|
|
كآبة بغداد |
|
|
|
|
تاريخ النشر
02/02/2010 06:00 AM
|
|
|
في مرةٍ من المرات قدّم السائحون الأجانب طلباً الى بلدية طوكيو من اجل «إبطاء» سرعة المترو في العاصمة اليابانية حتى يتسنى لهم رؤية معالم المدينة، ويبدو أن سرعة المترو الياباني هائلة الى حدود تضييع وتشبيح معالم الأشياء خلف النافذة، ولا اعرف هل استجابت البلدية لطلب السوّاح ام «غلست» على الموضوع. هل أقول إنني أتذكر هذه الحكاية دائماً، كلما مررت ببغداد، قاطعاً شوارعها وأحياءها من الشمال الى الجنوب وبالعكس؟ هل أقول إن لدي حلما مستحيلا يراودني كل صباح بأن تصل السيارة بي من دون المرور ببغداد نفسها، نوع من المترو الياباني لا يسمح لي بمصادفة معالم بغداد الكابية والخالية من أي مسحة للجمال، رغم انف التشجير والحدائق الصغيرة التي أنشأتها أمانة بغداد هنا أو هناك في الشوارع والساحات. ربما تراود هذه المشاعر شخصاً مثلي، لأني في الأصل لست سائحاً، وأنا جزء من المدينة مثل الأرصفة التي فيها وأعمدة الكهرباء، ولكن غياب الجمال عن بغداد هو شيء لا يحتاج الى براهين كثيرة. أتذكر كلاماً ذكره لي سائق اجرة كردي من السليمانية (جلال الطالباني قطع اسلاك المولدات الأهلية لأنها تشوه صورة المدينة).. كيف يحصل المواطنون على الكهرباء إذن، وهل يستحق الحفاظ على الجمال ثمناً باهظاً كهذا؟ كان علي ان اسأل السائق الكردي هذه الاسئلة. بامكانكم ان لا تصدقوا كلام هذا السائق، ولكني اتمنى ان تصدقوا انني رأيت، في مرةٍ، جملاً يرعى في أزبال جزرة وسطية ببغداد، الامر إذن تجاوز قطعان الخراف والماعز، وتجاوز مشكلة الازبال والنفايات، او الارصفة المشوهة والبشعة، إنها تراكمات كثيرة انتجها زمن طويل من الاهمال والفوضى والتأخر في كل شيء. من المسؤول حقاً عن المنظر الكئيب لشارع السعدون مثلاً، وهو شارع كان من المعالم السياحية في بغداد، والآن عليك ان لا ترفع عينيك الى واجهات البنايات الكالحة حتى لا تزداد كآبة. عمارات بواجهات مليئة بخطوط المطر وتشابك وايرات السحب (اين ذهب جلال الطالباني منا!) . بنايات تذكّر بعزٍ غابر. شارع الرشيد اكثر كآبة وعتمة في وضح النهار، والكثير من احياء بغداد تشبه متحفاً مهجوراً. وفوق هذا وذاك الحواجز الكونكريتية التي اعلنت الاجهزة الامنية انها سترفعها (في منتصف العام الماضي) خلال ستين يوماً، ثم تراجعت عن ذلك سريعاً حين شعرت بان الامر مبكر جداً، لتبقى هذه الحواجز جزءاً اساسياً ومهماً من قبح المدينة. عليكم الاسراع، يا أخوتي، بإزالة الكآبة عن وجه المدينة فهو جزء من التنمية والاعمار ومكافحة الارهاب والحزن الجماعي، اما اذا كان الامر عسيراً، فلا بأس باستيراد المترو الياباني حتى يخلصنا من معالم المدينة الكابية. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ احمد السعداوي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|