|
|
عرض مشين! |
|
|
|
|
تاريخ النشر
02/02/2010 06:00 AM
|
|
|
تقول نكتة، هي اقسى من ان تكون نكتة، ان مليونيرا عرض على فتاة مبلغا كبيرا من المال، مقابل ليلة معها، لكنها رفضت. وطالت السهرة وهي ترفض: مليون؟ لا! خمسة ملايين؟ لا! عشرة ملايين؟ لا! اذن ربع ثروتي؟ لا! نصف ثروتي؟ ايضا لا! وعندما سألها ماذا تريد بالضبط؟ قالت: كل ثروتك! عندها ضحك المليونير واعلن موافقته قائلا: - موافق فهيا.. نتفاوض! لقد حددت لنفسها، كسلعة، ثمنا، ومثل اي سلعة، فانه يمكن التفاوض على سعرها! وقد اقتربت السينما الاميركية من هذا المعنى بفلم «عرض مشين» الذي مثله روبرت ردفورد، وانتهى ، خلافا لمجرى الامور في الحياة الواقعية : نهاية سعيدة! وفي الحقيقة فان كل مايعرض كسلعة يمكن التفاوض والحصول عليه، لكن الاشياء التي لاسعر لها لايمكن شراؤها على الاطلاق! مع السياسي المحترف الامر في غاية السهولة، فمتى ماعرفت مصاريف حملته الانتخابية عرفت سعر الكلفة وسعر البيع، ومتى ماعرفت تكاليف قناته الفضائية وتكاليف صحافته استطعت تحديد سعره قبل الاقتراب منه! مع المثقف، ينبغي ان تكون في غاية الحذر والدهاء. قيل ان معاوية بن ابي سفيان، وانا اكتب من الذاكرة، عرض على مثقف من وجهاء قومه ممن عرف بالاستقامة وكراهية السلطة الجائرة، وهي عندنا جائرة طول عمرها، منصب قاضي القضاة، فرفض رغم كل الاغراءات والتهديدات، وعندما يئس منه دعاه ذات يوم الى وليمة فحضر دون ان يأكل شيئا، وامام الجميع خيره معاوية (اقرأ فاوضه) بين قبول المنصب او تناول شيء من حلوى اعدها بعناية، تقول كتب التاريخ انها خلطة من العسل والجوز واللوز ولبن العصفور والكلاكسي! يعني حلوى فاخرة بكل معنى الكلمة. وظل الرجل حائرا، وضعفت مقاومته فاختار اهون الشرين وهو اكل قطعة الحلوى! وعندما غادر. قال معاوية لمن حوله: لقد ذاقها.. وسيعود ليطلب المنصب وهو..ماحصل فعلا! فقد قبل بمبدأ التفاوض. وصار له سعر! لكن مثقفا اخر بحجم الامام ابو حنيفة، خير بين قبول المنصب الحكومي أو السجن والتعذيب، فاختار دون تردد السجن والتعذيب وقد قضى محبوسا وقيل قضى تحت التعذيب! ومثقف اليوم هو ابن احدى السلالتين: اما ان يأكل من مائدة ولي النعم (وفي العراق يمكن ان تأكل من مائدة الحاكم او من مائدة خصومه، فكلهم اصحاب نعمة وكلنا للوطن!) واما ان يرفض. واذا نظرت الى الجهد الذي بذله معاوية في التدبير والتخطيط وصناعة الفالوذج، لاصطياد مثقف، سترتبك وتصاب بالدهشة والخجل وانت تسمع «العرض المشين» المقدم من المثقفين الذين يسألون عن فالوذج الحكومة! رغم علمهم ان فالوذجها وبقلاوتها وزلابيتها مسمومة، لكنهم ما انفكوا يسألون اين البقلاوة؟ اين دعم الحكومة؟ بدلا من ان يحتفلوا بان الله كفاهم شر الحكومة. والا لوجدت الكثير من المثقفين اليوم يحملون اوسمة جوائز حكومية اغرب من جوائز قادسية صدام للآداب والفنون والجوبي! يقول المثل الانكليزي: من يدفع للعازفين هو الذي يحدد اللحن الذي سيعزف! وبالمناسبة: فان عنوان «عرض مشين» لا يتعلق بالفلم او النكتة! |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ عامر بدر حسون
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|