العملية السياسية، غير أن من مراجع الدين الآخرين، مثل آية الله اليعقوبي من أسس حزبا سياسيا وصار يدعو لهذا الحزب وكان لحزبه حضور في مجالس المحافظات وفي البرلمان الحالي.
ويتفاوت تدخل المراجع في الشؤون السياسية، لكن هناك مفارقة لافتة، وهي أن أكثر مرجع مؤيد لعدم التدخل في الشؤون السياسية هو الاكثر تأثيرا، والمقصود بذلك أية الله علي السيستاني، لأن "الكلام المسموع على نطاق واسع في الشارع الشيعي يصدر من هذا المرجع الأعلى"، بحسب الصحفي حسون الحفار.
وتجد المخاوف من استغلال المرجعية الدينية في الانتخابات من سابقة انتخابات 2005، حيث كانت مشاركة الناخبين والتي فاقت نسبة الـ 70% في الانتخابات البرلمانية بسبب تشجيع المرجعية الدينية على اجراءها واعتبارها واجبا دينيا.
وقد حازت كتل سياسية شيعية على نجاحات كبيرة في الانتخابات المذكورة من خلال توظيف موقف المرجعية المؤيد لاجراء الانتخابات على انه حض على انتخاب قوائمهم من خلال الترويج للقول بأن المرجعية الدينية العليا بالنجف دعت للتصويت لصالح قوائم بعينها، بناء على الانتماء الطائفي الشيعي لتلك الكتل.
ومع أن مراجع الدين لم يصرحوا بشكل علني بدعمهم لقائمة بذاتها، واكتفوا بدعوة الناخبين لاختيار "الاكثر كفاءة ونزاهة" بحسب ما أكده ممثلون للمرجعية الدينية في كربلاء، ومنهم رجل الدين أحمد الصافي، الذي يؤم المصلين من جمعة لأخرى، غير أن بعض المتابعين يؤكدون أن وكلاء المرجعية في بعض المناطق في وسط وجنوب العراق، دعموا بتصريحات واضحة وعلنية قائمة بعينها.
ويقول رجل الدين ناصر الاسدي، وهو عضو في مكتب المرجع صادق الشيرازي في كربلاء، إن "ثمة دورا سياسيا على المرجعية الدينية أن تؤديه، لكن لا يتمثل هذا الدور بالضرورة في الإفصاح عن دعم واضح لجهة سياسية ما"، ويصف ألاسدي نزول المرجعية إلى مستوى الترويج لحزب أو كتلة انتخابية بأنه "يتعارض بشكل تام مع منزلة المرجعية ودورها"، ويضيف لـنقاش ان "المرجعية الدينية خيمة كبيرة تظلل الجميع، ومتى ما أحرمت آخرين من ظلها، فإن ذلك يتعارض مع دورها ويؤثر على منزلتها لدى الناس".
ويذهب المحلل السياسي حسين علاوي الى ان ما تخشاه بعض الاحزاب السياسية أنما هو تأييد المرجع الأعلى لجهة سياسية دون سواها، ومع أن المرجعية الدينية أكدت أنها تقف من الجميع على مسافة واحدة، إلا أن الأحزاب العلمانية والجهات السياسية غير الدينية، مازالت لديها هذه المخاوف، لانه من الممكن ابتداع بعض الكتل الانتخابية، وخصوصا الدينية الشيعية منها، لطرق ووسائل دعائية قد توحي بأنها مُؤيَدةً من قبل المرجعية، من قبيل الدعاية، أو استغلال المناسبات الدينية، أو إظهار دفاعها عن المرجعية الدينية.
لكن حسين العامري مدير المكتب الإعلامي لمفوضية الانتخابات في كربلاء، يقلل من حدة هذه المخاوف، ويقول لـنقاش إن "تعليمات المفوضية تمنع استغلال الدين في الدعاية الانتخابية"، ويعتقد العامري أن "الأحزاب والكتل السياسية لاتجرؤ على مخالفة تعليمات المفوضية خشية تعريض نفسها لعقوبات قد تصل إلى الحرمان من المشاركة في الانتخابات. |